في أواخر ديسمبر/كانون الأول 2025، شهدت بنغلاديش تصعيدًا خطيرًا في الاضطرابات الداخلية، بالتوازي مع تفاقم التوترات العابرة للحدود مع الهند، ما أثار اهتمامًا وقلقًا واسعَين على المستويين الإقليمي والدولي. وقد تمثلت شرارة هذه الأزمة في قيام حشد غاضب بقتل المواطن الهندوسي ديبو تشاندرا داس، البالغ من العمر 27 عامًا، في مدينة ميمنسينغ ببنغلاديش بتاريخ 18 ديسمبر 2025، وذلك على خلفية اتهامات مزعومة بالتجديف. تعرّض داس للضرب حتى الموت، ثم أُحرِق جثمانه لاحقًا، مما فجّر موجة غضب عارمة في كلا البلدين.

وأدى هذا الحادث إلى اندلاع مئات الاحتجاجات في الهند، لا سيما بالقرب من المفوضية العليا لبنغلادش في نيودلهي. وقد قام متظاهرون — من بينهم أعضاء في منظمة فيشوا هندو باريشاد وجماعات متحالفة معها — باختراق الحواجز الأمنية، والاشتباك مع قوات الأمن، والمطالبة بحماية الأقليات، الأمر الذي أسفر عن توقيف ما لا يقل عن 40 شخصًا من قبل شرطة دلهي خلال إحدى التظاهرات.

وردًا على هذه الاحتجاجات، استدعت وزارة الخارجية البنغلاديشية رسميًا المفوض السامي الهندي، وأدانت المظاهرات وأعمال التخريب التي استهدفت مقر المفوضية العليا البنغلاديشية ومركز إصدار التأشيرات التابع لها في مدينة سيليغوري بتاريخ 22 ديسمبر 2025. وأكدت دكا أن مثل هذه الأحداث تشكّل خطرًا جسيمًا على سلامة الطواقم الدبلوماسية، داعيةً الهند إلى ضمان أمن بعثاتها الدبلوماسية وموظفيها.

ولا تُعد هذه التطورات أحداثًا معزولة. ففي داخل بنغلاديش، تتسع رقعة الاضطرابات منذ أسابيع في ظل التحولات السياسية الجارية، بما في ذلك قيادة الحكومة المؤقتة والاستعدادات للانتخابات المقبلة. وقد شملت حوادث العنف السابقة هجمات واسعة النطاق على مؤسسات إعلامية كبرى في العاصمة دكا، حيث حاصرت حشود غاضبة و تم تخريب مكاتب صحيفتي ديلي ستار وبروثوم آلو، ما أدى إلى احتجاز نحو 25 صحفيًا وموظفًا على سطح أحد المباني وسط دخان كثيف، قبل أن يتم إجلاؤهم لاحقًا. وقد أثارت هذه الهجمات قلقًا بالغًا لدى المدافعين عن حرية الصحافة، واستدعت إدانات من جهات، من بينها نقابة محرري الهند، التي حذّرت من «تصعيد مميت» في أعمال الترهيب العنيف التي تستهدف الإعلام المستقل.

كما أفادت تقارير بوقوع هجمات حرق متعمد استهدفت منازل عائلات هندوسية في منطقة شيتاغونغ، حيث نجا السكان بأعجوبة من العنف، وهي أعمال أثارت مخاوف عميقة في أوساط الأقليات الدينية.

وتأتي هذه التطورات في سياق أوسع من تصاعد العنف الجماعي وعدم الاستقرار السياسي في بنغلاديش، وهي ظواهر سبقت هذه الأحداث لكنها اشتدت عقب التغييرات الأخيرة في القيادة السياسية وتفاقم الاضطرابات. وقد سعت الحكومة المؤقتة، برئاسة المستشار الرئيسي محمد يونس، إلى الحفاظ على علاقاتها مع الهند واحتواء التوترات الدبلوماسية، رغم استمرار حالة الاحتقان.

و بهذه المناسبة تؤكد منظمة اللاعنف العالمية أن النزاعات الحكومية والسياسية غالبًا ما تنعكس بشكل مباشر على حياة المدنيين، وتلحق أضرارًا جسيمة بالفئات الأكثر ضعفًا، ولا سيما الأقليات، على جانبي الحدود. فلا ينبغي أبدًا استهداف المدنيين، أو تحميلهم المسؤولية، أو الزجّ بهم في خضم نزاعات دبلوماسية أو سياسية. إن تصاعد التوترات الراهنة يبرز مدى سرعة تحوّل الاحتكاكات الاجتماعية إلى حالة من عدم الاستقرار الإقليمي الأوسع، بما يهدد الأرواح، وسبل العيش، ومستويات الثقة بين المجتمعات.

توصيات منظمة اللاعنف (المسلم الحر):

وبناءً على ذلك، تدعو منظمة فري مسلم إلى اعتماد النقاط التالية:

  1. على الدول تحديد وتعزيز مجالات التعاون المشترك — مثل التبادل الثقافي، وآليات دعم الاستقرار الإقليمي، وحماية حقوق الأقليات — بما يسهم في ردم الفجوات قبل تفاقمها.
  2. ضرورة إرساء حوار مستدام ومنهجي بين الحكومات ومؤسسات المجتمع المدني لمعالجة الاحداث، والحد من انتشار المعلومات المضللة، وبناء فهم متبادل يتجاوز الخطاب السياسي التصعيدي.
  3. وقد يتدخل طرف ثالث — سواء دولة محايدة أو مؤسسة دولية مستقلة — في أن يسهم في خفض التصعيد، وضمان إجراء التحقيقات الشفافة، وصون العلاقات الدبلوماسية بعيدًا عن المصالح الضيقة.

وعلاوة على ذلك، يتعين على كلٍّ من بنغلاديش والهند ضمان عدم استخدام المدنيين أبدًا كورقة ضغط في مثل هذه الخلافات. فالمواطنون العاديون، والصحفيون، وأفراد الأقليات — بغض النظر عن الدين أو الجنسية — يستحقون الحماية والأمن وحقهم في العيش بحرية، بعيدًا عن العنف أو الترهيب. ويؤكد مدير منظمة  فري مسلم (منظمة اللاعنف) مجتبى أخوند، أننا نعيش في عصر يشهد تقدمًا تكنولوجيًا واقتصاديًا وعالميًا متسارعًا، وأن المجتمعات المتنوعة والشاملة أكثر قدرة على تحقيق الازدهار المشترك والسلام المستدام. كما أن الخلافات الصغيرة التي تُترك دون معالجة قد تتفاقم لتتحول إلى نزاعات أوسع، مهدرةً الموارد، ورأس المال البشري، والوقت الثمين الذي ينبغي استثماره في التنمية والتعاون.

إن التوترات الراهنة بين بنغلاديش والهند تذكّرنا بأن السلام مسارٌ استباقي وليس ردّة فعل، ويتطلب التزامًا جادًا بالحوار، وصون الكرامة الإنسانية، والدفاع عن حقوق الإنسان لجميع الأفراد دون استثناء.