بسم الله الرحمن الرحيم

يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ صدق الله العلي العظيم

من نعم الإسلام الحنيف على الإنسانية انه شدد على حرمة دم الانسان، وحفظ كرامته واوجب رعايته بغض الطرف عن لونه وعرقه ودينه ومعتقده، فنزلت الآيات القرآنية توصي وتؤكد وتنهى عن كل فعل منكر يلحق الاذية بإنسان، ليسن بذلك رسول الله وأئمة الهدى من اهل بيته صلوات الله وسلامه عليهم أسمي أنواع السنن في هذا الصدد، وضربوا للمسلمين أولاً وللإنسانية ثانية أبهى صور وجوب حسن التعامل مع من يختلف معنا كمسلمين في الرأي او الفكر او الديانة او المعتقد.

فما رسالة الامام علي عليه السلام لواليه على مصر مالك الاشتر الا دليلاً مادياً وحسياً يعكس وجه الإسلام الحقيقي النقي الذي جاء لخدمة البشرية جمعاء دون تمييز او عنصرية، اذ يراه يوصي عامله الاشتر قائلا: وأشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبّة لهم، واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم، فإنّهم صنفان، إمّا أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق.

الا ان ما يُتأسف له تمكّن الشر من بعض الناس ممن يسوقهم الجهل والتطرف وسوء النشأة، ينتمون الى خلفيات دينية مختلفة، في واقع الحال التبس عليهم المفاهيم وتداخلت الرؤى وانجرفوا وراء اجندات مشبوهة اسفرت عن الحاق الأذى والضرر بالكثير من الناس، لمجرد الاختلاف في الفكر او الرأي او المعتقد او الديانة او المذهب.

ويوثق التاريخ الإنساني للمراقبين مئات الأمثلة لتلك الانتهاكات والجرائم والمجازر البشعة التي ارتكبت على خلفية الاختلاف، والتي تمثل بواقع الحال وصمة عار في جبين الإنسانية ودليلاً قاطعاً على ان من يرتكب مثل تلك الأفعال الدنيئة لا ينتمي في حقيقته الى ديانة محددة، فجميع الأديان السماوية نهت عن الحاق الأذى بالأخرين مهما كان السبب، سوى دفع الضرر عن النفس والدفاع عنها او القصاص من المعتدي.

وإذ يحيي المجتمع الدولي في الثاني والعشرين من أغسطس/ آب من كل عام الذكرى السنوية لإحياء ذكرى ضحايا أعمال العنف القائمة على أساس الدين أو المعتقد، تدعو منظمة اللاعنف العالمية (المسلم الحر) الهيئة الدولية للأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية والحقوقية حول العالم الى تكثيف الجهود وتفعيل الاتفاقيات المبرمة بين الدول التي تنص على مساعدة ضحايا العنف على تلك الخلفيات المشار اليها.

لافتة الى ان السنوات الأخيرة شهدت تصاعداً غير مسبوق في اعمال العنف على خلفية الاختلاف الفكري او الديني، وتنامي ظاهرة العنصرية المذهبية لا سيما في دول وبلدان الشرق الأوسط.

وفي حين كانت تلك الانتهاكات تصدر عن جماعات إرهابية مسلحة كتنظيمات القاعدة او طالبان او داعش، او بعض الجهات او التجمعات السلفية المتعصبة الأخرى التي تعتمد التحريض المعنوي في الحاق الأذى بمن يخالفها فكريا، برزت أنظمة سياسة وجهات حكومية تتبنى استهداف الافراد الأقليات الدينية او الطائفية او العرقية على خلفيات سياسية، الامر الذي أسفر عن اعدام وسجن وتغييب وتشريد المئات من المدنيين.

اذ باتت مجتمعات كاملة ضحية لأعمال العنف القائمة على الاختلاف المذهبي، مما يمثل فعل مستنكر يستحق التحقيق والمتابعة والتقصي من الهيئات والجهات الحقوقية، التي أسست لمكافحة مثل تلك الانتهاكات والجرائم حول العالم.

والله ولي التوفيق