بحلول شهر صفر يهتز كيان الأمة الإسلامية ويخيم الحزن على القلوب لما يحمل هذا الشهر من ذكرى كان وقعها شديد على قلوب المسلمين إلا وهي ذكرى شهادة الصادق الأمين محمد (ص)، هذا الرجل الإلهي الذي اعترف بفضله عدوه فضلاً عن صديقه لما كانت تحمله نفسه من صفات لايدانية فيها أحد من خلق اللـه.

لقد كانت وفاة الرسول الكريم بحق صدمة لاتدانيها صدمة

إن الرسول الأكرم (ص) دأب خلال حياته على بث روح الاخوة بين بني الإنسان فضلاً عن المسلمين حيث أعلن قائلاً: «كلكم لآدم وآدم من تراب».

أن قوله هذا يعني انه يتعامل مع بني البشر بما هم بشر لا بما هم مسلمين أو نصارى أو يهود أيماناً منه (ص) بالمساواة بين خلق اللـه هذه الحقيقة التي أشار إليها في قوله:

«الناس سواسية كأسنان المشط»

وقوله كذلك: «لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى».

أن غير المسلمين استفادوا كثيراً من سيرة هذا الرجل العظيم وذلك يظهر من خلال إشادة الكتاب والمفكرين بهذا النبي وبإنجازاته الرائعة في مجال الإنسانية وخدمة أغراضها.

ولكن المسلمين الذين يجب أن يكونوا اشد تأثراً بسيرة نبيهم لم يستفيدوا من سيرته (ص) إلا بمقدار القشور في حين تركوا المضمون واللب جانباً فكان أن تحققت فيهم بنؤاته بنشوء الفرقة بينهم واستهانة عدوهم بهم بناءاً على عدم أتباعهم لإرشاداته وتوجيهاته (ص).

ثم أن هذا الشهر يحمل لنا ذكرتين مقرحين للقلوب إلا وهما ذكرى شهادة الأمام الحسن بن علي ابن أبي طالب (ع) وذكر استشهاد الأمام علي بن موسى الرضا (ع).

إن ذكريات كهذه وان كانت تهيج الحزن والألم في قلوبنا إلا أنها في عين الوقت يجب أن تكون نقاط توقف وإعادة نظر وترتيب للأمور بشكل يختلف عما نحن عليه من الفرقة والتناحر على ضوء سيرة أصحاب هذه الذكريات الذين فضوا نحبهم في سبيل الدعوة الإسلامية التي ترمي إلى توحيد القلوب على ضوء المنهج الإلهي الحق.

فنحن وبدلاً من توجيه ثقلنا وصب جام حقدنا على إخواننا الذين لم يختلفوا منها إلا بمقدار ما قادهم إليه الدليل الشرعي في أمور إنما هي من الفروع وليس من الأصول، علينا أن ندع وين قلوبنا ونزيح عن صدورنا ما تحمل من رواسب الكراهية للآخرين ونفتح صفحة للحوار الجاد الهادف والذي نسى من خلاله نيل الحق. فان كان الحق معي قبله أخي مني وان كان معة قبلته أنا منه فيكون بهذا مرضاة للـه ولرسوله الذي كان ذو صدر رحب في قبال الرأي الآخر، فكلنا يعلم بخبـر ذلك اليوم الذي وقف فيه أحد المسلمين أمام رسول اللـه ـ الذي كان منهمكاً بتوزيع الغنائم على المسلمين ـ قائلاً له: يا محمد انصف.

فلم يعد رسول اللـه (ص) في أجابته على قوله: ويحك ومن أولى مني بالأنصاف كما منع النبي (ص) البعض من الأصحاب عن استعمال العنف ضد هذا الرجل.

فأين نحن من هذا الجانب الإنساني من سيرة رسول اللـه (ص) وأهل بيته (ع)؟

ألم يكن هذا أولى بالأخذ من بعض الجوانب الظاهرية؟