بعث امين عام تجمع (المسلم الحر) مجموعة اسئلة الى المرجع الديني اية الله العظمى العلامة الشيخ يحيى النوري

نزيل العاصمة الايرانية طهران حول العنف والارهاب وخطف الطائرات والاغتيالات وكبت الحريات باسم الدين واعتقال الكتاب والمؤلفين و…

واجاب سماحته عليها. وهذا نصها:

س : ما هو تعريفكم لمفهوم العنف؟

ج : العنف في اللغة والمصطلح الفقهي بمعنى الشدة والخشونة والقساوة. وكلها منفي في الشريعة.

س: كيف وبأية وسيلة يمكن مكافحة العنف في المجتمع؟

ج: مكافحة العنف في المجتمع من الواجبات والشرعية. ويتحقق بالتعليم والتربية وتوسعة حرية الانسانية ورفعتها وكمالها وبسط الايمان بالله  في المجتمعات، وكذلك في دفع الظلم والتعدي ومنع المرتكب للعنف باقامة العدل واجراء القوانين الصالحة و وسائل اخرى يشابهها.

س: هل هناك وجود للعنف المشروع؟

ج:  العنف المشروع في الحقيقة ليس عنفا كما ان جزاء السيئة ليست سيئة، بل حسنة. فالقصاص او الجهاد او مكافحة الاعداء او تأديب السارق وحبسه ومنعه من السرقة ليس عنفاً انما هي وسائل لحفظ أمن المجتمع وصيانته من التجاوزات.

س: هل لنا ان نتوسل بالعنف للتوصل الى اهداف الاسلام الاستراتيجية؟

ج: لايجوّز الاسلام التوسل بالعنف ،  لانه مبنيّ على الرحمة لا على الشدة والخشونة، وكما جاء في القران الكريم: ( وما ارسلناك الا رحمة للعالمين) سورة الانبياء. آية 21.

س: اين ومتى وكيف بدأت ظاهرة العنف؟

ج: على مايبدو انها ظهرت في الانفس الشريرة ( ان النفس لأمارة بالسوء) سورة يوسف. آية 53.  ولها جذور في الاعمال السيئة امثال: الكبر والفرعنة والظلم والاستبداد وحب الاسيلاء وامثال ذلك.

 س: هل العنف حالة مكتسبة ام ذاتية؟

ج: العنف كسائر الاعمال والامور من المكتسبات والاختياريات، وليس من الامور الذاتية للانسان. لان الله تعالى خلق الانسان في (احسن تقويم) سورة التين آية 4. كما نص القران الكريم، وخلقه مختاراً في اعمال الخير والشر، بل الله تعالى يؤيده للخير بالفطرة والعق والشريعة.

س: ما هي سبل مواجهة العنف؟

ج: سبل مواجهة العنف كثيرة في الاسلام منها: التعليم الصحيح المبني على الايمان بالله والايمان بيوم الحساب والتعليم المبني على الاخلاق الحسنة والتربية الهادية الى الكمال وسلامة النفس ونفي الايذاء والاضرار بالغير.

س: هل يمكن ان يكون العنف مؤثراً في مواجهة العنف؟

ج: مواجهة العنف لازم و واجب عقلا وشرعا ولاكن لايسمى بالعنف ، بل هو حق وعدل وجزاء لمرتكب العنف، وان كان في الجزاء غلظة وشدة كالحبس او القتل قصاصاً.

س: ان رسول الله (ص) والائمة المعصومين (ع) هم قادة سفينة الهدى والنور، وهم التجسيد العملي للاعنف، فبأي علة لجأ بعض المسلمين الذين يدعون الاقتداء بسيرتهم (ع) الى اعمال العنف؟

ج: عمل المسلمين والحكومات الاسلامية في موارد مختلفة يمكن ان لا يطابق حكم الاسلام وسيرة النبي والمعصومين (ع) والملاك هو حكم الاسلام والسيرة، لا الاعمال غير المتطابقة والنظام الاسلامي.

س: نرجوا التفضل بتوضيح بعض مصاديق اللاعنف في الاسلام.

ج: الاسلام (كما تعلمون ونعلم وندرك من المصادر الدينية كالكتاب والسنة واصول الشريعة) مبني على الرحمة والمحبة والوداد واليسر والسماحة والسهولة. هذا القران العظيم يقول:

يريد الله بكم اليسر ولايريد بكم العسر. سورة البقرة. آية 185.

ما جعل عليكم في الدين من حرج. سورة الحج. آية 78.

لا اكراه في الدين. سورة البقرة. آية 256.

ما ارسلناك الا رحمة للعالمين. سورة الانبياء آية 21.

ومن امثال هذه الايات وهذه التشريعات يستفاد ان الاسلام مبني على اللاعنف والرحمة والعدالة.

س: لماذا تبادر الحكومات المسمية نفسها بالاسلامية، الى تطبيق احكام القصاص والحدود اولاً؟

ج: الحكم الاسلامي متماسك ولايمكن وضع اولوية لحكم معين، والحكومات الاسلامية بما انها حكومات اسلامية يجب عليهم العمل على وفاق الشريعة الاسلامية في السياسات والعقود والايقاعات والقصاص والديات وغيرها. وربما يتغير بعض الاحكام بتغيّر الزمان، وعلى فقهاء الاسلام بيان موارد التغيير وبيان حكم الاسلام فيها.

س: من المعلوم ان كلمة الاسلام ترادف اللاعنف والسلام، ولكن اليوم صارت اعمال العنف والقتل والاغتيالات تلصق بالاسلام، فهل السبب يعود للاسلام او للمسلمين؟

ج: الاسلام كما وصفتموه مأخوذ من السلم والسلام، ومخالف للعنف والظلم، اما الاغتيالات والقتل لاتلصق بالاسلام ابداً فمن الممكن ان تكون امثال هذه الاعمال من المسلمين كما هو ممكن من غيرهم، كما نرى العنف في المجتمعات المختلفة، اسلامية كانت او غيرها.

س: ماهو حكم الاغتيالات من وجهة نظر الاسلام ؟

ج: الاغتيال محرم في الاسلام، وذلك حسب الادلة الاسلامية، لانه قضاء بلا محكمة عادلة  ولايتمن المتهم من الدفاع عن نفسه، والاغتيال هو الغدر وقال رسول الله (ص): لا غدر في الاسلام.

س: هل يمكن ان نعد عمليات خطف الطائرات والاشخاص ، وانتهاك حقوق الانسان وقمع اصحاب الفكر المخالف، واتقال الكتاب والمثقفين والباحثين واشاعة الرعب والارهاب، من مصاديق العنف؟

ج: نعم، كل من عكليات خطف الطائرات وانتهاك حقوق الانسان وقمع اصحاب الفكر المخالف واعتقال الكتاب والمثقفين والباحثين يعد من المصاديق  البارزة للارعاب والارهاب ومن مصاديق العنف، وامثال تلك الاعمال ليست على مستوى العدالة والقضاوة الحقة بل مبنية على الاهواء والهمجية.

س: كيف تحللون اللاعنف من الناحية النفسية؟

ج: نعم، الانسان اذا وصل الى الكمال الانسانية وتخلق بالاخلاق الالهية كالرحمة والمحبة والعدالة وغيرها من الصفات العالية فمثل هذا الانسان لايستعمل العنف ولايسير مسير العنف وهذا النوع من الانسان نجده كثيرا جداً في التربية الاسلامية وهذا امر ممكن وشايع عقلاً وتجربة وتاريخياً. فعلينا بهذه التربية الدينية.

س: هل يمكن تجريد الاسلام من العفو والتسامح واللاعنف؟

ج: لايمكن تجريد النظام الاسلامي عن العفو والتسامح والتواضع والاحساس بالمسؤولية و .. لأن امثال هذه الامور اجزاء اصيلة للاسلام ولايمكن تفكيك الاسلام عنها. فاذا فك الاسلام عنها فلايسمى اسلاماً.

س: هل تأثر المهاتما غاندي بالاسلام في اتخاذ نهج اللاعنف؟

ج: نعم، كان المهاتما غاندي معتقد بمذهب (الجينية) أي عدم الايذاء او الاضرار باية ذي حياة ولا سيما ذوات اللحوم. وهذا المذهب صار مسلكاً سياسياً لغاندي، وصداقته مع الشخصية المسلمة (عبد الغفار) الرجل الصالح المسلم صار مزيداً في اعتقاده باللاعنف، ولأن الاسلام موافق للاعنف.

س: هل تعني كلمة( اضربوهن) الواردة في القران الكريم تشريع العنف ضد المرأة؟

ج: العبارة جاءت في المرتبة الثالثة بعد الوعض والهجرا ن في المضجع، وهو سبب لايجاد حالة التصالح والتسالم مع الزوجة، وبالطبع انها لاتعني تشريع العنف، انما هي جاءت لتحديد الضرب وفي مواجهة حالة النشوز وتضييع حق الزوج في التمكين. ولا يخفى ان المراد من الضرب هنا هو اقل مايطلق عليه كلمة الضرب، كالضرب  الخفيف باليد مما لايوجب الجرح ومثله فاذا حصلت الطاعة والمحبة وارتفع النشوز فلا بغي عليها، بل وجبت الرحمة. وقد ذكرنا نظرية العالمة النفسية السيدة لمبرزو في كتابنا المطبوع (حقوق المرأة في الاسلام).

 س: هل يمكن ان نعتبر الدفاع عن الوطن والعقيدة والمال والنفس من بواعث العنف؟

ج: لا يصح، اذ ان الدفاع المشروع امر طبيعي وعقلي وضروري وواجب شرعي لدوام الحياة وبقائها.

س: هل يجوز استخدام العنف لأخذ الاقرار من المتهمين؟

ج: تحصيل الاقرار والاعتراف من المتهمين والاطلاع على مقدار جرائمهم الواقعية أمر لازم في القضاء، ولكن تحصيل هذا الاقرار لابد وان يكون من الطرق العقلانية او الحيل القضائية والفنون النفسية، لا من طريق استخدام التخويف او الضرب او السجن او ما الى ذلك، لان استخدام مثل هذه الوسائل غير جائز في الاسلام وفي الحديث: من أقر على تخويف او حبس اوضرب لم يعتبر ذلك. (مستدرك الوسائل ج 3 ص 48).

وفي حديث اخر: لا قطع على أحد يخوف من ضرب ولا قيد ولا سجن ولا تعنيف إلا أن يعترف فإن اعترف قطع ، وإن لم يعترف سقط عنه لمكان التخويف. (الوسائل ج 18 ص 498).

س: هل يستفاد من الاية الكريمة: ( اقتلوهم حيث ثقفتموهم) على جواز قتل غير المسلم؟

ج: لا يستفاد من الاية ذلك، اذ ان ضمير (هم) يشير الى المشركين في مكة، لاكل غير مسلم، والمشركون في مكه هم الذين اخرجوا المسلمين من ديارهم وكانوا يؤذونهم ويقتلونهم (دفاعا عن اصنامهم وشركهم)  وفي هاتين الآيتين ان الله تعالى يأمر المسلمين بالدفاع عن انفسهم وقتال الذين يقاتلونهم فقط، وينهاهم عن الاعتداء والتجاوز، لان الله لايحب المعتدين. وهنا الامر بالمقابلة مع المشركين.

س: وهل نستطيع تطبيق الديمقراطية عن طريق العنف؟

ج: لا، وكلا، فمن طريق العنف يحصل الاستبداد. انما يتحصل الديمقراطية بازدياد الشعور والعلم والثقافة وكذلك الايمان بالله وبيوم الحساب والالتزام بالقيد الاخلاقية في المجتمع. والله الموفق.

 الختم المبارك 31/1/ 1382