د. عبد الرحمن الجعفري
عقد يومي الخامس والسادس من شهر سبتمبر مؤتمر تبنته الخارجية الاميركية، حول جذور العداء للولايات المتحدة، أي ان الهدف من هذا المؤتمر هو التعرف على اسباب العداء لاميركا في العالم، كما قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الاميركية السيد باوتشر. وامر مثل هذا لا بد ان يرحب به دعاة السلام في العالم، فما احوجنا اليوم الى رجال يقودون العالم ببصيرة وحكمة. ولا شك ان الباحثين لو رجعوا لادبيات الستينات وما كتب عن ذلك، لوجدوا الكثير مما يفيد في إلقاء الضوء على هذا الموضوع، ولم تكن صورة الاميركي «القبيح» التي حارب جيل الستينات الاميركي في منازلتها من خلال المعارضة لحرب فيتنام الا مظهرا من مظاهر البحث عن الذات، الذي يمر به ذلك المجتمع، حيث يتنازعه تياران، الاول يرى ان القيم التي بني عليها المجتمع الاميركي، مثل: الحرية وحرية العبادة والعدل واحترام الملكية الفردية، وحق الشعوب في تقرير مصيرها، حيث خاض تجربة تقرير المصير، هي من اهم رصيده الحضاري، وما زال الكثير من الاميركيين يعتبرها اساسية في حياته. ولكنها تصطدم مع التيار الثاني، وهو تيار المصالح الرأسمالية الاميركية الذي يدعو للتصرف من طرف واحد، وجماعات الضغط الموالية لدول او انظمة معينة وهي فئات دخيلة، لم تكن اصلا جزءا من فكر المؤسسين العظام للولايات المتحدة الاميركية.
ومن امثال فئات التيار الثاني، مجموعات الضغط الصهيوني، واليمين المسيحي المتطرف، وهما فئتان لهما اجندتهما الخاصة، فالصهاينة همهم الكبير مشروع بناء اسرائيل والمحافظة على قدراتها العسكرية والمزيد من اغتصاب الارض العربية، ولا يهمهم ما يلحق من مضار بسمعة اميركيا، اما اليمين المسيحي المتطرف فانه يرى في الاسلام المنافس الاول له من حيث الانتشار، فأتباع الدين الاسلامي في ازدياد عاما بعد عام، وقد مثل انتشار المراكز الاسلامية في الولايات المتحدة والزيادة في اعداد المعتنقين للاسلام، مصدر قلق للدعاة المسيحيين، كما يمثل هذا التطور قلقا للمجموعات الصهيونية التي رأت في ذلك خطرا على نفوذها في الولايات المتحدة الاميركية، وهذا ما يمكن ان يفسر التعاون في الهجمة الشرسة على الاسلام عامة، وعلى المملكة العربية السعودية بصورة خاصة للمكانة التي تحتلها في العالم الاسلامي.
لقد كانت احداث 11 سبتمبر 2001 فرصة سانحة للانقضاض على الاسلام وقاعدته في المملكة العربية السعودية، وتأتي اهمية هذا المؤتمر وفي هذه الظروف بالذات لما يلي:
اولا: ان الولايات المتحدة الاميركية اصبحت فعلا بلدا تحيط به الكراهية ليس من دول وافراد في العالم الاسلامي فقط، بل والعالم اجمع، ومن غير المعقول لدولة عظمى ان تفترض ان اسباب هذا العداء كما يحلو للبعض ان يصوره راجعة للحسد والغيرة من التطور والثروة والديموقراطية التي يتمتع بها المجتمع الاميركي، فهناك دول اخرى في العالم مستوى دخل الفرد فيها اعلى من اميركا، والممارسات الديموقراطية افضل، ولكنها لا تجابه بنفس العداء، ومن امثال ذلك الدول الاسكندنافية، ولكن قد تكون المشكلة كما وضعها الرئيس الاميركي السابق كلينتون بقوله: هل نريد ان نقود العالم ام نحكم العالم؟ وبالطبع هناك فرق كبير بين ان تقود وان تحكم، لما لكل من الحالتين من متطلبات، وما لهما من تبعات. ومن متطلبات القيادة الناجحة اقتناع المقودين بعدالة القائد وحيدته وان يضرب المثل في النزاهة والتجرد من الهوى، وهي امور يصعب رؤيتها في الوقت الحالي، فيما تعلنه الادارة الاميركية من ان مصالحها القومية فوق كل اعتبار، مما يعني ان مصالح الامم والشعوب الاخرى غير ذي بال بالنسبة لها، وهذه الجزئية من اخطر ما يواجه صورة اميركا المنحازة لنفسها وغير العادلة بالنسبة للعالم، اضافة الى ما تمثله جماعات الضغط من افساد للسياسة الخارجية الاميركية، خاصة في منطقة الشرق الاوسط.
ثانيا: لقد اصبحت هناك سيطرة كبيرة في وسائل الاعلام ومؤسسات صناعة الفكر في اميركا لمجموعات الضغط الصهيوني والمسيحي المتطرف، التي استغلت كل وسيلة من وسائل التأثير لكي توجه السياسة الاميركية في العالم لتخدم مصلحة اسرائيل، هذه المجموعة وصلت الى قلب القرار الاميركي، ومن ثم فان الادارة الاميركية لا تحصل بالضرورة على الرأي الصحيح الذي يخدم مصالح الولايات المتحدة بتجرد، لذا فان هناك حاجة الى ان تسمع الادارة الاميركية رأيا محايدا حول الاسباب الحقيقية لكراهية شعوب العالم لها.
ثالثا: من يزور القنصليات والسفارات الاميركية حول العالم يصاب بذهول، حيث تحولت هذه السفارات والقنصليات الى قلاع محمية ينفق دافع الضرائب الاميركي عليها اموالا طائلة. كانت هذه السفارات والقنصليات مكانا يقصده الباحثون عن العلم والمعرفة وتحولت الى قلاع كريهة، وهو ما يبين مدى الخوف الذي يسيطر على الادارة الاميركية، حيث اصبح الهاجس الامني هو المسيطر على هذه القنصليات والسفارات حول العالم. ان معرفة اسباب الكراهية الحقيقية وغير المزورة من اصحاب المصالح والهوى، قد يكون لها مردود ايجابي على الخزينة العامة، ومن ثم على الفرد الاميركي العادي وانفاق ما يدفعه من ضرائب على تحسين مستوى المعيشة داخل اميركا بدلا من انفاقه على بناء قلاع للخارجية الاميركية.
رابعا: فيما يتعلق بالعالم الاسلامي فان جذور الكراهية لا تحتاج الى دراسة ومؤتمرات، فان ما يراه المسلم والعربي من انحياز كامل للكيان الصهيوني المعتدي في المنطقة هو المغذي والمنمي للعداء ضد اميركا في العالم العربي والاسلامي خاصة بعد انحسار المد الشيوعي، وان جذور هذه الكراهية ليست حقيقية بين الشعب الاميركي والدول الاسلامية نتيجة لعقيدة او دين او غيره مما حققته اميركا من تقدم كما يحاول الصهاينة واعوانهم ان «يفبركوا» الاسباب من اجل تضليل الرأي العام، فالسبب الاساس هو غياب العدل كما يراه المواطن العربي في معاملة اميركا للقضية الفلسطينية، وما يشهده من جرائم يومية بحق اخواننا العرب والمسلمين. وهنا نقطة هامة، كيف ستستطيع الادارة الاميركية الحد من نفوذ الجهات المسيطرة والجهات المتنفذة الدافعة بسياسة اسرائيل، من السيطرة على نتائج هذا المؤتمر وتحويله الى مؤتمر حول الارهاب بدلا من البحث عن اسباب الكراهية ومحاولة معالجتها.
السؤال هنا، هل استطاع هذا المؤتمر الحصول على رأي نزيه ومحايد.
خامسا: هذا المؤتمر يأتي في فترة حرجة من تاريخ البشرية، وهي نقطة تحول بين الحرب والسلم، فترة دار حولها حديث عن استعدادات الولايات المتحدة للدخول في مغامرة عسكرية من اجل اسقاط النظام العراقي كبداية، ومن ثم الانقضاض على من لا يروق لها من دول العالم النامي، وخاصة دول العالم الاسلامي، وهو امر قد يفتح ابواب الشر على العالم اجمع. وهذا المؤتمر قد يعطي صورة محايدة للرئيس الاميركي، وجهة نظر مخالفة لوجهات النظر التي يدفع بها دعاة الشر في الادارة الاميركية، او من يطلق عليهم مجازا بالصقور، وهي تسمية خاطئة فليسوا الا دعاة خراب ودمار، هكذا يجب ان يسموا.
وليس بالغريب ان نجد ان غالبية الدعوات المطلقة للعداء مع الدول الاسلامية، او للتدخل السريع في اسقاط النظام العراقي، تأتي من مجموعة الضغط الصهيوني ودعاتها واعوانها والصحافة الخاضعة لها. الا ترى الادارة الاميركية، وبتحليل بسيط، ان التحليل الموضوعي لهذه الاصوات يبين ان المجموعة الدافعة والداعية لاستعداء العالم الاسلامي والتدخل في العراق، هي نفس المجموعة التي تزرع العداء بين العالم الاسلامي واميركا، وان مجلس الشيوخ والنواب اصبحا حبيسي ولاء لما تمليه الحكومة الاسرائيلية من خلال جماعات الضغط الصهيوني في اميركا، اذا اخذنا في الاعتبار ان هناك ما يزيد على مليار وربع المليار من البشر ممن يعتنقون الديانة الاسلامية بينهم قسم كبير من العرب الذي يرون السياسة الاميركية في الشرق الاوسط خالية من العدل.
سادسا: لا نعلم ما هي النتائج التي تمخض عنها هذا المؤتمر، ولا كيف سيترجم الخمسون مسؤولا ومستشارا في الخارجية الاميركية والمكلفون بدارسة هذا الملف النتائج او الرؤى التي طرحت، كيف سيترجم ما قاله الخبراء الاجانب وبالدقة لصانع القرار في البيت الابيض. ان كانت هناك حيدة وموضوعية فهذا المؤتمر سوف يكشف بصورة لا تدع مجالا للشك ان الاصوات الداعمة لاسرائيل في اميركا هي اصوات غير محايدة، لا يجب الوثوق بها في اي استشارة تقدم للادارة الاميركية فيما يتعلق بالشرق الاوسط او بالعالم الاسلامي نظرا للعداء الذي تظهره هذه المجموعات للاسلام والعرب والمسلمين.
وباختصار يمكن القول ان هذا المؤتمر يمكن ان يؤدي الى نتائج ايجابية، يؤدي الى نتائج في صالح الولايات المتحدة وتحسين سمعتها في العالم الاسلامي، شرط ان يقال لمجموعات الضغط والمصالح الخاصة، ان يمتنعوا عن تشويه الصورة واستغلال الظروف والعمل على تشويه سمعة الولايات المتحدة في العالم وخاصة في العالم الاسلامي. فالعديد ممن تحدثت معهم، من العرب والمسلمين، لا يرون ان هناك مشكلة بين الولايات المتحدة والعالم العربي والاسلامي ذات جذور من الكراهية نتيجة الاستعمار، واذا امكن الوصول الى حل عادل وشامل في فلسطين يحقق العدل للفلسطينيين ويحمي المنطقة العربية من الحروب، فان العداء للأميركيين يمكن استئصاله. ان الكيل بميكيالين ترجح فيه كفة اسرائيل، هو جذر الكراهية لأميركا في العالم الاسلامي، ولكن الا يعرف الساسة الاميركيون هذه الحقيقة، التي يصبح من يتلفظ بها في خبر كان، كما حدث لبعض اعضاء الكونغرس في الانتخابات الاخيرة، هل يجوز لجماعات الضغط هذه ان تسخّر هذه القوة العظمى لارادتها؟ سؤال لا اعتقد ان مؤتمر جذور العداء للولايات المتحدة سيجيب عنه