“وصلت الأخبار بتسليم القدس إلى الفرنج، فقامت القيامة في بلاد الإسلام، واشتدت العظائم بحيث إنه أقيمت المآتم…؛ [فـ]ـيا خجْلة ملوك المسلمين”!! هذا مشهد آخر من تاريخنا.. ليس من موقع الانتصارات ولا مكلَّلا بالشرف والبطولة، بل هو جانب آخر مظلم نعاه الإمام المؤرخ ابن سبط الجوزي (ت 654هـ) بتلك الكلمات، حين تحدث عن لحظة تسليم القدس يداً بيد إلى المحتلين الصليبيين، عبر “صفقة” مشبوهة أبرمها معهم سلطان مسلم في كواليس مظلمة، لكنها تنضح بالكثير كنظائرها التي تشترك معها في هاجس واحد عند كل بائع: ديمومة السلطة وثمراتها!!
تاريخ المسلمين -مثل أي تاريخ- هو تاريخ الناس والحياة، ويجب ألا يُختزل في صورة مثالية براقة، بل إننا نحتاج كثيرا إلى أن نهدئ وتيرة دراسة تاريخ الأمجاد والانتصارات لصالح مراجعة تاريخ الهزائم والخيانات، فلحظات الانهيار قد تكون أشد كشفا للحقيقة من لحظة الصعود. وهذا المقال محاولة لاستقراء بعض صفقات بيع الأوطان في تاريخنا؛ لنحكي كيف توغل المحتل؟ وهل دخل عبر الحدود فقط أم أيضا عبر الجيوب الداخلية؟ بعرض تفاصيل تروي الجانب الآخر من قصص الحروب الصليبية وسقوط الأندلس، وكيف أنها لم تكن قصة جيش قد يُهزم بل حديثَ نزوةِ سلطةٍ وقضايا بيعت في “صفقات قرون”!!
المزید