كير – واشنطن: 15/1/2002) تناولت تقارير صحفية نشرتها الصحف الأمريكية خلال الأسابيع الماضية بعض ردود أفعال منظمات اليهود الأمريكيين السياسية تجاه قوانين وسياسات مكافحة الإرهاب الجديدة، وقد ركزت بعض هذه التقارير على مساندة المنظمات اليهودية الأمريكية السياسية الكبرى لقوانين مكافحة الإرهاب ولتوسيع سلطات الأمن وتنفيذ القوانين الأمريكية بعد الحادي عشر من سبتمبر مبرزة ما يمثله هذا الموقف من معارضة واضحة لموقف العديد من منظمات الحقوق المدنية الأمريكية التي تحفظت على هذه القوانين، كما يمثل هذه الموقف أيضا تناقضا واضحا مع مواقف المؤسسات اليهودية الأمريكية التاريخية المناهضة للقوانين التي قد تؤدي إلى الحد من الحريات المدنية الأمريكية. كما أشارت التقارير الصحفية إلى أن مواقف المنظمات اليهودية الأمريكية بعد الحادي عشر من سبتمبر أدت إلى حدوث انقسامات داخل صفوفها.

فقد نشرت صحيفة نيويورك تايمز تقريرا في الثالث من يناير الحالي عن مساندة بعض المنظمات اليهودية الأمريكية ومنها لجنة مكافحة التشويه واللجنة اليهودية الأمريكية لقوانين مكافحة الإرهاب التي أقرها الكونجرس الأمريكي بعد الحادي عشر من سبتمبر. وكشف التقرير عن أن أكبر منظمات الحقوق المدنية الأمريكية مثل اتحاد الحريات المدنية الأمريكية (ACLU) ومجلس الكنائس الوطني دعت المنظمات اليهودية الأمريكية للانضمام إلى تحالفا لمواجهة الآثار السلبية التي قد تتركها قوانين مكافحة الإرهاب الجديدة على الحقوق والحريات المدنية الأمريكية، ولكن المنظمات اليهودية رفضت هذه الدعوة وفضلت تأييد القوانين.

وقد أرجع التقرير رفض المنظمات اليهودية الانضمام لهذه التحالفات إلى انضمام المنظمات المسلمة والعربية الأمريكية إليها، إذ وضعت أحداث الحادي عشر من سبتمبر وما تبعها من سياسات استهدفت بعض العرب والمسلمين المقيمين في أمريكا جماعات الحقوق المدنية المسلمة والعربية في بؤرة اهتمام حركة الحقوق والحريات المدنية الأمريكية. 

كما أوضح التقرير أن المنظمات اليهودية الأمريكية فسرت تأييدها لقوانين مكافحة الإرهاب إلى خبرتها بالنموذج الإسرائيلي، إذ تروج هذه المنظمات لفكرة إن إسرائيل تعد نموذجا لمكافحة الإرهاب دون التضحية بالحقوق والحريات المدنية لمواطنيها.

كما أشار التقرير إلى أن موقف المنظمات اليهودية الأمريكية يتماشى مع موقف قاعدتها الشعبية، إذ توصل استفتاء لأراء 1015 يهودي أمريكي أجرته اللجنة اليهودية الأمريكية في شهري نوفمبر وديسمبر الماضيين إلى أن 92 % من المبحوثين يساندون الاختراق الأمني والتجسس على  أية جماعات مشكوك فيها، ويساند 70 % منهم إصدار بطاقات هوية قومية للأمريكيين (بما يسهل عملية تتبعهم قانونيا وأمنيا)، ويساند 66 % منهم التوسع في استخدام الكاميرات في الشوارع والأماكن العام بغرض المراقبة، كما يساند 55 % منهم مراقبة غرف المحادثة الإلكترونية على الإنترنت.

وتعليقا على هذه التقارير أشار السيد نهاد عوض مدير مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) إلى أن المنظمات اليهودية الأمريكية في تأييدها لقوانين مكافحة الإرهاب الحالية تكرر ما فعلته في عام 1996 حين أيدت قانون الأدلة السرية، وهو قانون سمح لسلطات الهجرة والتوطين باحتجاز المشتبه فيهم على أساس من أدلة سرية، وقد عارضت المنظمات المسلمة الأمريكية – ومعها العشرات من أعضاء الكونجرس ومنظمات الحقوق المدنية في الولايات المتحدة –  قانون الأدلة السرية لأنه طبق بصورة تمييزية ضد المسلمين والعرب الأجانب المقيمين في الولايات المتحدة، كما قادت تلك المنظمات حملة لاقت نجاحا إعلاميا وسياسيا لإبطاله.  

وقال عوض ” لقد أيدت هذه المنظمات قانون الأدلة السرية لأربعة سنوات قبل أن يتضح للجميع عدم دستوريته وعدم عدالة أسلوب تطبيقه، وموقفها الحالي يعبر عن ازدواجية معاييرها عند التعامل مع قضايا حقوق وحريات المسلمين والعرب في أمريكا”.

وفي تقريرين آخرين نشرتهما جريدة لوس أنجلوس تايمز الأمريكية في الأول والسادس من يناير الحالي، كشفت الصحيفة عن وجود انشقاق داخل صفوف المنظمات اليهودية الأمريكية الكبرى، وقد أرجعت الصحيفة هذه الانشقاق إلى عدة أسباب منها معارضة بعض القادة اليهود الأمريكيين لموقف المنظمات اليهودية الأمريكية الكبرى المتشدد تجاه قضايا ومنظمات المسلمين والعرب في أمريكا.

فقد أوضحت الجريدة أن هناك جيلا جديدا من القادة اليهود الأمريكيين يرفضون ازدواجية معايير المنظمات اليهودية الأمريكية وسطوتها على عملية تمثيل مواقف اليهود الأمريكيين، ويرى دانيال سوكاتش المدير التنفيذي لتحالف اليهود التقدميين أن الانقسام داخل الجماعات اليهودية الأمريكية يعبر عن انقسام متزايد بين اليهود الموالين لأجندة المنظمات اليهودية التقليدية والتي تركز على ذكرى الهولوكوست ومكافحة اللاسامية ودعم إسرائيل، وبين فريق جديد يؤمن بقضايا وقيم أخرى كالعدالة الاجتماعية والمساواة.

وتقول الصحيفة أن جزءا من الانقسامات يعبر عن رفض يهود غرب الولايات المتحدة سيطرة يهود شمال شرق الولايات المتحدة والمتمركزين أساسا في نيويورك على عملية صناعة القرار داخل المؤسسات اليهودية الأمريكية، إذ أن 75 % من أعضاء مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية الكبرى والذي يضم في عضويته 54 عضوا هم من المقيمين في شمال شرق أمريكا.

كما أشارت الصحيفة إلى سلطوية أساليب صنع القرار في بعض المنظمات اليهودية وعلى رأسها لجنة مكافحة التشويه والتي تعد أكبر جماعات الحقوق المدنية اليهودية الأمريكية والتي تقدر ميزانيتها السنوية بحوالي 45 مليون دولارا أمريكيا. وتوضح الصحيفة أن أسلوب إبراهام فوكسمان مدير لجنة مكافحة التشويه قاد إلى مشكلات عديدة داخل المنظمة كان أخرها حادثة طرد ديفيد لاهر مدير فرع المنظمة بمنطقة لوس أنجلوس والذي قاد فرع اللجنة بلوس أنجلوس لمدة 27 عاما والذي يحظى بشعبية كبيرة بين يهود لوس أنجلوس الأثرياء والذين يبلغ عددهم 600 ألف نسمة ويتبرعون سنويا بنسبة 10 % من ميزانية لجنة مكافحة التشويه  ومع ذلك لا يشعرون بأية تأثير على عملية صنع القرار داخل اللجنة رغم أنهم أكبر مموليها.

وقد أثارت حادثة طرد ديفيد لاهر جدلا كبيرا بالصحافة الأمريكية حول الصراع حول يهود شرق وغرب أمريكا على صناعة قرار يهود الولايات المتحدة الذين يبلغ عددهم 6 مليون نسمة.