ما هو تعريفكم لمفهوم العنف؟

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وبعد: فإن الإجابة التفصيلية على هذه الأسئلة تحتاج إلى مجال آخر، ونكتفي في هذه العجالة بالإجابة الإجمالية.

العنف يمكن أن يعرف بتعريفات متعددة، ولعل من أفضلها أن العنف هو:

استخدام القوة المعتدية.

أما إذا لم يكن استخدام القوة اعتداءً فلا يمكن أن يعد ذلك عنفاً.

ولذا نرى أن العقلاء يرون الدفاع عن الوطن في مقابل هجوم العدو الغاشم – الذي لا طريق إلى دفعه. إلا التوسل بالقوة الدفاعية – أمراً مشروعاً، بل وضرورياً، ولا يمكن أن يعد ذلك مظهراً من مظاهر العنف بأي شكل من الأشكال.

 كيف، وبأية وسيلة  يمكن مكافحة العنف في المجتمع؟

أولاً: تعميم ثقافة اللاعنف، وتوضيحه أن العنف نار تحرق الكل ولا تستثني أحداً، وبيان مضار العنف: النفسية والاجتماعية والدينية.

وثانياً: بتوفير الحرية للمجتمع، فإنه في أجواء الكبت والإرهاب والاستبداد والديكتاتورية تنمو الاتجاهات المتطرفة والحركات التدميرية.

قال تعالى في سياق بيان صفات الرسول الأعظم  (ص):(يضع عنهم أصرهم والأغلال التي كانت عليهم).

وثالثاً: بإرساء دعائم العدالة الاجتماعية، وتوفير الفرص للجميع، وإعطاء حقوق الفقراء والمحرومين.

وقد جعل الإسلام (بيت المال) لعامة المسلمين: يسد عوزهم ويؤدي ديونهم… إلى غير ذلك من مهام بيت المال.

ورابعاً: بالرقابة الاجتماعية، وبالأنظمة العامة التي تحمي المجتمع من حاملي راية العنف.

وخامساً: بفتح قنوات الحوار البناء بين الأفراد والتجمعات.

 أين يمكن أن نبحث عن جذور ظاهرة العنف؟

جذور العنف هي:

أولاً: الجهل.

ثانياً: العصبية.

ثالثاً: الفهم الخاطئ للدين.

رابعاً: الاستبداد والديكتاتورية.

خامساً: الحرمان الاجتماعي.

سادساً: العنف والظلم من قبل الحكومات والأفراد، فإنه يولد العنف المضاد.

سابعاً: غلق قنوات الحوار البنّاء، أو ضيق هذه القنوات.

 هل هناك وجود للعنف المشروع؟

العنف – بالمعنى الذي تقدم – غير مسموح به مطلقاً.

هل يعد الجهاد لأجل الدفاع، أو إقامة الحدود الشرعية، في المجتمع الإسلامي، من مصاديق العنف؟

الجهاد ليس اعتداءً، ولذا فإنه لا يعتبر مصداقاً من مصاديق (العنف).

وتطبيق الحدود الشرعية لا يكون إلاّ ضمن شروط كثيرة تجعلها ضرورة حتمية، فلا تعتبر اعتداءً، ولا عنفاً.

وقد أحصى الإمام الشيرازي (قدس سره) العشرات من الشروط التي لا بد من توفرها حتى يصح تطبيق الحدود الشرعية.

هذا ولا يخفى أن الجهاد والحدود ليسا خاصين بالإسلام بل هما أمران مشروعان في جميع الأديان السماوية، بل في جميع القوانين الوضعية أيضاً، وإن اختلفت الألفاظ والمصطلحات.

هل لنا أن نتوسل بالعنف للتوصل إلى أهداف الإسلام الاستراتيجية؟

العنف ضار بالأهداف المقدسة الكبرى على المدى البعيد، وإن فرض أنه حقق بعض المكاسب الآنية السريعة.

ومن أضراره: أنه يشوه صورة الإسلام في الأذهان، ويعطي ذريعة للأعداء كي يصموا الإسلام بالعنف والهمجية والوحشية، ويخلقوا حاجزاً نفسياً بين الناس والإسلام.

وقد لاحظ الإسلام هذه النقطة أشد الملاحظة حتى اعتبر رسول الله (ص) ما قد يتخذ منفذاً للهجوم على الإسلام، فاعتبره سبباً لتعطيل بعض الحدود، لأنه أهم منها.

وهناك أمثلة عديدة لذلك ومنها ما ورد عنه (ص): (لولا أني أكره أن يقال أن محمداً استعان بقوم فلما ظفر بعدوه قتلهم، لضربت أعناق قوم كثر) (وسائل الشيعة/ ط آل البيت(ع)/ ج28 ص33/ حديث 3).

  أين، ومتى، وكيف، بدأت ظاهرة العنف؟

يتضح جواب هذا السؤال من مراجعة جواب السؤال الثالث.

هل العنف حالة مكتسبة أم ذاتية؟

لا شك في اختلاف ذاتيات الأفراد، فإن الناس معادن كمعادن الذهب والفضة، إلا أن التربية العائلية والمحيط الاجتماعي والنظام الحاكم لها أكبر الأثر في إذكاء حالة العنف في النفوس، وإشعال جذوة العنف في المجتمع.

 ما هي سبل مواجهة العنف؟

يتضح جواب هذا السؤال من مراجعة جواب السؤال الثاني.

 هل يمكن أن يكون العنف مؤثراً في مواجهة العنف؟

لا يصح استخدام العنف بالمعنى المتقدم ولو في مواجهة العنف.

نعم؛ إذا كانت هنالك ضرورة فلا بأس باستخدام القوة كما لو هاجم البلاد: عدو غاشم، فلا مانع من استخدام القسوة لصده، إذا لم تنفع الوسائل السلمية – كالإضرابات والمظاهرات ونحوها – في ذلك، إلا أن ذلك لا يسمى (عنفاً) بل (دفاعاً مشروعاً)، ولذا تستخدمه جميع الدول في مواجهة الأعداء المهاجمين من دون أن توصم بـ(العنف).

 إن رسول الله (ص)، والأئمة المعصومين (ع) هم قادة سفينة الهدى والنور، وهم التجسيد العملي للاعنف، فبأي علة لجأ بعض المسلمين، الذين يدعون الاقتداء بسيرتهم (ع)، إلى أعمال العنف؟

التعميم غير دقيق، إذ أننا نجد في تاريخ الأمة الإسلامية نماذج مشرقة للاعنف، اقتداءً بسيرة النبي الأعظم (ص)، والأئمة الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.

أما البعض الذين ابتعدوا عن هذا النهج فمن عوامل ذلك، الابتعاد عن الثقافة الإسلامية، والجهل بتاريخ النبي الأعظم والأئمة الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.

 يرجى التفضل بتوضيح بعض مصاديق منهج اللاعنف في الإسلام؟

المصاديق كثيرة نذكر منها:

أولاً: لا يحق للولي – كالأب مثلاً – ضرب الطفل، إلا بمقدار التأديب فقط، ولو ضرب الطفل أكثر فاحمر بدنه أو اخضر أو اسود فعليه الدية، كما هو مذكور في الرسائل الفقهية.

ثانياً: لا يجوز الانتقال – في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر – من مرحلة إلى مرحلة أشد إلا إذا لم تجد المرحلة السابقة، فلو كانت الكلمة الطيبة كافية في الحمل على المعروف أو الردع عن المنكر لم يحق للآمر أو الناهي استخدام الكلمة القاسية.

ثالثاً: يحبذ لأولياء المقتول العفو عن (القاتل عمداً) وعدم الاقتصاص منه.

فقد قال الله تعالى في القرآن الحكيم: (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له).

وفي الصحيح عن الإمام الصادق (ع) في قول الله عز وجل: (فمن تصدق به فهو كفارة له) قال: (يكفر عنه من ذنوبه بقدر ما عفا). (الوسائل/ ط آل البيت (ع)/ ج28/ ص119/ الباب 57/ الحديث1).

لماذا تبادر كل حكومة تريد أن تعرّف نفسها بأنها إسلامية إلى تطبيق أحكام القصاص والحدود في المجتمع الذي تحكمه؟

الإسلام منظومة فكرية وعملية متكاملة، والسعي لتطبيق الإسلام يجب أن يشمل جميع جوانب الإسلام، ولا يجوز تطبيق قوانين الحدود – مثلاً – وإهمال تعاليم الإسلام في المجالات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية وغيرها.

قال الله تعالى: (افتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض)؟

ويرى بعض الفقهاء أنه ما لم يطبق الإسلام في أبعاده السياسية والاقتصادية فلا يجوز إجراء قوانين الحدود.

 من المعلوم أن كلمة الإسلام ترادف اللاعنف والسلام، ولكن اليوم صارت أعمال العنف والقتل والاغتيالات تلصق بالإسلام، فهل سبب ذلك يعود للإسلام أم للمسلمين؟

السبب يعود إلى:

أولاً: بعض الممارسات اللامسؤولة لبعض الجماعات.

ثانياً: الإعلام العالمي المغرض الذي يحاول تشويه سمعة المسلمين وإيجاد الفاصلة النفسية والخارجية بين المسلمين والعالم الذي أخذ يبحث – بشدة – عن خلاص، وأخذ يتطلع إلى الإسلام كمنقذ من أزماته النفسية والروحية والاجتماعية وغيرها.

وربما تكون هنالك أسباب أخرى أيضاً.

 أسلوب (المقاومة السلبية) الذي استخدمه (نيلسون مانديلا) في مكافحة التمييز العنصري في جنوب أفريقيا، أفضل دليل على إمكانية تحقيق النصر والغلبة على قوة السلاح والجيش، من طريق اللاعنف، فما هي الطرق العملية للاستفادة من هذا الأسلوب، وهذه السياسة في مواجهة تيار العنف؟

جبلت النفوس على الالتفاف حول المظلوم والدفاع عنه، فكيف لو كانت الظلامة بحجم مظلومية الإمام الحسين  (ع) وأهل بيته الأطهار وأصحابه الأبرار.

ومن هنا كانت حركة الإمام الحسين (ع) والمظلومية التي وقعت عليه والنتائج العظيمة التي تمخضت عن ذلك أفضل منهج للأجيال في كيفية الانتصار على الظالمين.

 ما حكم الاغتيال من وجهة نظر الإسلام، والنظم الأخرى؟

الغدر منهي عنه في الإسلام.

وقد وردعن أمير المؤمنين صلوات الله عليه كلمته المعروفة: (يا أيها الناس لولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس، ألا أن لكل غدرة فجرة، ولكل فجرة كفرة، ألا وأن الغدر الفجور والخيانة في النار). (الكافي: باب المكر والغدر والخديعة/ الحديث6/ ج2/ ص338.

ونجد في التاريخ أن الفرصة أتيحت لـ(مسلم بن عقيل) – رسول الإمام الحسين (ع) إلى الكوفة – للغدر بـ(عبيد الله بن زياد) إلا أنه امتنع من ذلك وقال: (المؤمن لا يغدر).

هل يمكن أن نعدّ عمليات خطف الطائرات والأشخاص، وانتهاك حقوق الإنسان، وقمع أصحاب الفكر المخالف، واعتقال الكتّاب والمثقفين والباحثين، إشاعة الرعب والإرهاب، من مصاديق العنف؟

ينبغي – بكل تأكيد – تجنب جميع ذلك.

قال الله تعالى: (ولا تزر وازرة وزر أخرى).

ونحن نرى أن أسلوب (الحوار) – أولاً – و(المظاهرات والإضرابات السلمية) – ثانياً – هي الأجدى والأحمد عاقبة.

وفي التاريخ البعيد، كما في التاريخ القريب، نماذج كثيرة تؤيد ذلك.

 على مدى خمسين عاماً التصق اسم (غاندي) بتاريخ نظرية اللاعنف، فهل لنا أن نقول بوجوب تقسيم كل تاريخ نظرية اللاعنف إلى مرحلتين: مرحلة ما قبل غاندي، ومرحلة ما بعد غاندي؟ أو بعبارة أخرى، هل يمكن اعتبار غاندي مجسد مبدأ اللاعنف في الممارسة السياسية؟

الإسلام سبق الجميع في الدعوة إلى (اللاعنف).

وفي الآية الكريمة: (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها).

وعن الإمام الباقر (ع): (إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف).

وعن الإمام الصادق (ع): (ما زوي الرفق عن أهل بيت إلا زوي عنهم الخير).

ولما انتصر أمير المؤمنين (ع) في حرب الجمل زار أحد مراكز المناوئين فقالت صفية بنت عبد الله بن خلف الخزاعي: يا قاتل الأحبة يا مفرق الجماعة..

فوثب الناس إليها (أي ليؤدبوها)، فقال (ع): كفوا عن المرأة. فكفوا عنها.

ثم قال لها: لو كنت قاتل الأحبة لقتلت من في هذه البيوت!.

ففتش فكان فيها مروان وعبد الله بن الزبير وكانا من قادة الحرب ضد أمير المؤمنين، إلا أنه (ع) لم يتعرض لهما، وتركهما وشأنهما.

وسمع أمير المؤمنين (ع) رجلاً يشتم (قنبراً) وقد رام قنبر أن يرد عليه فقال أمير المؤمنين (ع):

(مهلاً يا قنبر، دع شاتمك مهاناً، ترضي الرحمن، وتسخط الشيطان، وتعاقب عدوك، فوالذي خلق الجنة وبرأ النسمة ما أرضى (العبد) ربه بمثل الحلم ولا أسخط الشيطان بمثل الصم… ).

 تطبيق مبدأ اللاعنف في الإسلام، أمر ينطوي على قدر عظيم من الشجاعة، تفوق ذلك الذي ينمّ عنه العنف، كيف تحللون ذلك من الناحية النفسية؟

الخضوع للقوة الغضبية يعبر عن ضعف الإنسان تجاه النوازع النفسية وحب الانتقام، بينما كبح جماح القوة الغضبية يعبر عن قوة الإنسان وشجاعته في مواجهة الضعف الإنساني الطبيعي في حالات الانفعال.

هل يمكن أن نعدّ النظام، وغضّ الطرف، العفو والتسامح، التواضع، الإحساس بالمسؤولية، الإيثار، من أولويات اللاعنف؟

ثقافة (اللاعنف) والتحرر من سلطان القوة الغضبية والمقدرة على التحكم في النوازع النفسية الطائشة مقومات أساسية للاعنف.

هل لنا أن نتصور اللاعنف كنظرية عالمية، ينضوي تحت لوائها جميع الناس، وتبقى حية وفعالة إلى الأبد؟

معطيات هذه الفكرة لا تنحصر ببقعة جغرافية خاصة ولا بأمة معينة، بل تعم جميع البشر، لأنها توفر الأرضية للحوار البناء بين أفراد الإنسان والحياة الآمنة الخالية عن جميع مظاهر العنف والقسوة.

 نزوع المهاتما غاندي إلى اللاعنف، كان بسبب صداقته مع شخصية مسلمة، اسمه عبد الغفار، فما هي وجهة نظر الإسلام حول اللاعنف؟

أشرنا سابقاً إلى تأكيد الإسلام – قولاً وعملاً – على اللاعنف.

ونشير هنا إلى أن جميع حروب الرسول (ص) كانت حروباً دفاعية، وأن ضحايا جميع هذه الحروب والغزوات – التي فاقت الثمانين – كانت حوالي (الألف إنسان) فقط، وذلك من الطرفين.

كما أن النبي الأعظم (ص) عندما فتح مكة أعلن العفو العام وقال: (من دخل داره فهو آمن).

وقال: (اذهبوا فأنتم الطلقاء).

بل وفوق ذلك قال: (من دخل دار أبي سفيان فهو آمن).

مع أن أبا سفيان كان قائد الحملات العسكرية الظالمة ضد المسلمين طوال أعوام كثيرة.

وعفى (ص) عن قاتل عمه حمزة.

كما أن أمير المؤمنين (ع) عفى عن الذين حاربوه في معركة الجمل وقال: (مننت على أهل البصرة كما منّ رسول الله على أهل مكة).

إلى غير ذلك من النماذج الكثيرة التي يزخر بها التاريخ الإسلامي المشرق.

وفي الفقه الإسلامي مسائل كثيرة تعكس اهتمام الإسلام بالسلم والعفو والتسامح، يمكن مراجعتها في كتاب (الجهاد) من الفقه.

 هل تعني عبارة (أضربوهنّ) الواردة في القرآن الكريم الدعوة للعنف؟

أولاً: لا يحق اللجوء إلى الضرب إلا بعد فشل جميع البدائل الأخرى المتقدمة على الضرب في الرتبة (مثل الموعظة والهجر في المضاجع).

ثانياً: للضرب مراتب، ولا يحق اللجوء لمرتبة أشد من الضرب إلا بعد عدم جدوائية المراتب المتقدمة.

وقد ورد في الحديث الشريف (الضرب بالسواك) – وهي خشبة صغيرة بقدر الإصبع الواحدة تقريباً – مما يدل على أن الضرب ليس للتشفي، بل هو نوع من أنواع التقويم.

وثالثاً: لو دار الأمر بين انهدام العائلة ككل وتشرد الأولاد، على أثر نشوز الزوجة ورفضها القيام بالوظائف الزوجية التي التزمت بأدائها حين إقدامها على عقد الزواج، وضرب الزوجة.. فأيهما الأولى؟

أليس الضرب – ضمن الحدود التي ذكرناها – أولى وأفضل للعائلة ككل، وللمرأة نفسها؟

فالمقام من صغريات قاعدة (الأهم والمهم) وهي قاعدة عقلية قبل أن تكون قاعدة شرعية.

وهنالك بعض الأجوبة الأخرى ذكرها بعض الفقهاء العظام في كتاب (النكاح).

قال صاحب الحدائق رحمه الله:

وأما الضرب فقد تقدم في كلام علي بن إبراهيم أنه يضربها ضرباً غير مبرح، والمراد من غير المبرح ما لا يدمي لحماً، ولا يهشم عظماً، ويكون كضرب الصبيان للتأديب بحيث يتألم منه المضروب ولا يوجع في بدنه.

ومن تفسير مجمع البيان عن الباقر (ع): (أنه الضرب بالسواك) ومثل ما عرفت من كلام الرضا (ع) من كتاب الفقه الرضوي.

قال في المسالك ونعم ما قال: وفي بعض الأخبار أن يضربها بالسواك، ولعل حكمته توهمها إرادة المداعبة، وإلا فهذا الفعل بعيد عن التأديب والإصلاح، انتهى وهو جيد.

وقيل: إن الضرب يكون بمنديل ملفوف،أو درة، ولا يكون بسياط ولا خشب.. نقله الشيخ من المبسوط عن قوم (الحدائق: ج24 ص618).

 هل العنف مذهب أو ثقافة خاصة؟

العنف ثقافة، كما أنه تربية أيضاً، ولعل دور التربية في العنف لا يقل عن دور الثقافة.

هل يمكن أن نعتبر الدفاع عن الوطن والعقيدة والمال والنفس من بواعث العنف؟

كلا، لكن بشرط عدم فاعلية جميع الخيارات السلمية.

 أين يمكن أن نصنّف ظاهرة استخدام وسائل التعذيب للحصول على اعتراف من المتهمين، ضمن تصنيفات العنف؟

التعذيب لانتزاع الاعتراف من المتهم محرم في الإسلام مطلقاً ولا يجوز تعذيب أي متهم في مرحلة الاستجواب.

وهنالك طرق أخرى غير التعذيب لاكتشاف المجرمين.

وفي قضاء أمير المؤمنين (ع) نماذج كثيرة في مجال استكشاف فاعلي الإجرام من غير طريق التعذيب كما أن في تاريخ علمائنا الأبرار – قدس الله أسرارهم – نماذج في هذا المجال أيضاً.

 يستنتج أعداء الإسلام والمغرضون من الآية الشريفة (اقتلوهم حيث ثقفتموهم) جواز قتل غير المسلم، فما هو رأيكم في ذلك؟

ملاحظة السياق الذي وردت فيه الآية الكريمة (في سورة البقرة آية 19) تقود الإنسان إلى أن الآية الكريمة في مقام بيان وظيفة المسلمين تجاه الكفار الذين يقتلونهم ويعتدون عليهم، وقد سبق أن حق (الدفاع) حق مشروع، وهو أمر مقبول لدى جميع الملل والأديان.

تقول الآيات المباركات:

(وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين * واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين * فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم) (البقرة: 190 – 192).

وقد ذكر بعض المفسرين أن الآية الأولى نزلت في العام الذي تلا (صلح الحديبية) حيث أن النبي (ص) تجهز هو وأصحابه لعمرة القضاء، وخافوا أن لا تفي لهم قريش بالميثاق المبرم في صلح الحديبية وأن يصدوهم عن البيت الحرام ويقاتلوهم، وقد كره رسول الله (ص) قتالهم في الشهر الحرام في الحرم فأنزل الله تعالى هذه الآية لتبيح للمسلمين القتال إن بدأهم المشركون به.

وعلى هذا فالآية الكريمة في صدد بيان حق المسلمين في الدفاع عن أنفسهم في مقابل هجوم المشركين، فالآية الكريمة لا تشمل من ألقى سلاحه ولم يحارب المسلمين.

والآيات التالية أمر بقتال هؤلاء الذين قاتلوا المسلمين لا سواهم.

والتدبر في المقاطع التالية يكشف لنا بوضوح هذه الحقيقة:

(ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه، فإن قاتلوكم فاقتلوهم).

(فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين).

(فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله).

(راجع تقريب القرآن إلى الأذهان – ج2 – ص51).

وقد وردت هذه الجملة: (واقتلوهم حيث ثقفتموهم).

أيضاً في سورة النساء (آية 9) وهي واضحة في أن موضوعها من لم يسالم المسلمين واشترك في الحرب والتحرك ضدهم، حيث تقول:

(فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السلم ويكفوا أيديهم فخذوهم واقتلوهم وأولئك جعلنا لكم عليهم سلطاناً مبيناً). (راجع التقريب – ج5 – ص76).

جاء في (إنجيل متى): (أنا أقول لك: لا تقابل من أساء إليك بالمثل، بل بالعكس، إذا ضربك أحد على خدك الأيمن، فأدر له خدك الأيسر. إذا قاضاك أحدٌ ليأخذ قميصك، فتنازل له أيضاً عن ردائك)، ألا يدلّ هذا على الضعف والجبن وقبول الظلم؟

الإسلام في نصوص كثيرة يؤكد على مقابلة الإساءة بالإحسان – يقول تعالى: (ادفع بالتي هي أحسن السيئة فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم…).

منها – مثلاً – قول الرسول الأعظم (ص): (أحسن إلى من أساء إليك).

وقول أمير المؤمنين (ع): (أحسن إلى المسيء تملكه).

وقوله (ع): (الإحسان إلى المسيء يستصلح العدو).

وهنالك نصوص أخرى في (مكافأة الإساءة بالإحسان) و(صلة من قطعك) و(إنصاف من لا ينصفك) يمكن مراجعتها في (بحار الأنوار) للعلامة المجلسي – رضوان الله تعالى عليه…

نعم هنالك حالات لا يصح فيها التغاضي عن المجرمين لأنه يؤدي إلى الفوضى والفساد في النظام الاجتماعي.

 يقول (تولستوي): (إن العنف يولّد العنف)، والطريق الوحيد – في نظر تولستوي – للتخلص من العنف، هو عدم ارتكاب العنف، هل هذه النظرية صحيحة من وجهة نظركم، ولماذا؟

لـ(اللاّعنف) دور كبير في تقليص حركة العنف.

وفي تاريخ أئمة أهل البيت (ع) شواهد كثيرة على ذلك.

منها: مقابلة الإمام الحسن (ع) للرجل الشامي.

ومنها: مقابلة الإمام الباقر (ع) للرجل النصراني.

إلى غير ذلك من النماذج الكثيرة.

ولكن تظل هنالك حالات لا يصح فيها التغاضي عن المجرمين لما يترتب على ذلك من المفاسد – كما سبقت الإشارة إلى ذلك -.

 ما هي – في تصوركم – الانطباعات السلبية والإيجابية التي يمكن أن تتولد عن تطبيق مبدأ اللاعنف في المجتمع؟

اللاعنف بشكل عام ذو مردود إيجابي.

لكن ينبغي أن يلاحظ عدم استغلال المجرمين للتسامح لنشر الفوضى والفساد في المجتمع.

ما هي الوسائل المتاحة للكفاح، ضمن سياسة اللاعنف؟

أولاً: نشر ثقافة اللاعنف في المجتمع، وتوضيح معطياتها للفرد والمجتمع.

ثانياً: عقد مؤتمرات تبحث نظرية (اللاعنف) وتبلورها – من الناحية النظرية – وترفع لواء إقامتها في المجتمع – من الناحية العملية –

ثالثاً: تكريس قيمة  (الشورى) في المجتمع: نظرياً وعملياً.

رابعاً: فتح قنوات الحوار البناء بين الأفراد والجماعات.

خامساً: تسليط الأضواء على التاريخ الإسلامي المشرق، والحافل بالتسامح والرفق والحلم، وخاصة تاريخ النبي الأعظم (ص)، وأمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) إلى غير ذلك..

هل نستطيع بلوغ الديمقراطية، عن طريق العنف؟

الحكومة الإسلامية حكومة استشارية انطلاقاً من قوله تعالى: (وأمرهم شورى بينهم) – وغير ذلك من النصوص الدينية – والاستشارية نظام متفوق على نظام (الديمقراطية) على ما أوضحه الإمام الشيرازي – رضوان الله عليه – في كتبه.

وللاّعنف دور كبير في إقرار حالة التعايش بين أفراد الأمة، مما يشكل قاعدة رصينة لبناء النظام الاستشاري عليها.

والحمد لله أولاً وآخراً، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين..