أكد البروفسور ريك كولسيت رئيس قسم العلوم السياسية والاجتماعية في جامعة جنت البلجيكية ان الجهل وعدم التسامح من العوامل الرئيسية لنزعة الارهاب لدى بعض الناس، موضحاً ان الارهاب لا علاقة له بالدين الاسلامي أو أي دين آخر، فالارهاب تحاربه كل الأديان من خلال مبادئها وتعاليمها. وقال: انه اذا حدث خطأ من اشخاص، فلا ينبغي نسبة هذه الاخطاء لدينهم. وانه ليس هناك حلول معجزة للارهاب او للقضاء على أي توتر طبيعي ينشأ عند التقاء ثقافات او حضارات مختلفة. جاء ذلك في ندوة «الإسلام والارهاب» التي نظمتها جامعة جنت البلجيكية، بمناسبة زيارة الوفد الاسلامي العالمي الى بلجيكا.

وكان البروفسور لوك فرانسيس مدير الشؤون التعليمية في جامعة جنت قد رحب في مستهل الندوة بزيارة الوفد الاسلامي العالمي الى بلجيكا، والمشاركة في هذه الندوة من اجل فهم حقيقة الاسلام وموقفه من الارهاب، مشيراً الى أن هذا اللقاء يأتي ضمن المبادرات المتعلقة بتفعيل الحوار بين اصحاب الحضارة الغربية واتباع الحضارة الاسلامية. وقال: اننا نعلم ان الدين الاسلامي له تأثير بالغ على المسلمين، وهو يدعوهم الى الاعتدال ونبذ التطرف والارهاب، فمن هنا علينا جميعا استغلال مثل هذا اللقاء في التركيز على القواسم المشتركة بين الثقافات الغربية والثقافة الاسلامية.

وقال الدكتور التركي انه يجب ان نركز الحديث في مثل هذه الندوات على بعض المفاهيم التي فيها خلط مثل الاسلام والارهاب، والاسلام وحقوق الانسان من اجل تصحيحها وتوضيح حقيقة موقف الاسلام من مثل هذه القضايا. وفي الوقت نفسه نحن نحريصون لكي يعرف غير المسلم مواقف الاسلام في مواجهة هذه القضايا، مشيرا الى ان اوروبا لها علاقة قديمة ومتميزة بالعالم الاسلامي ولها مصالح معه، وهي اقرب من غيرها الى فهم حقيقة الاسلام ومبادئه وكيفية التعامل مع المسلمين للوصول الى فهم صحيح مشترك للثقافتين والحضارتين الاسلامية والغربية.

واضاف الدكتور التركي: نحن نحرص ايضاً على ان يفهم الغربيون وغيرهم سماحة الاسلام ودعوته لاتباعه الى الاعتدال والوسطية ونبذ العصبية الطائفية والمذهبية. فليس من المعقول اذا حدث خطأ من اشخاص مسلمين يتحمل تبعات هذا الخطأ دينهم أو ينسب هذا الخطأ الى الدين الاسلامي، وكذلك لا يمكن ان ننسب ما يفعله الاسرائيليون في فلسطين من اعمال اجرامية الى الديانة اليهودية، لأنها ديانة الهية ولا يمكن ان تدعو الى الظلم والجبروت. وايضا ينطبق هذا على المسيحية، فهي ديانة سماوية نؤمن بها ونحترمها، فلذلك لا يمكن ان تنسب اليها جرائم اتباعها.

وقدم الشيخ محفوظ نحناح، رئيس حركة مجتمع السلم في الجزائر وعضو الوفد الاسلامي العالمي الذي زار بلجيكا اخيراً، ورقة في الندوة عن اسهام المسلمين في الحضارة الانسانية، مؤكداً ان الحضارة الاسلامية ساهمت بفعالية في الحضارات الانسانية العالمية من خلال الفتوحات والاكتشافات العلمية والجغرافية في كل ميادين المعرفة، وحركة الترجمة لتراث اليونان الى العربية، ومنها الى اللغات الأوروبية، ونقل العلوم من الشرق الأقصى (الهند والصين) الى أوروبا عبر الأندلس، موضحاً ان المؤرخ فيليب حتي، اشار في كتابه «موجز تاريخ العرب» الى (ان مفكري العرب كانوا يدرسون ارسطو ويكتبون الشروح على فلسفته في الوقت الذي كان فيه شارلمان ورجال بلاطه لا يعرفون كيف يكتبون اسماءهم).

وتحدث الدكتور عبد الصبور مرزوق الأمين العام للمجلس الأعلى للشؤون الاسلامية في القاهرة وعضو الوفد عن ان الاعلام الغربي بعد احداث 11 سبتمبر (أيلول) الماضي بدأ ينسب الأحداث الى الاسلام والمسلمين، مؤكداً ان الارهاب لا يمكن ان يكون صناعة اسلامية، لأن الاسلام يحارب التطرف والغلو ويدعو الى الاعتدال والوسطية حتى في التدين نفسه. ولكن، هناك فهم خاطئ ويجب العمل عبر قنوات الحوار لتصحيح هذا الفهم الخاطئ لدى بعض الغربيين عن الاسلام والمسلمين.

أما الدكتور كمال عمران، الاستاذ في جامعة القيروان التونسية وعضو الوفد، فقد تحدث عن الاسلام كدين وحضارة يرفض الارهاب، والمتأمل في القرآن الكريم يجده يدعو الى السلم والتفاهم، مشيراً الى ان القرآن الكريم رسم منهج الدعوة بقوله تعالى «ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن فقد قسم الله تعالى الدعوة الى سبيلين، الأول يكون مع الموافقين ويكون بالخطاب الذي يقنع العقول بالحجة والبرهان، وهو خطاب يستميل القلوب ويؤثر في العواطف رغبا ورهبا. والثاني يبينه الله بقوله «.. وجادلهم بالتي هي أحسن»، يعني الحوار مع المخالفين بأحسن الطرق وأرق الأساليب التي تقربهم ولا تبعدهم. فينبغي للداعية ان يتلطف في ايصال الحق الى عقولهم وقلوبهم، فيعمد الى أبلغ الأساليب وأرق العبارات وأخف الألفاظ، فقد قال الله تعالى «ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون

وأشار الى أن التطرف والارهاب مظهران من مظاهر الاغراء والمنكرات التي تسيء لكل الاديان. وهذه الظاهرة مست ايضا الفلسفات والآيديولوجيات في الماضي القريب، مؤكداً ان الأديان، مهما كان نوعها، عليها ان تجتهد في ارساء قاعدة التعايش المتناغم بين البشر. وللاسلام دور كبير في هذا العمل لما يمتلك من خصائص تساعد على ذلك في ظرف اصبح فيه التقارب بين البشر أكيداً. وقال ان الاسلام رسالة تتعلق بالتعايش ما زالت في الغرب غير معروفة على الوجه الحقيقي، وهي بحاجة الى الدراسة العلمية الموضوعية. وقد يواجه هذا الرأي بالواقع التاريخي، وفيه ـ بالنسبة الى كل المجتمعات والأديان ـ من المفاسد ما يبعث على الحيرة، على أن الاسلام استطاع ان يذلل افتراءات التاريخ بفضل ما فيه من القواعد الشرعية والثقافية والحضارية القادرة على زرع عقلية الاستقامة ما استطاع الانسان المسلم الى ذلك سبيلا.

واضاف الدكتور عمران «ان المجال بيننا نحن المسلمين وانتم الأوروبين قائم وفسيح لمقاومة الارهاب، ولتصحيح الاخطاء والدعوة الى فهم حقيقة الاسلام.

 ونحن هنا معكم في مهد الموضوعية والعقل العلمي، نريد ان نرفع التحدي ونكسب فرصة التعارف تحت لواء الحق في المغايرة ومزيد الإفادة المشتركة. (الشرق الاوسط)