تتناول هذه الافتتاحية عشرات المخاوف التي تلقيناها مباشرة من المسلمين في هولندا؛ وهي نداء عاجل للحماية الفورية والقيادة المسؤولة
يعرب منظمة فري مسلم عن قلقه العميق إزاء التطورات الأخيرة في هولندا، حيث تلقت عدة مساجد رسائل تهديد ملطخة بمواد تشبه الدم، ومصحوبة بعبارات صريحة من الترهيب والدعوة إلى العنف.
إن هذه الأفعال ليست رمزية فحسب، بل تمثل تصعيدًا خطيرًا في مظاهر العداء للمسلمين، وتهدف إلى بث الخوف في مجتمع يعاني أصلًا من الهشاشة.
ووفقًا لتقارير صادرة عن منظمات إسلامية هولندية ووسائل إعلام دولية، فقد استُهدفت ما لا يقل عن ثمانية مساجد في مناطق مختلفة من البلاد بهذه الرسائل الملطخة بالدم. إن مثل هذه الأفعال تضرب في صميم حرية الدين والتعايش السلمي في دولة طالما عُرفت بدفاعها عن التعددية وحقوق الإنسان. وعندما تُستهدف دور العبادة على هذا النحو، فإن التهديد لا يطال الممتلكات فحسب، بل يمتد ليشكل خطرًا مباشرًا على سلامة الأفراد وكرامتهم والقيم الديمقراطية ذاتها.
وبحسب شهادات المسلمين في هولندا، تلقت مساجد في مدن كبرى مثل روتردام، وآيندهوفن، وآرنهم، وتيلبورخ، ولاهاي رسائل مقلقة ومشحونة بالكراهية، ملوثة بمواد تشبه الدم، وتحتوي على ألفاظ تشهيرية، وصور مهينة، وخطاب معادٍ للإسلام.
فالمساجد ليست أماكن للصلاة فقط، بل هي مراكز مجتمعية، ومؤسسات تعليمية، وملاذات آمنة للعائلات وكبار السن والأطفال. وأي تهديد لها يجب أن يُقابل بأقصى درجات الجدية من قبل السلطات المختصة. إن التقاعس أو التراخي قد يشجع على مزيد من الاعتداءات، ليس في هولندا وحدها، بل في أنحاء أوروبا كافة.
نمط أوسع في أوروبا والعالم الغربي
ورغم أن الوضع في هولندا يتطلب اهتمامًا عاجلًا ومركزًا، إلا أن هذه الحوادث لا تقع بمعزل عن سياق أوسع. ففي مختلف أنحاء أوروبا والديمقراطيات الغربية الأخرى، تفيد المجتمعات المسلمة بتصاعد ملحوظ في مظاهر العداء.
ففي المملكة المتحدة، وثّقت جهات رقابية ارتفاعًا قياسيًا في الاعتداءات على المساجد وأعمال التخريب، بما في ذلك محاولات الحرق المتعمد، مثل الهجوم الذي استهدف مسجدًا في إيست ساسكس. أما في أستراليا، فقد سجلت منظمات المجتمع المدني زيادات حادة في الحوادث الإسلاموفوبية، حيث أشارت بعض التقارير إلى ارتفاع يتجاوز 150% في الاعتداءات الجسدية، وأكثر من 200% في الإساءة عبر الإنترنت خلال فترات حديثة. وتعكس هذه الإحصاءات—التي أوردتها وسائل إعلام مثل قناة الجزيرة وهيئات وطنية معنية بالمساواة—مستوى مقلقًا من تطبيع الخطاب المعادي للمسلمين.
وما يزيد الأمر خطورة أن النساء المسلمات يشكلن من بين أكثر الفئات استهدافًا. فقد أصبح الحجاب، بوصفه تعبيرًا رمزياً عن الإيمان، محفزًا متزايدًا للمضايقات والتهديدات والاعتداءات الجسدية. ولا يجوز إغفال هذا البعد الجندري للإسلاموفوبيا، إذ يجمع بين التمييز الديني والتمييز القائم على النوع الاجتماعي.
التزام المسلمين بحماية الحياة والمجتمع
وفي الوقت ذاته، من الضروري إعادة التأكيد على حقيقة كثيرًا ما يتم تجاهلها: فالمجتمعات المسلمة تُظهر باستمرار التزامًا راسخًا بسلامة ورفاه جميع الناس، بغض النظر عن دينهم أو خلفياتهم.
ففي أستراليا، وأثناء هجوم عنيف صدم الرأي العام، بادر رجل مسلم إلى التدخل لحماية الآخرين، متصرفًا بدافع إنساني غريزي لإنقاذ الأرواح رغم المخاطر الشخصية. ولم تكن أفعاله مدفوعة باعتبارات سياسية أو هوياتية، بل انطلقت من قيمة إنسانية أساسية تشترك فيها التعاليم الإسلامية: قدسية الحياة. ويشكل هذا الموقف—دون حاجة إلى تمجيد—ردًا هادئًا وواضحًا على السرديات التي تصور المسلمين على أنهم مصدر تهديد بدلًا من كونهم عنصرًا فاعلًا في تعزيز الأمن العام.
وتعكس هذه النماذج حقيقة أوسع نطاقًا: فالمسلمون ليسوا غرباء عن التماسك الاجتماعي، بل غالبًا ما يكونون من أبرز المدافعين عنه.
نداؤنا إلى التحرك الفوري
وباسم منظمة فري مسلم (منظمة اللاعنف العالمية) نحث حكومات هولندا والمملكة المتحدة وأستراليا وسائر الديمقراطيات المتحالفة على اتخاذ خطوات فورية وملموسة، تشمل:
* توفير حماية معززة للمساجد والمراكز الإسلامية، ولا سيما في ظل التهديدات الموثوقة.
* التحقيق العاجل في التهديدات القائمة على الكراهية وملاحقة مرتكبيها قضائيًا باعتبارها جرائم خطيرة لا مجرد أعمال ترهيب رمزية.
* توجيه رسائل طمأنة علنية إلى المجتمعات المسلمة، وخاصة النساء والعائلات، تؤكد أن أمنهم يمثل أولوية وطنية.
* اعتماد استراتيجيات وطنية واضحة لمواجهة الإسلاموفوبيا، تقوم على التعليم والوقاية والمساءلة.
* تشجيع القيادة العابرة للمجتمعات، بحيث يسهم القادة السياسيون ووسائل الإعلام وممثلو الأقليات في خفض التوتر بدلًا من تأجيج الخوف.
إن الصمت أو التأخير في مواجهة هذه التهديدات يبعث برسالة خاطئة—ليس فقط إلى المسلمين_ بل إلى الأمن الوطني في هولندا وفي أي دولة أوروبية أخرى. فإذا ما استُهدف أحد الأقليات، فإن جميع الأقليات تصبح عرضة للخطر وقد تكون الهدف التالي للتمييز والكراهية.
إن ما يجري في هولندا يمثل إشارة تحذير واضحة. وعلى الحكومات أن تتدخل قبل أن يتحول الترهيب إلى عنف، وقبل أن يحل الخوف محل الثقة. فحماية المجتمعات المسلمة ليست تنازلًا، بل هي تأكيد متجدد على المبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان والإنسانية المشتركة.
و توكد المنظمة العالمية وقوفها الثابت إلى جانب السلام والتعايش وحماية جميع المجتمعات، وستواصل رفع صوتها كلما تعرضت هذه المبادئ للتهديد.