بقلـم الدكتـورة دلال محـمود

( توطئة )

ليس هناك شك بان النظرية الاسلامية في الزواج قائمة على وجود عطاء متبادل بين طرفي العلاقة الزوجية، لا ان يستفيد احد طرفي هذه العلاقة على حساب الطرف الاخر وهذا العطاء المتبادل لا يقتصر على جانب من جوانب الحياة الزوجية دون آخر، وانما يشمل كلاً من جانبي الحياة المادية والنفسية.

ونحن هنا لسنا بصدد الخوض في الجانب المادي من العلاقة، وانما نسلط الضوء هنا على الجانب النفسي منها والذي يتمثل في (المودة) (والرحمة) اللذين صرحت بهما الاية الكريمة التالية: «ومن اياته ان خلق لكم من انفسكم ازواجاً لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة ان في ذلك لآىات لقوم يتفكرون» (الروم/21).

ان الاية الكريمة تعكس لنا صورة متحركة على قدر عال من الجمال فكلمة (بينكم) تشير الى هذه الحركية والعطاء المتبادل في ان هناك امر يتحمل مسؤولية انشاءه طرفا الاسرة معاً وهذا الأمر هو استقرار الاسرة لكي تسير نحو هدفها آمنة مطمئنة، ولكن كيف يتحقق هذا الاستقرار؟

وهذا السؤال تجيب عليه الاية الكريمة بان ذلك يتحقق بالمودة والرحمة اللذين ذكرتهما الآية الكريمة بعد ذكر (بينكم) مما يوحي الى ان كل طرف يتحمل توفير احد هذين المفهومين، فمن يتكفل بالمودة ومن يتكفل بالرحمة؟

لو اردنا ان توزع الادوار بين الرجل والمرأة ونحن في رحاب مفهومي (المودة والرحمة) بما يتناسب مع طبيعة كل ركن، نجد ان مفهوم (المودة) مما يناسب طبيعة المرأة، تلك المخلوقة التي تمتلك كماً هائلاً من العواطف والمشاعر الرقيقة في حين يناسب مفهوم (الرحمة) الطرف الذي القيت على عاتقه مهمة القيمومية.

اذن فاللازم ـ في ضوء توزيع الادوار المتقدم ـ على المرأة ان تفيض بـ (الود)، وفي مقابل ذلك ترتب على الرجل احاطة قيموميته بـ (الرحمة) حين يمارس اعباء وظيفته، فإذا ماقام كل من الرجل والمرأة بتوفير هذين العنصرين تحقق الاستقرار اللازم لسير الاسرة وأمنها، وكانت الاسرة مظهراً من مظاهر العدالة الالهية حيث لا تعدي ولا تجاوز ولا جور.

ولكن المعضلة والكارثة حين يغيب عنصر الرحمة من قبل الرجل: فهذه هي المعضلة الكبرى، والعقبة الكؤود التي تعثر مسيرة الاسرة وتعكر صفو حياتها!

فلو غاب (ود) المرأة مثلاً فإن ذلك ليس له تلك الانعكاسات الهامة على سير الاسرة وان كنا لا ننكر ماله من الاثار في الجوانب الاخرى التي لا غرض لنا في الخوض فيها ولكن غياب (الرحمة) له اثر مباشر على سير الاسرة وأمنها وذلك ان هاتين الوظيفتين هما من مختصات الرجل فإذا أخل في توفير عنصر الرحمة فان الانعكاس يكون مباشراً عليهما.

فالرحمة بمثابة السلسلة التي تربط المروحة التي تدفع السفينة بالدفة. وفقدان الرحمة بمثابة انقطاع هذه السلسلة الذي تتخبط اثناء السفنية يميناً وشمالاً فتصير اسيرة أمواج البحر دون ان يؤثر في توجيهها إمساك القبطان بالدفة.