أعلن عدد من المنظمات الإنسانية الدولية في بيان لها صدر يوم الأحد 25 كانون الأول/ ديسمبر 2022 تعليق كافة برامجها الخيرية و الإغاثية في أفغانستان، وذلك احتجاجاً على إعلان جماعة طالبان حظر عمل النساء الأفغانيات في المنظمات غير الحكومية العاملة في البلاد.

في الوقت الذي تمرّ فيه أفغانستان بأزمة إنسانية ومعيشية واقتصادية حادّة تلقي بظلالها الثقيلة على الملايين من أبناء ذلك البلد، يأتي القرار الأخير لجماعة طالبان بحظر عمل النساء الأفغانيات ضمن سلسلة من القرارات الصادمة التي تستهدف حرمان المرأة من أبسط حقوقها كالتعليم والعمل، في نقضٍ فاضحٍ للقيم الدينية وانتهاك صارخ للقوانين الدولية، ناهيك عن أنها قد تضع بعض المناطق على حافة المجاعة نتيجة الخلل الذي سيصيب عمليات الإغاثة الإنسانية بسبب تداعيات تلك القرارات غير المسؤولة.

إنّ تجربة البرامج الإنسانية والخيرية في أفغانستان ليست بجديدة، بل لها تاريخ طويل يعود لعقود من الزمن، وهي تستهدف بالدرجة الأولى الشرائح الاجتماعية الأكثر ضعفاً وحاجةً في البلاد و على رأسها الأطفال والنساء، ما يجعل مشاركة المرأة الأفغانية فيها محورياً كي تسير بكلّ سلاسةٍ في مجتمعٍ تحكمه أعراف وتقاليد لا يمكن فيها إلا للمرأة التواصل بسهولة مع العوائل المحتاجة وتقديم الخدمات للفتيات والنساء، فضلاً عن أنها تساهم في خلق موارد مالية لها لدعم عائلتها في ظلّ فقدان الآلاف من الأسر لمن يعيلها من الرجال نتيجة الحروب والأزمات التي ضربت البلاد.

إنّ مواقف جماعة طالبان الأخيرة باستهداف المرأة الأفغانية في تعليمها وعملها، يندرج في إطار استخدام العنف ضدالمرأة وممارسة التمييز عليها، ما يجعلها جريمة ضد الإنسانية، تستدعي من المجتمع الدولي مواجهتها واتخاذ الإجراءات الرادعة لوقفها فوراً، واستنفار الجهود العالمية للضغط على تلك الجماعة للتراجع عن قراراتها والالتزام بأحكام الشرعية الدولية والإنسانية.

ولعلّ أكبر جريمة تقترفها جماعة طالبان بقراراتها التعسفية الأخيرة بحق المرأة الأفغانية، أنها تصبغها بصبغة “إسلامية”، في تشويه قبيح لصورة الإسلام الناصعة في تعامله مع المرأة؛ ما يفرض على القائمين على الشأن الإسلامي أن يبادروا لتحمل مسؤولياتهم كي يستنكروا تلك الممارسات التي تتناقض وقيم الإسلام الراقية التي قدّمت نماذج مشرقة في التاريخ الإسلاميّ من نساء رائدات في شتى مجالات العلم والعمل والإبداع الحضاريّ.

يقول سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي (دام ظله): “لقد بوّأ الإسلام المرأة مكانةً رفيعةً، ومحلاً شامخاً، حتى وصفها أمير المؤمنين علي عليه السلام بقوله: (المرأة ريحانة) فيلزم على المجتمع الإسلامي اعتبارها ريحانة والتعامل معها على هذا الأساس في شتى مجالات الحياة”

إنّ الوضع الإنسانيّ الحرج في أفغانستان، لا يتحمّل تعليق برامج الإغاثة في البلاد، بل يفرض على كافة الجهات الدولية، لا المنظمات الإنسانية والخيرية فحسب أن تعيد النظر في سياساتها وإستراتيجياتها بالتأكيد على الوقوف إلى جانب الشعب الأفغانيّ في هذه الظروف الصعبة وذلك من خلال آليات تضمن عدم توقف النشاط الإغاثي بأي شكل من الأشكال والتأكّد من وصول المساعدات الإنسانية لمستحقيها و منع استغلالها كأداة للاستثمار السياسيّ.

إننا إذ ندين بشدة ممارسات جماعة طالبان وقراراتها الأخيرة بحق المرأة الأفغانية، نناشد المجتمع الدولي حكومات وشعوباً للقيام بدوره الإنساني والأخلاقي والديني بما يضمن حقوق الشعب الأفغاني بمختلف مكوناته للعيش بسلام ووئام لبناء بلده وازدهاره وأمنه.