ان الموارد التي يضع الانسان نفسه فيها مظنَّة القتل كثيرة، فلا يستغرب الانسان حين يسمع عن رجل قتله طمعه، وآخر قتله تهوره، وثالث قتله ظلمه، ولكن الغرابة كل الغرابة حين يسمع الانسان عن رجل قتله عدله، وهذا ما حدث بالنسبة لعلي ابن ابي طالب (ع).

قد يكون الانسب في مناسبة الغدير حيث تمت البيعة لعلي ابن ابي طالب (ع)، بالولاية حتى هنأه المسلمون بها بما فيهم الخليفتين ابي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، قد يكون الأنسب الخوض في موضوع آخر، ولكني احببت ان اسطر كلماتي حول هذا الموضوع، وذلك ان لتلك الجوانب من يتكفل بها ويكفي ويعني.

فعلي (ع) قرن القول بالفعل، فلم يكن من اولئك الذين يرفعون الشعارات البراقة حتى اذا بلغ ما يريد تناسى ما سبق له ان رفعه من الشعارات ووضعه تحت قدمه، ولم يكن له هم سوى تثبيت قوائم كرسيه لئلا يتحركا، فعلي الذي يقول لابن عباس، ان امرتكم عندي لا تساوي عفطة عنز إلا أن أقيم حقاً أو ادحض باطلاً، وذلك حين لم يكن متولياًَ لأمور المسلمين، هو نفسه الذي، لم يكن يضع الفوارق بين القرشي وغيره، والاسود والابيض، والقريب والبعيد، بل وبين الهاشمي وغيره، اذ انه لم يكن يهدف السلطة، ويسعى اليها، كيف وهو الذي ادار له ظهرها حين اتته مقرونة بالشروط التي تقترن فيها تعاليم رسول الله بتعاليم غيره؟

ان السلطة في عرف علي (ع) وسيلة، وممر يمر من خلاله لبلوغ غايته في اقامة مجتمع العدل الذي تنصهر فيه جبال الفوارق ليستحيل المجتمع الاسلامي مجتمعاً ذا مستوىً واحد لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، اما اعتبارات الجاهلية، والتفاخر بالآباء، فلم يكن لها وزن او قيمة في عرف علي ابن ابي طالب (ع).

ان هذا الجانب مغيب عن اجيالنا وذلك بفعل العصبية، والمذهبية العمياء، فلم تعد اموراً كهذه من التي تستحق ان تبرز، وذلك ان البعض يحسبها مكسباً لطرف دون آخر من اطراف المسلمين، في حين لم يكن علي (ع) إلا لكل المسلمين بغض النظر عما يعتقدون او يضمرون، ولم اقل قولي هذا على سبيل الادعاء الخالي من الدليل، وانما استند فيه الى كتب التاريخ التي تنقل لنا سيرة علي (ع).

فيكفيك ان تفتح كتب التاريخ بغض النظر عن كاتبها فالكل متفقون على مثل هذا فنظرة واحدة منك فيها على سيرة علي تجد ان عليا كان يوصل العطاء حتى الى بيوت من كانوا يختلفون معه في الرأي ولا احسب ان التاريخ يحدثنا ان حاكماً كان يفعل هذا مع من يختلف معه في الرأي، بل يحمد الله من يختلف مع الحاكم في الرأي إن ابقاه سالماً.

فهل يصح يا ترى ان تبقى هذه الجوانب من تاريخ المسلمين في الظلمة، ولا يقدر لها النور، لا لشيء إلا لانها تحسب على فلان او فلان؟

نحن ننبهر حين نسمع ان رئيس وزراء استراليا قد تلقى ضربة بقالب من الحلوى على وجهه حين كان يسير في مظاهرة، ولم يفعل ازاء الفاعل شيئاً، في حين كان علي سُب، وهو حاكم البلاد الاسلامية حيث كان يسمع ومع ذلك لا تجده يحرك ساكناً إزاء ذلك، فلماذا تهرع وسائل اعلامنا الى ابراز السماحة الغربية، وكأننا خالون في تاريخننا من مثل هذه المواقف؟

نهاية اقول ان النفس من شيمها التعالي والتكبر على الآخرين، ففلان ابن فلان يتعالى على الآخر لأنه ينتسب الى بيت فلان، وآخر غني يتعالى على الفقير لانه يمتلك من المال، ما يفتقده الآخر وهكذا فلم يرق لمجتمع يتحلى بصفات كهذه ان يبقى على سدة الحكم، من أزال مثل هذه الفوارق عن المجتمع الاسلامي فكان ان ذهب ضحية عدله في الحكم