قبل مدة نشرت بعض وسائل الاعلام نقلاً عن صحيفة «كوريا هيرالد». لمواطن هولندي اسمه مارتن ميجر، لا أتصور ان شخصاً يمكنه ان يقلد الغرب فيما لو اطلع عليها.

صحيح ان هذه الرسالة موجهة الى الشعب الكوري، الا ان مجتمعنا اولى منه بالاستفادة منها، فاذا كان الشعب الكوري على ما هو عليه من تقدم – لا بأس به – مورد انتقاد هذا المواطن الغربي، فان امتنا على ما هي عليه الآن من وضع مزرٍ أولى بان تدقق في مضمون هذه الرسالة، وتستفيد منها الاستفادة اللازمة.

ثم ان الجاليات المسلمة التي تعيش في كنف الغرب لا بد من ان تطلع على مثل هذه العبارات التي صدرت في حق الغرب من داخل بيته كي تسعى هذه الجاليات للحفاظ على هويتها المسلمة، لا أن تتخلى عنها وتنصهر كلياً في المجتمعات الغربية.

ونظراً لما تحتوي عليه هذه الرسالة من مضمون راقٍ ارتأينا طرحها بين ايدي القراء الاعزاء للفائدة والنص هو: «لا أستطيع كمواطن هولندي شهد أخيراً، القتل الرحيم، لواحد من ذوي قرباه، ان اشارك في الفرح الغامر الذي استقبلت به وسائل الاعلام العالمية (قتل الرحمة)، وفي سيول عبرت الاوساط الطبية عن اجابتها بالسابقة الهولندية وبتسرع يميز الكوريين دون سواهم، أفصحت عن عزمها على محاكاة هذه المبادرة النبيلة.

ولان وطني الأصلي هذا بادر الى تقنين المخدرات والبغاء والزيجات المثلية، وقتل الرحمة، فهو يعتبر لدى الأمم المتحدة الانجلوسكسونية (مثالاً للدول الراغبة في احترام حقوق مواطنيها) لذلك اصبحت هولندا محسودة في الغرب على سجلها في الاستقامة السياسية، ومع ذلك فان دولا أخرى ذات نزعات ثقافية اكثر محافظة تجد هذه المبادرات مثيرة للاشمئزاز.

واذ يبدأ الحوار حول قتل الرحمة في كوريا، فان الحوار الآخر حول التعليم وصل مرحلة الاحتدام، وعلى الرغم من كل الحسرات التي تتصاعد حول التعليم الكوري، فان طالب الثانوية العليا في كوريا افضل تعليماً من الاميركي، وبالاضافة الى مقدرة المدارس الاميركية على تخريج طلاب أغلبيتهم من أشباه الأميين، فهي مشهورة كذلك بانها ارض صالحة لتفريغ نزعات الفوضى الجنسية، ومعاقرة المخدرات، وبذر العنف النفسي والجسدي.

لذلك فان الاعجاب غير الخفي بالنظام التعليمي الاميركي الذي نجده عند الآباء الكوريين يعتبر أمراً بلا تفسير، ومع الاعتراف الكامل بان النظام التعليمي الكوري يحتاج الى الاصلاح فان المثال الاميركي لمثل هذا الاصلاح يجب ان يستبعد تماماً.

واذا صرفنا النظر عن محاسن القتل الرحيم ونظام التعليم فان الحوار ينبىء عن تركيبة عقلية منحرفة لدى الكوريين، الا وهي ولعهم بكل ما هو غربي والقاعدة هنا واضحة وبسيطة (هذا شيء غربي، اذن هذا ممتاز) لكن من يتميزون بقدر كاف من الجدية يجب ان يفحصوا هذه القاعدة فحصاً دقيقاً.

فالتفوق الغربي الاقتصادي والسياسي والعسكري استخدم كشهادة هي في الواقع كاذبة على ان تحالف الامم الاميركية الاميركية من حقه ان يقود العالم كذلك في اساليب الحياة وليس ثمة ادنى شك في أن الحكم الديمقراطي، واقتصاد السوق، وحرية وسائل الاعلام تستحق التقليد من قبل الدول الاخرى، ولكن لا بد من الاستغناء في الوقت نفسه عن نزعات النسبية الاخلاقية والابتذال الاجتماعي.

وعليه فان فضائل الثقافة الكورية يجب ان تجد من يتغنى بها وياحبذا لو قام بذلك احد الغربيين، فقوة الروابط الاسرية، واحترام الكبير (وذكرى الموتى) والاحترام اللائق لسلطة الآباء والمعلمين، والاعتدال في علاقات الشباب من الرجال والنساء، هي ليست فقط من الاشياء التي لا تجد لها بديلاً في الثقافة الغربية، بل هي حق من القيم التي ترى ان هذه الثقافة الغربية احوج ما تكون اليها.

وكأب لثلاثة اطفال في عمر الدراسة، فانني اشعر بالامتنان لان اطفالي كانوا محظوظين بالحياة في مجتمع لا يزال يسوده حسن الانتماء للجماعة حيث لا يعيش الاب مسكوناً بالخوف من ان يختطف ابنه من صديقه عامة بواسطة احد المنحرفين، وحيث لا يتعرض الاطفال للضغوط من زملائهم ليقعوا في ممارسات مبكرة للجنس والمخدرات والعنف».

كان هذا هو نص رسالة المواطن الهولندي الذي دفعته الاسباب التي سبق ذكرها الى ان يعنون رسالته هذه بالعنوان التالي: لا تقلدوا الغرب فهو اجدر بتقليدكم