مقدمة الامين العام

     تعتبر الأسرة المحطة الأولى التي ينطلق منها قطار المجتمع باتجاه هدفه المنشود في رحلته الشاقة كما أنها النواة الأولى للمجتمع والتي تمد المجتمع بالأبناء لإدارة عجلة سير الحياة لذلك كان من الضروري الاهتمام والعناية اللازمين بها.

ولكون الأسرة تحتل هذه المكانة المتميزة بالنسبة للمجتمع تجد أن الدين الإسلامي – وقبل أكثر من ألف وأربعمئة سنة – كان قد اهتم بها اهتماماً بالغاً في جميع المراحل التي تمر بها الأسرة ووضع الأحكام اللازمة لكل ذلك.

فاختيار الزوجة الصالحة، من الأسرة الكريمة من الأمور الأولى التي ركز عليها الإسلام كوسيلة للحفاظ على الأسرة مشروع التكوين، وهذه هي الخطوة الأولى التي وجه الإسلام نظر الإنسان المؤمن إليها حينما يريد تكوين الأسرة.

كما وجه نظره أيضاً نحو ملاحظة الأخلاقيات التي يحملها أخو الفتاة موقع الاختيار، حرصاً على سلامة الأولاد، وقد ورد في كل ما تقدم في الأثر: «… فإن الخال أحد الضجيعين». و«إياكم وخضراء الدمن… المرأة الحسناء في منبت السوء».

إضافة لما تقدم ذكره أكّد الإسلام على المحيط الذي يجب أن يتربى فيه الطفل، ووجوب اختيار الاسم، والكنية المناسبين للولد.

هذه كلها وغيرها مما لا يتسع المقام لذكره خطوات اتخذها الإسلام في سبيل بناء المجتمع الإسلامي المثالي.

إن هذه الخطوات التي مرَّ ذكرها إنما هي مسؤولية الأبوين، ولكن الإسلام حثَّ المجتمع كذلك نحو احترام الجيل الناشيء عن الأسرة إذ أنه لبنة المجتمع المستقبلية، ولا تغيب عن عيني تلك المعاملة الحسنة التي يوليها معلمي الأول، ورائد طرح اللاعنف في القرن العشرين الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي، للشباب المراهقين والأطفال وذلك في محاضراته التي كان يلقيها في مدرسة ابن فهد الحلي، وكان ذلك إبان أيام المراهقة، كل ذلك إيماناً منه -حفظه الله- بضرورة منح هذا الجيل الثقة ليتحمل أعباء مسؤوليته في المستقبل، ولشدة تأثر الجيل الناشيء به -بتأثير هذا التعامل معه- كان يستغل هذا التأثر ليبث في روح الجيل الأخلاق الفاضلة تجاه الأبوين والأسرة. ومنذ ذلك الحين زرع سماحته مبدأ اللاعنف في نفسي، ذلك المبدأ الذي صار مشروع عمري، وأكبر أحلامي، حيث توجه سماحته إلى طرح مبدأ اللاعنف في بعض محاضراته آنذاك وكيف أن الدين الإسلامي ينبذ العنف ويمقته، وطرح ما تحمله السيرة المباركة لرسول الله(ص) والأئمة المعصومين من التسامح، وخلوها من العنف.

ولقد شاء الله أن يحقق حلمي بطرح مبدأ اللاعنف من خلال تجمع (المسلم الحر) حيث تم التنسيق مع مجموعة من العلماء الأفاضل للسفر إلى الدول الغربية والاستقرار فيها للتعريف بواقع الدين الإسلامي والمذهب الشيعي، وإزالة تلك الصورة المشوهة التي رسمها أعداء الإسلام للدين الإسلامي عموماً من تبنيه العنف -حسب زعمهم- في كافة مجالات الحياة وخاصة في مجال الأسرة.

ولقد اتخذ تجمع (المسلم الحر) من هؤلاء الأفاضل أعضاءاً لمجلسه الاستشاري الذي يسعى لدراسة السبل الكفيلة لطرح اللاعنف وترسيخه في أذهان الناس.

ومن النشاطات التي يقوم (المسلم الحر) بتنفيذها، طرح الدراسات المتخصصة في موضوع اللاعنف، وما يتعلق به من المفاهيم، فكان باكورة هذا المشروع الكتاب الذي بين يدي القاريء الكريم، الذي تناول موضوعاً من أهم المواضيع ألا وهو موضوع العنف الأسري الذي خاض فيه في السبل التي اتخذها الإسلام لحماية الأسرة من الانهيار منذ نشأتها الأولى وحتى استمرارها ثم خاض في موضوع العنف الأسري وأسبابه ونتائجه.

لقد اتخذ المؤلف الأستاذ المحامي حيدر البصري أسلوب المقارنة بين النظام الإسلامي وغيره من الأنظمة في دراسة سلسة، لا أريد الكشف عن تفاصيلها.

فهذا الكتاب -كما سبق أن قدمنا- يعد باكورة الدراسات التي سيقوم تجمع (المسلم الحر) مستقبلاً بنشرها في المستقبل القريب إن شاء الله.

نسأل الباري تعالى أن ينتفع المؤمنون بهذا الجهد، وأن يجعله ذخراً لكاتبه يوم لا ينفع مال ولا بنون، وأن يكون من العلم الذي ينتفع به الناس.

  الشيخ محمد تقي باقر

أمين عام تجمع (المسلم الحر)

مقدمة الكتاب

 

في عصر يعيش أزمة حادة في الأخلاق في كافة مجالات الحياة -حيث أضحت المؤسسة الاجتماعية الأهم في العالم أعني بذلك الأسرة أشبه شيء بقطرة زئبق حلت في كف مجنون- بات أمراً ضرورياً التفكير جدياً بإنقاذ هذه المؤسسة من أن تتفكك روابطها.

فالأزمة الأخلاقية التي يعيشها عالمنا اليوم في مجال الأسرة كانت وراءها أيدٍ أثيمة من مصلحتها أن ترى مجتمعاً مفككاً لا يمت إلى الأخلاق بصلة تذكر، وذلك كي يمكن السيطرة عليه بشكل مباشر دون أن يحس بما تضمر تلك الأيدي من نوايا دنيئة إزاء المجتمع الذي تريده طبق مواصفاتها، وذلك أنها تريده مجتمعاً متميعاً يعيش في دوامة الرغبات المادية دون أن يتنبه إلى ما يجري حوله.

وبما أن الأسرة المترابطة هي الوسيلة الوحيدة التي يمكن أن تقف بوجه مشاريعهم الدنيئة هذه إذ أنها تكفل المناعة لأفرادها عن أن تطالهم الأهواء المضلة كان أن خطط هؤلاء المغرضون لهدم الأسرة وتفكيك روابطها. فكانت حرباً هوجاء استطاعت أن تؤتي ثمارها في المجتمعات التي بدأت بها وهي المجتمعات الغربية، فالأسرة في المجتمعات الغربية تعاني الآن تفككاً رهيباً.

إلاّ أن الأمر ببلوغه هذا الحد قد لا يشكل مصدر قلق بالنسبة للأسرة في مجتمعاتنا. ولكن في ضوء هذا التقدم العلمي الذي جعل من العالم قرية صغيرة -العولمة- والتي تستطيع أية جهة بث ما تريد من أفكار، وإيصالها إلى أقصى بقاع الأرض، باتت أفكار هؤلاء -أعداء الأسرة- تدب في مجتمعاتنا حتى ضلَّلت أفكار الكثير من أبناء المجتمع ممن تتكون الأسرة منهم.

علاوة على ذلك أن الظروف المختلفة التي تتنازع دولنا كانت قد ألجأت الكثير من أسرنا إلى مغادرة بلداننا طلباً للعيش الآمن، والرغيد في كنف المجتمعات الغربية. وهذا العدد المهاجر في تزايد مستمر حيث أثبتت احصائيات الأمم المتحدة لعام 1993 أن عدد اللاجئين يتزايد بمعدل عشرة آلاف مهاجر يومياً.

فقد صار عندنا الآن مجتمعان علينا التفكير جدياً بالحفاظ عليهما من خطر تلك الحملات المذعورة التي غرضها الأساسي النيل من الأسرة وتفكيكها.

ولكل ما تقدم ذكره رأيت أن من واجبي القيام بشيء في هذا المجال مكمل للمنهج الذي اتخذته الذي يتمثل بكتابة المقالات الخاصة بالأسرة وتنبيه أعضائها إلى الخطر الذي يداهم أسرهم، وقد نشرت ذلك في صحف ومجلات عديدة، إلاّ أنني رأيت أن كتابة كتاب يجمع بين دفتيه كل ما يخص الأسرة منذ كونها مشروعاً في طور التأسيس، حتى صيرورتها كياناً قائماً يتوجب حمايته مما يتهدده، أجدى نفعاً، وأسهل مثالاً لمن يروم انتهاج المنهج الذي يتمكن من خلاله تكوين أسرة سليمة، ولمن يروم حماية أسرته مما يتهددها من الأخطار وخصوصاً في عصرنا الحالي.

لقد حاولت جاهداً اتباع الأسلوب العلمي في المنهجية التي كتبت فيها الكتاب لأنها لا تتعب القاريء الكريم في تتبع عناوين الكتاب، كما تتبع معه تسلسلاً مشوقاً يساعد في تركيز مواضيعه في الذهن دون أن يتشتت بين العناوين المتناثرة هنا وهناك في ثنايا الكتاب.

لقد قسمت الكتاب إلى ثلاثة أبواب، تناولت في الباب الأول منها تعريفاً عاماً بالأسرة حاولت فيه رسم صورة اجمالية للأسرة، فقدمت تعريفاً لها، وتعداداً لأنواعها السائدة، ثم تناولت مواقف الأطروحات التي تسود العالم من الأسرة.

وقد تألف الباب الأول من الكتاب من فصول ثلاثة هي: تعريف بالأسرة، والأسرة في ظل الأنظمة المادية، ثم الأسرة في ظل الإسلام.

أما الباب الثاني من الكتاب: فقد تناولت فيه مرحلة تكوين الأسرة، وقد تضمن مقدمة بالإضافة إلى ثلاثة فصول وهي: الحث على الزواج، وتثقيف الأسرة بالثقافة المناسبة، والاختيار الأمثل الذي يضمن تكوين أسرة سليمة.

أما الباب الثالث وهو الباب الأهم من بين أبواب هذا الكتاب، والذي كان له الدور الكبير في دفعي نحو تأليفه فقد كان بعنوان العنف الأسري.

تصدر هذا الباب تمهيد تلته فصول ثلاثة، وهي الفصول التي يتألف منها هذا الباب أيضاً. أما الفصل الأول من هذه الفصول فكان بعنوان تعامل الزوج مع الزوجة، وقد تناولت فيه ما يجب أن تكون عليه علاقة الزوج مع زوجته، والواجبات التي تقع على عاتقه تجاهها، وسبل حل الأزمات التي قد تنشأ بينهما.

أما الفصل الثاني فقد تناول موضوع العلاقة بين الوالدين والأولاد وطريقة التعامل معهم، وخاصة التعامل مع المراهقين وذلك لحساسية دور المراهقة في حياة الإنسان.

ثم عقد الفصل الثالث من فصول الكتاب لموضوع أسباب العنف الأسري ونتائجه.

وقد اختتمت الكتاب بفصل مستقل تناول المشاكل التي تنشأ في الأسرة وطرق حل تلك المشاكل.

وإني حيث أتممت عملي هذا لا أدعي كونه العمل الأفضل في هذا المجال، وإنما قدمت جهدي هذا للمساهمة في حماية الأسرة من الأخطار التي تتهددها، وقد أكون وفقت للإتيان بأشياء جديدة تساهم في إثراء الحركة العلمية التي تخدم المجتمع راجياً الاستفادة منه والحمد لله أولاً وآخراً.

المحامي حيدر حسين البصري

                                       29/ ذي الحجة/ 1420 هـ – 6/3/2000م

دمشق – السيدة زينب