الأمر الذي لا شك فيه والذي لم يعد خافياً على أحد – بغض النظر عن درجة وعيه – هو ان القضايا الانسانية تربو في سُلَّم الاولويات على الخلافات التي تنشأ بين بني البشر، فلا تقف الخلافات حائلاً دون تأدية مقتضيات تلك القضايا فيما لو مست الحاجة الى ذلك. فارتقاء الانسان على اسباب الخلاف، ومده يد المساعدة الى من يختلف معه إنما يدل – بما لا يدع مجالاً للشك – على شفافية النفس التي تضمها جوانح هذا الانسان، وقدرته المنقطعة النظير في السيطرة عليها، هذا على فرض مد يد المساعدة، فما بالك فيما لو أفنى هذا الانسان نفسه في سبيل انقاذ الطرف الآخر من الموت، كما هو الحال في قضية ذلك الشاب الفلسطيني الذي لم توقفه جنسية الطفل الاسرائيلي الذي يوشك على الهلاك غرقاً عن ان يهرع الى نجدته متفانياً في ذلك الى الدرجة التي يغرق هو لمنح الطفل الحياة.

ان هذا التفاني إن دل على شيء فانما يدل على عدم حمل العرب العداء لليهود بما هم يهود، ولكن بما هم مغتصبين لارضنا متهتكمين لمقدساتنا.

فاذا كان تجاوز الخلاف ومنح العدو الحياة في موارد القضايا الانسانية يدل على خلو نفس المانح من اسباب الحقد والعداء، فماذا يعني قتل الانسان لمن لا يستحق القتل ممن يختلف معهم، وبماذا يمكن ان يسمى ذلك؟

فالقتل اذا جُوِّز في حق من يقف في وجهك بغض النظر عن منطلقاته واسبابه ووسائله، فما ذنب الاعزل، ومن لا قدرة له على الوقوف ازاءك كي تسوق له الموت في ابشع صوره؟

والأنكى من ذلك كله ان الذي تسوق له الموت هو صاحب حق في قبالك وانت تعرف ذلك جيداً.

ان هذا ينطبق اليوم على ما يفعله جنود الاحتلال الصهيوني ازاء اصحاب الحق الشرعي من ابناء شعبنا في فلسطين المحتلة الذين يصبون جام غضبهم – بأمر من قادتهم – على رؤوس من لا يتوسلون للوصول الى حقهم في الارض بسوى الحجارة، وعلى رؤوس من لا يقوون على حمل الحجارة حتى، من الشيوخ والنساء، وعلى رؤوس الاطفال الذين لا ذنب لهم سوى انهم ورثة الارض الشرعيين الذي يدافع اباؤهم عنها بالحجارة وحسب.

ان الأمر الذي لا بد من الاشارة اليه هو ان ما يحدث من مجازر في الاراضي المحتلة لم يكن سوى نتيجة حتمية للتسابق المهين نحو وضع الاكف بيد هؤلاء الذي لا يضمرون لنا سوى الموت، من الذين يعلنونها – ودون أي حساب لمشاعر اخوانهم الذين يعانون الامرين من هذا العدو الحاقد – صراحة بأنهم لا ينتظرون إذناً من احد في سبيل مصافحة العدو، والارتماء في احضانه.

ولكن ليكن في معلوم هؤلاء بان التاريخ لا يرحم ابدا، وبان دم الدرة والرضيعة التي قتلت ظلماً في احضان والديها سوف يستحيل محكمة تطالب القاتل ومن يربت على كفيه بالقصاص.

المحامي حيدر البصري

عضو المجلس الاستشاري لتجمع ( المسلم الحر)

freemuslim@localhost