قال تعالى (لا يحب الله الجهر بالسوء إلا من ظلم ..) صدق الله العلي العظيم

وفي التفاسير قال علي بن إبراهيم القمي : أي لا يجب الله أن يجهر الرجل بالظلم والسوء ، ولا يظلم إلا من ظلم ، فقد أطلق له أن يعارضه بالظلم .

وفيه : إن جاءك رجل وقال فيك ما ليس فيك من الخير والثناء والعمل الصالح ، فلا تقبله منك وكذبه ، فقد ظلمك .

وعن الطبرسي : لا يحب الله الشتم في الانتصار إلا من ظلم ، فلا بأس له أن ينتصر ممن ظلمه بما يجوز الانتصار به في الدين .

وروي عن الصادق (ع) : أنه الضيف يترل الرجل فلا يحسن ضيافته ، فلا جناح عليه أن يذكر سوء فعله . وقريب منه عن العياشي عنه (ع) .

وعن أبي الجارود : الجهر بالسوء من القول أن يذكر الرجل بما فيه …

الشاهد :

هناك ثمة إشكال في الجانب السياسي أو مشكلة بين من يرى نفسه (الرأي) ومن هو في جناح (الرأي الآخر) . فـ (الرأي) متكئ على عريشة القدرة ومتماسك بمقاليد الحكم ، و (الرأي الآخر) من يرى غير ذلك وينادي بأعلى صوته بالمعارضة السياسية … والأساليب مختلفة تماماً في دول العالم من جهة ، والعالم الإسلامي من جهة أخرى . ففي العالم الغربي حصل شبه إعجاز في أن الأنظمة ذاتها تبرمج الدولة ضمن سياسة الحمائم والصقور وتحترم الرأي الآخر ، بل وتدفع له المال ليكون معارضاً قوياً غير مرتبط (على الأغلب) بدول أخرى .

ويتمكن هذا (الرأي الآخر) من مخالفة الحزب الحاكم وطرح البدائل وذلك للحفاظ على الدستور وحرية الشعب . وفي الدول الإسلامية غير ذلك .

فمثلا : في المغرب العربي ، النظام الحاكم يدخل في صراع مع المعارضة السياسية الدينية ويحكم على شيخ المعارضة بالإقامة المترلية الجبرية خلال عشرة أعوام ويمنعه من مغادرة المترل أو اللقاء بالأحبة والأقرباء .

وبعد 10 سنوات يصرح وزير العدل المغربي السيد عزيمان وأمام السياسيين :

نبحث عن حل تفاوضي مع زعيم العدل والإحسان !!

في أوائل التسعينات يشن النظام حملة واسعة ويعتقل أتباع جماعة العدل والإحسان ويتهمهم بالتورط في اشتباكات مع اليساريين داخل الجامعات المغربية من دون أن يلقي القبض على اليساريين .

واليوم النظام نفسه يسعى لحل القضية والتفاوض مع المعارضة الدينية .

لا يقال : قبل 10 سنوات كان الوالد ، واليوم الولد والوضع مختلف تماماً .

حيث إن حزبي العدالة والتضحية يعملان بحرية كافية .

إذ يقال : واليوم وفي الحكومة الجديدة ما زالت الجماعة الإسلامية محظورة . والأحزاب المذكورة تعمل عمل الحمائم ! والحمامة تُطعم ولا تُضرب !!

والسودان المثال الثاني ، فقد اتفق البشير مع الترابي على العمل المشترك وبعد مفاوضات طويلة نقاشات حادة ، واليوم وبعد استيلاء البشير على مقاليد الحكم اعتبر الترابي هو (الرأي الآخر) ولا يحق له سوى أن يكون مؤيداً لـ (الرأي) و …

وإيران المثال الآخر ، فقد ألغى دور المرجعيات الدينية غير المرتبطة بالنظام قبل أكثر من 15 عام واليوم وقع في فخ الانفتاح الغربي والصراعات الداخلية في النظام نفسه والأفراد العاملة فيه .

ولا شك أن هناك صراع مرير بين فكرتي الإصلاح والتشديد (أو المحافظ) ولم يختلف اثنان أن التنافس الذي كان شريفاً يوماً ما ، أصبح اليوم على شرفة من الصراع الدموي (لا سمح الله) .

فحجاريان الذي كان في قمة التأييد للمحافظين أصبح رائداً في الإصلاح ، وعندما دخل في الإصلاحيين أطلقت عليه رصاصة متدينة ومن أسلحة توضأ صاحبها وتوكل على الله !!

فأين تكمن  المشكلة في (الرأي) و (الرأي الآخر) أولاً ، وفي الغرب والعالم الإسلامي ثانيا؟

نحن نعتقد أن الإسلام أعطى حرية (الرأي الآخر) وجعله منافساً لـ (الرأي) وسمح له بالتصريح والعمل كمعارض ولم يلغي دوره على الإطلاق .

ونعتقد أن الدولة ـ سواء كانت إسلامية أم غيرها ـ كما أنها بحاجة إلى حمائم فإنها أيضاً بحاجة إلى صقور ومعارضة ، كي يضمنها ـ كليهما ـ صيانة الدستور وحق الشعب .

وفي التأريخ الإسلامي شواهد كثيرة لا تعد ولا تحصى . وعلى سبيل المثال لا الحصر قضية الإمام أمير المؤمنين (ع) معه الخوارج .

فإنهم خالفوه وشهروا (عليه ودولته الشرعية) السلاح واستحلوا دمه ودم من ناصره . ومع ذلك عندما يسأل عنهم يرفض أن يُنال منهم ، أو يتهمهم بما يقول البعض : هؤلاء قوم عملاء ، أو شرذمة أو … بل قال (ع) فيهم : (هم إخواننا بغوا علينا) !!

بل وقال لهم بصراحة تامة : لكم علينا ثلاث : ألا نمنعكم مساجد الله ، ولا نحرمكم الفيء ما دامت أيديكم في أيدينا ، ولا نبدأكم بقتال .

وهذا يعني ، أنه (ع) سمح لهم البقاء في المساجد (التي هي حلبة الصراع لأنهم يتظاهرون بالدين ويكفرِّون علياً(ع) وأتباعه) مع مخالفتهم الصريحة الملبسة بغطاء شرعي يعتمد على الكتاب والسنة …

ولم يحرمهم من بيت المال (أي عموم استعمال سياسة المحاصرة الاقتصادية) وهذا يعني الحفاظ على المعارضة المستقلة ولم يقاتلهم أيضاً . وهذا يعني عدم إلغاء دور المعارضة على الإطلاق . بل والمحافظة عليهم والإصرار على عدم تشويه سمعتهم أو … كما قد يؤدي إلى الإضرار بهم … إذ أن لا ضرر ولا ضرار في الإسلام .