سبق أن قدمنا مقالاً من ضمن سلسلة مقالات تناولت متابعة مبدأ اللاعنف في ضوء الأديان الثلاثة اليهودية والمسيحية والإسلام وكان ذلك المقال قد تعلق بخصوص حركة النبي موسى (ع). والآن نقدم مقالاً حول اللاعنف في ضوء دعوة النبي عيسى (ع).

لقد ارتبط مبدأ اللاعنف بدعوة النبي عيس (ع) ارتباطاً وثيقاً بحيث صار يتبادر اللاعنف والتسامح إلى الذهن كلما ذكر عيسى (ع) أو دعوته.

فسيرة نبي اللـه عيسى (ع) وأقواله تدل بدون شك على مدى ما تحمله دعوته من التسامح والعفو ونبذ العنف فقد ورد أنه (ع) مر يوماً بقوم من اليهود فقالوا له شراً فقال خيرا.

فقيل له: يا نبي اللـه أنهم يقولون شراً وتقول لهم خيراً؟

فقال لهم: كل واحد ينفق مما عنده.

فمتابعة أقوال المسيح (ع) وسيرته مليئة بما خصص المقال له، ولكن المقام لا يسمح بالتطويل ويكفي في المقام تسليط الضوء على عضة يسوع الكبـرى تلك التي وردت في آنجيل متى الفصل الخامس حيث ورد فيه:

فلما رأى الجموع ـ يعني عيسى (ع) ـ صعد الجبل وجلس، فدنا إليه تلاميذه فشرع يعلمهم قال:

طوبى لفقراء الروح (المتواضعون للـه) فإن لهم ملكوت السماوات.

طوبى للودعاء فإنهم يرثون الأرض.

طوبى للمحزونين فإنهم يعزون.

طوبى للجياع والعطاش إلى البـر فإنهم يشبعون.

طوبى للرحماء فإنهم يرحمون.

طوبى لاطهار القلوب فإنهم يشاهدون اللـه.

طوبى للساعين إلى السلام.

طوبى للمضطهدين على البـر فإن لهم ملكوت السماوات.

طوبى لكم إذا شتموكم واضطهدوكم وافتروا عليكم كل كذب من أجلي افرحوا وابتهجوا إن أجركم في السماوات عظيم فهكذا اضطهدوا الأنبياء من قبلكم.

…. سمعتم أنه قيل للأولين (لا تقتل فإن من يقتل يستوجب حكم القضاء) أما أنا فأقول لكم: من غضب على أخيه استوجب حكم القضاء، ومن قال لأخيه يا أحمق استوجب حكم المجلس،….

سمعتم أنه قيل: (العين بالعين والسن بالسن) أما أنا فأقول لكم: لا تقاوموا للشرير، بل من لطمك على خدك الأيمن فاعرض له الآخر، ومن أراد أن يحاكمك ليأخذ قميصك فاترك له ردائك أيضاً، ومن سخرك أن تسير معه ميلاً واحداً فسر معه ميلين….

سمعتم أنه قيل: (احبب قريبك وابغض عدوك) أما أنا فأقول لكم: احبوا أعدائكم، وصلُّوا من أجل مضطهديكم…

إن ما تقدم من مقتطفات من وصية يسوع الكبـرى فيها أمثلة رائعة تعلم الإنسان ما يجب أن يكون عليه مع أخيه الإنسان، فهي تعلم أولاً التعامل مع الإنسان بما هو إنسان بغض النظر عما يحمل من معتقد ورأي، كما أنها تعلم الإنسان من جانب آخر درساً في وجوب استبعاد العنف في قاموس الحياة واستبداله باللاعنف وجعله منهاجاً في الحياة.