الخاتمة الباب الثاني الباب الاول

الفصل الثالث

 العنف الأسري الاسباب و نتائج

الفصل الثاني  

 التعامل مع الاولاد

الفصل الاول

تعامل الزوج مع الزوجة

الباب الثالث

تمهيد

سبق أن قدمنا بأن هذا الباب -في العنف الأسري- هو الباب الأهم من أبواب هذا الكتاب، وهو الباب الذي من أجله عقد العزم منا لتأليف هذا الكتاب، وإن يكن هناك كلام قد سبق منا في كل من الباب الأول والثاني فإنما يعد هذا الكلام المتقدم مقدمة تعريفية. بهذه المؤسسة التربوية -الأسرة- والتي كانت محوراً دارت حوله أبحاث هذا الكتاب جميعاً.

فما يهمنا في هذه الدراسة هو أن نضع بين أيدي القراء الكرام المنهج الإسلامي الصحيح الذي جاء به الدين الإسلامي الحنيف في هذا المجال لكي ندحض مزاعم أولئك الذين ينعتون هذا الدين بالعنف في التعامل مع المرأة حيث يزعمون بأن الدين الإسلامي كان قد صادر حقوق هذه المخلوقة من خلال الأحكام الجائرة الخاصة بالأسرة.

ثم أنهم دعموا مزاعمهم هذه بما يصدر من البعض من الناس ممن لا يعدون ممثلين للإسلام فلم يفرقوا في ذلك -قصداً منهم- بين النظريات الإسلامية الصحيحة، وبين ما يصدر من عامة الناس ممن يخالفون في سلوكهم الأحكام القويمة لهذا الدين.

ثم أننا نروم في ذلك أيضاً أن نعيد ثقة أبناء الإسلام -ممن أبهرتهم الحضارة الغربية- بدينهم وبأحكامه العادلة، وذلك أنهم نتيجة الانقطاع عن أحكام هذا الدين، مضافاً لتأثرهم بالاعلام المضاد للإسلام كانوا قد فقدوا الثقة بدينهم فصاروا يمقتونه عند ذكره أمامهم، ملقين عليه باللوم في التخلف الحاصل بين بلداننا الإسلامية متناسين إبعاد القرآن الكريم في بلداننا عن جعله دستوراً صحيحاً يمكننا السير على نهجه، وكذلك هو الحال بالنسبة إلى السنة النبوية الشريفة.

كما نسوا بأن القوانين التي تعتمدها بلداننا -التي ينكرون عليها تخلفها- إنما هي قوانين مستمدة من القوانين الغربية التي كانت مستمدة في الأصل من الشريعتين الرومانية واليونانية.

عليه رأينا بأنه من الواجب علينا أن نضع منهاج العمل الذي وضعه الإسلام نصب أعين كل من الزوج والزوجة في تعاملهما مع بعضهما، وفي تعاملهما مع ثمرات الرابطة التي تربط بينهما أعني بهم فلذات أكبادنا ألا وهم أطفالنا الأعزاء.

وقبل الخوض في هذا الأمر سوف نتعرض لمسائل من صميم هذا ألأمر إذ تترتب عليها كثير من الأمور مما يخص التعامل الأسري فنذكر هذه العناوين من باب المقدمة قبل الولوج في فصول هذا الباب.

طبيعة الأسرة؟

هناك سؤال ملح يفرض نفسه علينا، ويجبرنا على الإجابة عليه مؤدى هذا السؤال هو:

ما هي طبيعة العلاقة بين الزوجين؟

إن الكثير من الكتاب يطلق على الأسرة، أو العلاقة بين الزوجين بأنها علاقة اندماج وانصهار وبأن الزواج هو في الواقع مركب. فإذا كان الأمر كذلك -كون الزواج مركب- فما هي طبيعة هذا الاندماج والمركب يا ترى؟

«فهل هو يا ترى من نوع تلك المركبات الكيميائية التي يلغي المركب فيها أجزاءه بالكامل ليولد لنا عنصراً جديداً لا ذكر للأجزاء فيه إلاّ على مستوى ذكر المكونات فقط؟

أم أنه من نوع المركبات التي يطغى فيها جانب أحد جزئيها على الجزء الآخر؟

أم أنه ذلك النوع الذي يبقى كل من طرفيه يحتفظ بوجوده»([1])؟

إن الجواب عن هذا السؤال بأحد الاحتمالات الثلاثة المتقدمة قد يثير شكاً في نفوس البعض لكون الجواب قد ينتقض بما قد يكون عليه الواقع في بعض المجتمعات مما قد يخالف الرأي المختار.

فمثلاً لو قيل بأن الأسرة هي من نوع المركبات التي تذوب فيه أجزاءه تماماً أي من النوع الأول المتقدم الذكر، فقد ينقضه البعض بغلبة الزوج في بعض المجتمعات، أو بالعكس في بعضها الآخر فينتقض الجواب.

نقول وكما سبق أن قدمنا بأن صحة النظرية وعدم صحتها لا يمكن الحكم عليه من خلال التصرف الخاطيء للعامة من الناس الذين يخالفون في سلوكياتهم تلك النظريات.

إنما صحة النظرية من عدمه إنما يؤخذ من أولئك الذين يعتنقون النظرية، ويقومون بتطبيقها بحذافيرها، أو أن يرجع إلى نفس تلك النظريات فيعرف صحة الجواب من عدمه.

بعبارة أوضح إننا نحكم من خلال النظرية على سلوك الأفراد لا من خلال سلوك الأفراد على صحة ما ينسب إلى النظرية من عدمه.

إذن فما قد يرد من البعض من الإشكال على ما نورد من الجواب من خلال سلوكيات البعض الذي ينافي الرأي المختار لا يمكنه أن ينقض الرأي المختار.

بعدما تقدم نقول أن الأسرة لا يمكن أن تكون من نوع المركب الأول -وهو الذي يلغي أجزاءه تماماً- وذلك أنه من غير الممكن أن تكون سفينة الأسرة بلا قائد يمكن أن يقود تلك السفينة إلى بر الأمان.

كما أنه من غير المعقول أن يكون من نوع المركبات التي تطغى فيها شخصية أحد طرفي المركب على حساب الآخر بحيث تذوب فيه شخصية الآخر فالدين الإسلامي لا ينظر إلى الزواج وتكوين الأسرة على أنه من النوع الأول الذي تلغى فيه شخصية كل من الطرفين، إنما يرى بأن الأسرة أمانة ثقيلة تكون في عهدة قائد يأخذ بيدها نحو هدفها المنشود، والمنوط بها ألا وهو امداد المجتمع باللبنات الصالحة التي بصلاحها مع صلاح غيرها يصلح المجتمع وتنتشر فيه الفضيلة والخير.

كما أنه لا يريد للأسرة أن يطغى فيها أحد الزوجين ويسيطر سيطرة قائد متسلط بحيث تفنى كل شخصية أمام شخصيته ويصادر كل رأي حين يبدي هذا القائد المتسلط رأيه.

ولكن الإسلام يجعل من الأسرة مؤسسة اجتماعية أنيطت قيادتها إلى أحد الطرفين ولكن لا على أساس سيطرة هذا الطرف سيطرة الديكتاتور على أفراد مملكته بحيث لا يمكن لأحد أن يبدي رأيه في وجود ذلك الديكتاتور، ولكن الأمر هو أن هذا القائد لا يمكنه أن يصادر آراء الطرف الآخر، ولا يمكن أن يفني شخصية ذلك الطرف.

من يقود الأسرة؟

تقدم أن الأركان التي تتكون منها الأسرة هي:

1- الرجل أو الزوج.

2- المرأة أو الزوجة.

3- الأولاد.

هنا نقول على عهدة مَن مِن الأركان الذين سبق ذكرهم تقع مسؤولية قيادة الأسرة.

إن هذه المسؤولية -مسؤولية القيادة- «لا يمكن أن تقع على عاتق الأولاد، لأن الأولاد هم بحاجة إلى من يدير لهم شؤونهم، يبقى -هناك- شخصان آخران مرشحان لإدارة الأسرة»([2]) وهذان المرشحان هما:

1- الرجل: الزوج.

2- المرأة: الزوجة.

فمن المرشح الأوفر حظاً والذي أنيطت به هذه المهمة الخطيرة؟

وهل أن الاختيار لمن يقود الأسرة قد وقع اعتباطاً، وبناءاً على النظرة الفوقية -للبعض- إلى الرجل والتي ترفع من شأن الرجل على المرأة أم أن هذا الاختيار وقع بناءاً على حسابات حكيمة؟

إن الرجل هو الطرف الذي اختاره الإسلام وأناط به مهمة قيادة الأسرة، ولكن الشيء المهم والذي لابد من توجيه الأنظار إليه هو أن إناطة مهمة قيادة الأسرة للرجل لا يعني -في حقيقته- أنه نوع من التفضيل الذي خص الإسلام به الرجل دون المرأة، بقدر ما هو واجب ثقيل ألقي على عاتقه وفق ما يتناسب وطبيعته السيكولوجية والنفسية والعاطفية.

«إن قيادة الرجل في العائلة ليس تكريماً روتينياً للرجل، وإنما هي تحقيق لهدف الزوجية، وتكريس لخصائص طرفي الزواج، تماماً كما أن طاعة الزوجة للزوج، ليس تخلفاً مشيناً، وإنما هي استجابة للقيادة في الأسرة»([3]) إذن فلا تذهب الظنون بالمرأة في أن الإسلام قد فضل عليها الرجل لكونه أوكل قيادة الأسرة إليه دونها، بل وعليها التنبه جيداً لأولئك الذين يتصيدون في الماء العكر -على ما يقال- رغبة منهم في أن يفقد أبناء الإسلام ثقتهم في دينهم مستغلين نقاطاً معينة مفسرين الغرض منها على أهوائهم ووفق ما يخدم مصالحهم وأهدافهم.

وبالمقابل ليس على الرجل أن يشمخ بأنفه إلى السماء متصوراً أفضليته على المرأة لمجرد اختياره لقيادة الأسرة، إنما عليه أن يدرك بأن هذا واجباً ثقيلاً وأمانة عليه أن يكون أهلاً لتحملها وتأديتها على أتم وجه.

اللاعنف محور تدور حوله وظيفة القيادة

في ضوء ما مر آنفاً يتبين لنا أن طبيعة قيادة الرجل للأسرة «ليست تسلطاً واستيلاءاً، ولذلك فإنها لا تمنع من مساهمة المرأة في الإدارة، غير أنها لا تفرض عليها المساهمة، ولا تكرهها عليها».

وقيادة الرجل ذاتها لا تخرج إطلاقاً عن دائرة المسؤولية إلى دائرة التحكم، بالتعامل بالقسوة، والتطلع بالغلظة في السلوك والمعاشرة، وإن جنحت القيادة إلى ذلك فهي تعبير عن افلاس الرجل في فهم القيادة وتطبيقها.

وفي الواقع فإن قيادة الرجل، قضية مغروسة في لا شعور كل من الرجل والمرأة»([4]).

إذن فطبيعة قيادة الرجل للأسرة لم تكن مبنية على أساس العنف، ولم تكن فلسفة اعطاء الرجل قيادة الأسرة مبنية على أساس أن الرجل يمتلك القوة العضلية التي يمكنه من خلالها التحكم والسيطرة.

طريقة إدارة الأسرة لا يمكن أن تعتمد العنف:

يترتب علىما تقدم ذكره أنه إن كان قائد الأسرة يريد أن يصل إلى الدرجة المثلى في قيادته لأسرته فليس عليه أن يتبع الأسلوب العنيف في ذلك، فليس الزوجين في حلبة صراع تكون الأفضلية والفوز فيها للأقوى، ولكن إن كان القائد يهدف إلى أن يُطيِّع الآخر «فعليه أن يخضعه بطريقة إنسانية، وليس بطريقة وحشية أو تسلطية وما إلى ذلك»([5]).

هل يؤثر تفاوت مستوى الوعي على الحياة الزوجية؟

هناك حالات ثلاث في مسألة تفاوت المستوى الثقافي بين كل من الزوج والزجة وهذه الحالات لا ثالث لها إذ أنها قد حصرت حصراً عقلياً وهذه الحالات هي:

1- أن يكون الزوج له من المؤهلات العلمية والثقافية ما يفوق به مستوى الزوجة.

2- أن يكون كلا من الزوجين متكافئين في مستواهما الثقافي، أو متقاربين فيه.

3- أن تكون الزوجة تفوق في مستواها الثقافي الرجل.

فهل يكون لهذه الحالات الثلاث أثر في سير الحياة الزوجية سلباً أو ايجاباً، أم أن هذا الأمر لا أثر له مطلقاً على ذلك؟

نقول أما بالنسبة للحالة الأولى فنستطيع القول بأن هذه الحالة لا تثير إشكالاً، ولا تؤثر سلباً على إدارة الأسرة وذلك أن مهمة إدارة الأسرة منوطة بالزوج كما تقدم، وبما أن الزوج هو الذي يتفوق في الفرض الأول -من حيث مستواه الثقافي- على المرأة فإن الأمور هنا في نصابها الصحيح، وعلىطبيعتها وليس هناك ما يخل بسير الأسرة وإدارتها.

أما الحالة الثانية والتي يتكافأ فيها الزوجان في مستواهما الثقافي، فإن هذه الحالة لا تشكل -أيضاً- تأثيراً سلبياً على إدارة الأسرة، وأنه «لابد للزوجين من أن يتفقا على التخطيط لحياتهما الزوجية، وعلى توزيع الأدوار في إدارة هذه الحياة فيما يتصل بمسؤولية كل واحد منهما تجاه الآخر، أو تجاه حياتهما المشتركة»([6]).

أما الحالة الثالثة فإنها هي التي تعد ذات مردود سلبي على إدارة الحياة الزوجية فيما لو لم يكن الطرفان يتفهمان طبيعة الحياة الزوجية، بل ولو كانا يتفهمانها.

فالمشكلة  تكمن في أن الرجل يحس -غالباً- بأن قيادة الأسرة من الوظائف التي أوكلت إليه في برنامج توزيع الأدوار، والمرأة تحس -بمقتضى تفوق مستواها الثقافي على مستوى الرجل- بأنها تعي الأمور أكثر منه، إن الأمر ولهذا الحد لا إشكال فيه ولا غبار عليه فيما لو كان الرجل يتصرف بالمستوى الصحيح ولم ينحرف عن جادة الصواب عند ممارسته لوظيفته في قيادة الأسرة.

ولكن المشكلة تكمن في الحالة التي ينحرف فيها الرجل -في قيادته للأسرة- عن جادة الصواب، وأدركت المرأة -بمقتضى مستواها الذي تفوق فيه الرجل- ذلك الانحراف، ففي هذه الحالة تكون المرأة بين أمرين هما:

1- بين أن تسكت عن ذلك الانحراف عن الجادة الصحيحة، وفي هذا السكوت من الخطورة ما يعود بالضرر على الأسرة إذ قد يقود ذلك الانحراف الأسرة إلى الهاوية.

2- أن تبدي رأيها في انحراف الزوج عن الجادة والذي قد يفهم منه الزوج بأنه إهانة له، فيصر على ذلك النهج الخاطيء الذي يسير عليه، وعندها يكون الأمر أوخم من الأول، فعلاوة على أن هذا النهج الخاطيء الذي يسير عليه الزوج ربما يقود الأسرة إلى الهاوية، ستكون الحياة الزوجية ساحة للجدال والشجار الذي يكون له مردوده السلبي على الأسرة، والذي ربما يعرضها إلى مطبات كبيرة.

فهنا نقول بأنه لابد لكل من الزوجين -سواء كان الزوج أم الزوجة- أن يفهم بأن الشخص الأوعى هو الذي يجب أن يتحمل مسؤولية الإدارة والتخطيط في حين يقوم الآخر بوظيفة التنفيذ، وأن هذا مما لا يخل بشخصية أحدهما قطعاً، وذلك أنهما يجب أن يدركا بأنهما إنما أسسا هذه المؤسسة -الأسرة- لهدف خدمة المجتمع من خلال امداده بالأبناء الصالحين، وأن المسألة ليست مسألة إبراز عضلات، وعنف،وقوة بقدر ما هي مهمة بحاجة إلى عقل راجح بإمكانه أن يؤدي الغرض الذي من أجله أنشئت الأسرة.

عليه «إذا كان هناك فارق في الوعي -بين الزوجين- فلابد للطرف الذي يملك وعياً أكثر من أن يخطط لإدارة العلاقة الزوجية، ومن أن ينطلق بوعيه لاحتواء فكر الآخر فيدفعه إلى مشاركته في عملية التخطيط والإدارة»([7]).

إذن على الطرف الواعي أن يحاول استيعاب أخطاء الآخر، وخصوصاً إذا كانت المرأة هي التي تمتلك وعياً يفوق وعي الرجل، فليس عليها أن تشعره بأنها أوعى منه للأمور فيخدش ذلك مشاعره مما قد يدفعه إلى المكابرة وتأخذه العزة بالاثم من أن الزوجة -حسبما يرى- تحاول جرح شعوره فيكون الأمر مدعاة ضرر على سير الحياة الزوجية.

هل يمكن للمرأة أن تقود الأسرة:

قد يقال بأنه إذا كان الملاك هو الوعي، في قيادة الأسرة، وليس الملاك التفوق العضلي فلماذا لا توكل مهمة قيادة الأسرة إلى المرأة، وخصوصاً لو كانت تمتلك وعياً أكثر من الزوج؟

نقول أنه ليس هناك مانع عقلي يمنع من قيادة الزوجة للأسرة، ولكن هناك أمور قد عجنت بفطرة المرأة لو أنها تمكنت من التخلص منها لما كان هناك أي مانع من تولي المرأة مهمة قيادة الأسرة وتمشية أمورها.

إن «المرأة بحكم طبيعتها الرقيقة، وعاطفتها الأنثوية، وبحكم امتلاكها للمفاتن الخاصة لا تستطيع أن تدير هذه المؤسسة، وعلى الأقل فإنها لا تستطيع أن تقود الرجل»([8]).

فالمعروف أن من المواقف -التي تمر بها الأسرة- ما يحتاج إلى الشدة وتنحية كل ما يمت إلى العاطفة بصلة، كما لو توقف علاج الابن على أن يمنع من الطعام لفترة من النهار، فهل تتمكن الأم يا ترى من أن تسيطر على عاطفتها الجياشة في قبال تضور ولدها من الجوع وصراخه منه حيث لا يعرف أن الأمر يعود بالنفع عليه لا بالضرر؟

ثم هل تستطيع المرأة أن تقفز فوق تركيبتها العضوية لتقف بشجاعة في قبال ما قد يتهدد الأسرة من المخاطر؟

أم هل يمكنها تحمل ما يحل بالأسرة من نائبة بصبر لكي لا يختل ميزان سير الأسرة؟

إن هذه الأمور هي مما عجنت به فطرة المرأة، ومما لا خلاص لها منه فكيف يمكنها أن تقف علىنهج واحد في قبال صروف الدهر، وما يحل بالأسرة من نوائب ومصاعب.

ماذا لو أوكلت قيادة الأسرة للمرأة؟

لو تجاوزنا كل ما تقدم، وأوكلنا أمر قيادة الأسرة للزوجة، فماذا يكون لهذا الأمر من أثر؟

إن هناك آثار سلبية كثيرة تعود بالضرر على كل من الزوجة -ذاتها-، والزوج، والأسرة أيضاً فمن هذه التأثيرات نذكر التالي:

1- قتل شعور المرأة بالحماية وهو الذي تريده من الرجل، فالمعروف أن طبيعة المرأة وتركيبتها العضوية أضعف من الرجل لذا فهي تحس بضعف،وخوف لا تحس بالحماية فيه إلاّ حين تكون إلى جانب الرجل.

2- امتهان كرامة، وقوة، وطبيعة الرجل: وذلك أن تركيبة الرجل العضوية تفرض عليه أن يقف سداً واقياً، وحصناً منيعاً يحيط بمن يرتبط معها برباط الزوجية، فكيف يمكن أن يجرح شعوره بسلبة ما يتناسب وطبيعته.

3- «نحمل المرأة أكثر مما تحتمل وعلى الأقل في حالات الحمل والرضاع، والعادة الشهرية، لأن عليها إذ ذاك أن تتحمل كل هذه الآلام الخاصة مع الآلام، ومسؤولية القيادة»([9]).

وهذا يعني أننا نضيف للمرأة ما لا يتناسب وطبيعتها العضوية، وهو ما يرفضه الدين الإسلامي الحنيف حيث كلف الإنسان كل بما يتناسب وطبيعته.

4- نخل بسير الأسرة ذاتها إذ أن المرأة -وكما قدمنا- تحكم في أغلب الأحيان بعاطفتها التي لا يمكنها أن تتخلص منها يوماً، لذا تجد الأسرة تفقد الشدة حيث تحتاج إليها مما يخل بسيرها نحو هدفها المرجو.

إذن فتولية الزوجة مهمة قيادة الأسرة هو ظلم للمرأة ذاتها لا تكريم لها، إذ أننا حينها نكلف الزوجة بما لا يتناسب وقابليتها فنكون بذلك قد أجحفنا حقها لا كرمناها.

ولكننا نؤكد على ضرورة إشراك المرأة، ومساهمتها في تسيير شؤون الأسرة، إذ أن ذلك من شأنه أن يشعر المرأة بأهميتها، ويبعث الثقة في نفسها بكونها نصف هذه الحياة فتكون حينها قادرة على العطاء أكثر فأكثر في ظل جو ديمقراطي كمثل هذا.

معنى شاورهن وخالفوهن:

ورد عن النبي محمد(ص)، أنه قال:

«شاوروهن وخالفوهن».

ولقد أثار هذا الحديث ضجة من قبل النساء، كما اندفع الكثير من الرجال إلى استغلاله كدليل على قلة شأن المرأة والحق أن هذين الموقفين من الرجل والمرأة إزاء هذا الحديث لم يكونا إلاّ عن سوء فهم من قبل كل منهما للحديث النبوي المتقدم.

فنحن لو أخذنا الحديث على ظاهره للزم أن نتهم الرسول(ص) بالأمر باتباع الباطل والخطأ، ومجانبة الحق والرأي الصائب، إذ أنه يمكن أخذ الحديث على ظاهره فيما لو أشارت المرأة علىالرجل بالخطأ من الراي، ولكن ماذا لو أشارت المرأة على الرجل بالراي الحق فهل يعني ذلك أن الرجل -وامتثالاً لحديث الرسول وأمره- يجب عليه أن يجانب الحق لكي لا يخالف قول رسول الله(ص)؟

إن هذا مما لا يمكن قوله وحاشا لرسول الله(ص) أن يأمر به.

فقد قيل في معنى «شاوروهن وخالفوهن»:

«عودوهن على المخالفة، وهذا التعود يمكن الرجل من التماسك أمام المرأة فيما تطلبه منه، كما يجعل المرأة تشعر بأن الرجل يملك القدرة على الرفض في بعض القضايا التي قد تريدها منه والتي تجانب في طبيعتها الصواب. وهذا يلتقي مع الكلمة المنسوبة للإمام علي(ع) وهي: (لا تطيعوهن بالمعروف كي لا يطمعن في المنكر).

وتعني هذه الكلمة ألا يعود الرجل المرأة على الطاعة المطلقة في المعروف من خلال أنه طاعة لها لا من خلال أنه معروف -على أساس أن الطاعة للمرأة بمعنى الاستسلام لها قد يجعلها تطمح في أن تعود الرجل على المنكر مستغلة الجانب العاطفي الغريزي عنده.

لهذا فإن هذا الحديث لا يتحدث عن قيمة رأي المرأة ليقول: أن رأيها لا يمثل قيمة، بل أنه تحدث عن طبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة ويرى أن تكون علاقة منطلقة من الحذر الذي يراد له أن يوحي للمرأة بأن من الممكن للرجل أن يخالفها، وأن يوحي للرجل بأن عليه ألا يستسلم للمرأة»([10]).

كما شكك البعض من العلماء الأعاظم بصدور حديث كهذا عن رسول الله(ص) وغيره من المعصومين (عليهم السلام)، وذلك أنه يستلزم أمر الرسول بالأخذ بالباطل، في بعض الأحيان وأمره(ص) بمجانبة الحق في أحيان أخرى.

ونحن نقول -بعد القول بتضعيف الحديث- بأن رسول الله(ص) إنما أمر بالمخالفة لمشورة المرأة، إنما هو ناظر إلى المشورة الخاطئة المجانبة للحقيقة أما إذا كانت المشورة بالحق فلا نحسب أن رسول الله(ص) يأمرنا بمخالفة الرأي الصحيح، ومجانبة الحق لا لشيء إلاّ لكون هذا الحق، والرأي الصائب قد تمثل في قول صدر عن امرأة.

لابد من احترام وجود الآخر:

لابد للرجل الذي يتولى قيادة الأسرة، وأوكلت إليه هذه المهمة الخطيرة أن يراعي في ذلك ويضع نصب عينيه الأمر التالي:

وهذا الأمر هو أنه «إذا كان من حقك أن تكون حراً في حياتك لتأكيد مسألة وجودك، فإن الآخرين من حقهم أن يكونوا أحراراً لتأكيد وجودهم، ولذلك لابد للحرية من أن تأخذ لنفسها الضوابط والقيود التي تمنعها من أن تلغي نفسها في جانب لتأكيد نفسها في جانب آخر، وهذا ضروري لتوازن الحرية في كل مواقعها من خلال ذلك»([11]).

اللاعنف أمر ضروري في أية حالة إدارية:

لابد من توجيه نظركل من أوكلت إليه الإدارة، وأعني هنا الإدارة بصورة عامة لكل شيء سواء كان مؤسسة، أم دائرة أم شركة، أم مدرسة، فضلاً عن من يمارس إدارة الأسرة أعني بذلك الرجل لأمر مهم كيما تأتي ممارسته لوظيفته الإدارية أكلها، ويصل من خلال إدارته إلى الهدف الذي يقصد الوصول إليه بالنسبة لما يريده.

فمن يتولى الإدارة عليه أن يدرك بأنه لم يكن يتولى الشركة بما هي شركة أو المؤسسة بما هي مؤسسة، بقدر ما يجب عليه أن يدرك بأنه إنما يتعامل مع هذه المؤسسة بالنسبة للعاملين فيها.

وبناءاً على أن العاملين تحت إدارة هذا المدير، أو المتعاونين معه لم يكونوا إلاّ أفراداً يحملون في جنباتهم الإنسانية والمشاعر لذا يجب على المدير أن يتحسس هذا الجانب في الذين يكونون تحت إدارته أو المتعاونين معه في تمشية أمورها.

«إن على الذي يتولى الإدارة أن يتحسس إنسانية الأشخاص الذين يتعاونون معه، وعلينا ألا نعتبر الإدارة مجرد شيء جامد تحكمه المواد القانونية أو التعليمات الشرعية والاجتماعية، وما إلى ذلك... بل علينا أن نعتبر الإدارة حالة إنسانية لا يمكن أن تنجح إلاّ إذا توافرت كل الشروط الإنسانية في الأشخاص الذين يعيشون في داخل هذه الإدارة»([12]) ولكن ذلك لا يعني أن الذي قلناه ندعوا فيه إلى اهمال جانب كون الإدارة شيء تحكمه المواد القانونية والاجتماعية أو التعليمات الشرعية، فهذا الأمر واجب المراعاة، ولكننا نقول بأنه لا يمكن اهمال أحد الجانبين في سبيل تغليب الجانب الآخر. وإنما يسعى المدير قدر الامكان إلى التوفيق بين الجانبين بحيث لا يقصر في اهمال أحدهما، ولا يغالي في تغليب الآخر.

لقد كان ما تقدم من الكلام هو عن الإدارة بصورة عامة، أما بخصوص ما نحن بصدده ألا وهو موضوع إدارة الرجل للأسرة فنقول فيه بأنه «لابد من أن يشعر الرجل بإنسانية المرأة، وأن تشعر المرأة بإنسانية الرجل، وأن يتحركا من خلال هذا الشعور لتكون العلاقة الزوجية حالة إنسانية يعيشانها»([13]).


([1]) الزواج مركب لا يلغي أجزاءه /مقاله/ مجلة البشرى/ ع 50.

([2]) كيف تسعد الحياة الزوجية/ 46.

([3]) نفس المصدر/54.

([4]) كيف تسعد الحياة الزوجية/ 47.

([5]) تأملات إسلامية حول المرأة/ 105.

([6]) نفس المصدر/ 103.

([7]) تأملات إسلامية حول المرأة /103-104.

([8]) كيف تسعد الحياة الزوجية/ 47.

([9]) نفس المصدر/ 48.

([10]) تأملات إسلامية حول المرأة/ 109-110.

([11]) تأملات إسلامية حول المرأة/ 82.

([12]) نفس المصدر/ 105.

([13]) نفس المصدر/ 105.