الأستاذ جودت سعيد

أحد رواد اللاعنف في العالم الاسلامي

اما رسالة الانبياء ـ بحسب القرآن ـ فإنهم كلهم جاءوا برسالة واحدة: «ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً ان اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت». الانبياء جاءوا باجتناب الطاغوت وكشفوا انه لا يمكنه ان يبقى بدون اطاعتنا له،وسينكشف لنا اية رسالة اقتصادية سليمةٍ لا عنفيةٍ عظمى في رسالة الانبياء، وما جاءوا به لم يكشفه العالم بعد ولم يتحقق بعد في حياة البشر، وسنكشفه وسنصل اليه رغماً عنا.

وفي مشهد استخلاف الانسان (آدم وزوجه) في الارض حسب النبوات كانت تهمته بأنه سيفسد في الارض ويسفك الدماء، وكان جواب الله: «اني اعلم ما لاتعلمون، وعلم آدم الاسماء ـ اي نقل الخبرات بالرمز ـ» وإن كنا لا نزال نعيش الى الآن على توقعات الذين شهدوا على الانسان بالفساد وسفك الدماء؛ إلا ان ملامح علم الله في الانسان بدأ يلوح وصار مضيئاً وان لم ينتبه اليه كثيرٌ من الناس.

وكان الرد الثاني علي اتهام الانسان بالفساد وسفك الدماء. قصة ابني آدم حيث لجأ الفاشل الى التهديد بالقتل بأن قال: «لئن بسطت اليّ يدك لتقتلني ما انا بباسط يدي اليك لأقتلك»، فقتله الفاشل فأصبح من الخاسرين، ثم اصبح من النادمين، ان الموقف السلمي اللاعنفي من ابن آدم كان رداً على من اتهم الانسان بالفساد وسفك الدماء، وهذا الموقف اعلان بان الانسان قادر على تحدي العنف باللاعنف، وتحويل العنيف الى خاسر ونادم، حيث ان رد العنف بالعنف تعزيز لموقف العنيف، ومن هنا كان تحريم الانبياء جميعاً الدفاع عن النفس حين يعتدي: (ممثل المجتمع عليهم).

ان الله ينطق في القرآن الانبياء جميعاً بأنهم قالوا: « ولنصبرنّ على ما اذيتمونا» لأقوامهم الذين قالوا لرسلهم: «لنخرجنكم من ارضنا او لتعودن في ملتنا، فأوحى اليهم ربهم لنهلكن الظالمين»، ويقول القرآن عن الرسل: «ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا واوذوا حتى اتاهم نصرنا، ولا مبدل لكلمات الله، ولقد جاءك من نبأ المرسلين».

ان الجهاد ـ الذي مسخنا معناه ـ كان لرفع الاكراه عن الناس فتحول الى فرض الاكراه فتحول الرشد الى غي، والمقدس الى دنس، ولم ار في العالم من بين متى ينبغي ان يكون المسلم مثل ابن آدم المقتول، ولا يعلمون المسلمين ان الرسول قال لصاحبه سعد بن ابي وقاص: «كن كابن ادم»، وذلك حين يصير المسلمون يقتل بعضهم بعضاً. وقال(ص) لصاحبه ابي ذر في مثل هذه الحالة لما قال ابو ذر: (فما تأمرني؟ قال: تلزم بيتك. قلت: فإن دخل علي بيتي؟ قال: فإن خشيت ان يبهرك شعاع السيف، فألق ثوبك علي وجهك يبؤ بإثمك وإثمه). وقال (ص) لصاحبه ابي موسى الاشعري، في مثل هذه الحالة، اكسروا قسيكم، وقطعوا اوتارها، واضربوا سيوفكم بالحجارة، فإن دخل على احد منكم ليكن كخير ابني آدم).

ان رسالات الانبياء جميعاً واحدة ومحمد (ص) لما قال: «كن كابن ادم» لم يكن بدعا من الرسل. وحتى انه قال لمن يريد ان يقتص من قاتل اخيه: (ان قتله فهو مثله). وكان مصدقاً لما بين يديه من ان كل من اخذ بالسيف، بالسيف يهلك.

ويمكن ان اقول لنعلم الى اي درجة مسخنا الجهاد المقدس وحولناه الى دنس. اقول لو وجد في العالم من يجاهد محققاً شروط الجهاد ـ وهو غير موجود ـ لكان العالم الاسلامي ممن ينبغي ان يجاهد ضدهم لرفع الاكراه عنهم، ولكنه لا يوجد في العالم من يجاهد لرفع الاكراه وانما لفرض الاكراه من اصغر مستبد الى اكبر طاغية في العالم متمثلة في حق الفيتو، ولا يوجد في العالم من يطالب بصوت معلن بإلغاء (الفيتو) من العالم وانما يوجد من يطلب ان يصير له ايضا. فمن هنا يمكن ان نعيد ان ما جاء به الانبياء لم يظهر بعد في العالم، وانه لقادم «يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون».

وفي الختام ينبغي ان نقوم نحن اهل المعرفة، ويمكننا ان نقوم بتواصل سلمي لا عنفي مع اهل المعرفة في العراق، ومن غير ان ننتظر السياسيين، كما ينبغي ان نعلم ان السياسي هو حفيد المثقف، وارجو ان نتعاون علي بيان هذا، واللاعنفي وحده هو الذي يستطيع ان يفعل ذلك، والسلام عليكم.