في عالم اليوم، يواجه المسلمون في مختلف أنحاء العالم مستويات متزايدة من المراقبة والتمييز والقيود القانونية، لا بسبب أفعالهم، بل نتيجة نصوص دينية قائمة على الخوف من الخلط بين الإسلام والتطرّف. هذه الروايات لا تنشأ من فراغ؛ بل تُغذّى من قبل حركات عنيفة واستبدادية تسيء استخدام اسم الإسلام لتبرير السيطرة السياسية والإكراه والعنف. ونحن في منظمة فري مسلم – مركز نزع التطرّف والوقاية من التطرف (CDREP) نؤمن بأن مكافحة التمييز ضد المسلمين تتطلب قدرًا عاليًا من الصدق والوضوح: إذ يتعيّن على المجتمع الدولي أن يميّز بجلاء بين القيم الجوهرية للإسلام وبين ممارسات الحركات المتطرفة التي تناقض تلك القيم بصورة صريحة.
إن الإسلام، كما يرتكز إلى القرآن الكريم وتعاليم النبي محمد (صلى الله عليه وآله )، هو دين يقوم على المحبة و الرحمة والعدل والإنصاف والتعايش السلمي. غير أنّ جماعات يُشار إليها عادة بالسلفية السياسية أو بالتطرّف المتأثر بالوهابية، قد روّجت لتفسيرات تنكر التعددية، وتقيّد حقوق المرأة، وتقمع التعليم، وتُضفي شرعية على العنف. وهذه التفسيرات لا تمثل الإسلام، بل تمثل أيديولوجيات سياسية متستّرة بلغة دينية.
لقد اعترف التيار السائد في الفقه والفكر الإسلامي منذ قرون بأن تنوّع الآراء والاجتهادات هو رحمة لا تهديد. ويؤكد القرآن الكريم ذاته مبدأ التنوع الإنساني والتعايش، إذ ينص على أن البشر خُلقوا شعوبًا وقبائل ليتعارفوا، لا ليتسلّط بعضهم على بعض أو يُقصي بعضهم بعضًا (القرآن 49:13). ويتناقض هذا المبدأ جوهريًا مع مزاعم الحركات المتطرفة التي تدّعي وجود طريق واحد ضيق للحقيقة، وتعتبر جميع الطرق الأخرى—سواء لأتباع ديانات أخرى أو حتى لمسلمين مختلفين—باطلة أو مستحقة للعقاب.
ومن أخطر أشكال التحريف التي تروّج لها الحركات المتطرفة اعتماد الإكراه الديني. فالقرآن يرفض هذا النهج بشكل صريح بقوله: «لا إكراه في الدين» (القرآن 2:256). فالإيمان في الإسلام مسألة قناعة وضمير، لا مسألة فرض بالقوة. وأي أيديولوجيا تعتمد الترهيب أو العقاب أو العنف لفرض المعتقدات تقف في تعارض مباشر مع التعاليم القرآنية.
إن نتائج هذه التحريفات ليست نظرية أو مجردة، بل واقعية ومأساوية. ففي أفغانستان، فرضت حركة طالبان حظرًا واسع النطاق على تعليم الفتيات، وعمل النساء، ومشاركتهن في الحياة العامة. وقد وثّقت منظمات مثل هيومن رايتس ووتش وبعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة إلى أفغانستان (يوناما) هذه السياسات على نطاق واسع، ووصفت الوضع بأنه أزمة خطيرة ومستمرة في مجال حقوق الإنسان، تُلحق ضررًا غير متناسب بالنساء والفتيات، وتُقوّض المستقبل الاجتماعي والاقتصادي للبلاد (تقارير هيومن رايتس ووتش ويوناما، 2023–2024).
على سبيل المثال، نفذت جماعات متطرفة عنيفة مثل تنظيم «داعش» وتنظيم «القاعدة»—التي تستند أيديولوجيتها إلى تفسيرات جامدة وإقصائية مرتبطة بالسلفية الجهادية—عمليات قتل جماعي وتفجيرات انتحارية وهجمات استهدفت الأقليات الدينية وكذلك المسلمين أنفسهم. ووفقًا لمؤشر الإرهاب العالمي الصادر عن معهد الاقتصاد والسلام، فإن الغالبية الساحقة من ضحايا الإرهاب الجهادي في العالم هم من المسلمين. وقد دمّرت هذه الجماعات مجتمعات كاملة، ومحَت تراثًا ثقافيًا، وتسببت في صدمات نفسية ستستمر آثارها لأجيال، كل ذلك تحت ادعاء زائف بالمشروعية الدينية.
وحتى في البلدان التي يكون فيها العنف أقل وضوحًا، فإن إرث الأيديولوجيات المتطرفة قد انعكس في قوانين وممارسات اجتماعية تحدّ من الحرية وتقيّد الفرص. ففي أجزاء من الشرق الأوسط، جرى تقليص الوضع القانوني للمرأة وإمكانية وصولها إلى التعليم استنادًا إلى تفسيرات دينية تنتقدها منظمات حقوق الإنسان باستمرار بوصفها تمييزية وغير متوافقة مع القانون الدولي (منظمة العفو الدولية؛ هيومن رايتس ووتش). وهذه القيود ليست أوامر إلهية، بل قرارات سياسية.
ويمتد الأثر العالمي لهذه الحركات إلى ما هو أبعد من الدول ذات الأغلبية المسلمة. ففي أوروبا وأمريكا الشمالية، باتت حكومات عديدة تبرّر برامج مراقبة واسعة النطاق وتشريعات تمييزية ونظرة جماعية قائمة على الشك تجاه المجتمعات المسلمة، بالإشارة إلى أفعال جماعات متطرفة. وتُظهر تقارير الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية (ACLU) ومركز بيو للأبحاث أن المسلمين يتأثرون بشكل غير متناسب بعمليات التنميط، والإدراج في قوائم المراقبة، والقيود المفروضة على الممارسات الدينية، وغالبًا دون أدلة على ارتكاب مخالفات. وهذه الحلقة المفرغة—حيث يغذي التطرّف التمييز، ويغذي التمييز الإقصاء—تقوّض الأمن والتماسك الاجتماعي معًا.
و نحن في منظمة فري مسلم، نؤكد أن على المسلمين أنفسهم مسؤولية أخلاقية ومدنية في رفض الأيديولوجيات المتطرفة التي تسيء استخدام الإسلام لتحقيق السلطة والسيطرة، والعمل على نزع شرعيتها علنًا. فالصمت يسمح للتحريف بالانتشار. ولا يمكن تجاهل سردية «التفاحة الفاسدة»؛ إذ عندما تهيمن الحركات المتطرفة على الصورة العامة للإسلام، يدفع المسلمون المسالمون في كل مكان ثمن ذلك عبر الشك والإقصاء وفقدان الحقوق.
وفي المقابل، يتحمّل المجتمع الدولي مسؤولية موازية. إذ يتعين على الحكومات والمنظمات غير الحكومية وصنّاع السياسات التخلي عن الروايات التبسيطية، والانخراط مع أصوات إسلامية موثوقة تدافع عن التعددية، و حقوق المرأة، والتعليم، والكرامة الإنسانية. فالتعامل مع التطرّف المستلهم من الوهابية أو السلفية على أنه مرادف للإسلام ليس خطأً فحسب، بل هو نهج ضار وغير مجدٍ. إن القيم الجوهرية للإسلام تدعم الحرية الاقتصادية، والتعاون الاجتماعي، والرحمة، والتعايش—وهي قيم أساسية لبناء مجتمعات مستقرة ومزدهرة.
إن تصحيح السردية لا يعني الإنكار، بل الوضوح. يجب مواجهة التطرّف بحزم، ولكن دون تجريم دين بأكمله أو جماعة كاملة. فالإسلام، كما يعلّمه القرآن الكريم، يدعو إلى العدل والرحمة واحترام الكرامة الإنسانية. وأي حركة تحرم الناس—ولا سيما النساء والأقليات—من التعليم والأمان والحرية، تخرج عن هذه القيم.
إن مستقبل التعايش السلمي يعتمد على استعدادنا لتسمية التطرّف بصدق، والدفاع عن حقوق الإنسان بثبات، وتعزيز الأسس الأخلاقية الحقيقية للإسلام. ونحن في منظمة فري مسلم نواصل التزامنا بهذه الرسالة—من أجل المسلمين، ومن أجل غير المسلمين، ومن أجل الإنسانية المشتركة التي تجمعنا جميعًا.