أن الويلات التي جرتها حملات التطرف الفكري على الدين الإسلامي أشد بكثير من تلك التي جرتها عليه موجات التطرف الإرهابي فالفكر البشري بلغ المرحلة التي يقيم فيها الأنظمة بمقدار استيعابها للرأي الآخر واحترامها له أما منطق القوة فلم يعد المقياس الأمثل الذي يعرف من خلاله مقدار تقدم الأمم .

من خلال دراستي للتاريخ الإسلامي ودراستي للانظمة الوضعية أستطيع القول وبضرس قاطع بأنه ما من نظام أبدى اهتماماً بالرأي كذلك الآخر الذي أبداه النظام الإسلامي به إلا أن معالم نظرية الإسلام في هذا المجال قد ضاعت بين الممارسات التعسفية التي اقتضتها ضرورات السياسة وبين التطرف الفكري الديني الذي كان يحجر على العقول اقترابها من ساحة المقدس المفروض .

إن نظرة بسيطة في سيرة النبي الأكرم تكشف لنا بما لا يقبل الشك في صحة هذا المدعى ، ويكفي أن نسوق مثالاً واحداً على ذلك فقد ورد في كتب السيرة إن رجلاً جاء إلى رسول الله (ص) قائلاً (أنا أستطيع أن آتي بأجمل  من كلام القرآن) وأنشد رسول الله (ص) البيت التالي :

دنت الساعة وانشق القمر          لغزال فر مني ونفر

فلم يعد جواب رسول الله قوله للرجل : (كلامك جميل ولكن كلام الله أجمل) .

هذا هو منهج رسول الله في تعامله مع الرأي الآخر وبأننا ملزمون باتباع منهج الرسول قولا وفعلا وتقريراً امتثالا لقوله تعالى : ( ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) صار لزاماً علينا انتهاج نهجه (ص) في كافة الأمور إضافة إلى وجوب اتخاذ نهجه محورا نميز من خلاله الصائب من المناهج من الخاطئ وهو ما نحتاجه اليوم كثيراً في ظل الحملات التي تجتاح العالم الإسلام ازاء الرأي الآخر .

إن البعض ـ وهذا مما يسوف له كثيرا ـ ممن نصب نفسه قيما على الإسلام رسم خطوطاً لا يمكن للإنسان من وجهة نظر هذا البعض أن يحاول التفكير فيها أو التقرب نحوها وهذا في الواقع تطرف لم يكن حتى صاحب الشريعة ليرض به إلا أن يدَّعوا كونهم أحرص من صاحب الرسالة على رسالته . فهذا المنهج عادة ما ينتهجه اولئك الذين لم يكونوا مطمئنين من سلامة وصحة نظرياتهم فتجدهم أحرص الناس على الوقوف بوجه أي نقد يمكن أن يوجه إلى نظرياتهم خشية هدم مبانيها في أذهان معتنيقيها أما النظرية الإسلامية فمقتضى صدورها من وحي الحق أن لا نخاف عليها مما يوجه إليها هذا فيما  لو قطع أصحاب كتب آراء الآخرين بمساس رأي الآخرين بقيم الإسلام حقاً فهل اطمأن جميع هؤلاء بايتان الدكتور نصر حامد أبو زيد مثلا بما يوجب خروجه عن الإسلام ؟

أم هل اطلع جميعهم على رواية حيدر حيدر (وليمة لأعشاب البحر) ليقطعوا بمساسها بالقيم الإسلامية أم كان منطلق الجميع في ذلك إطلاع الآخرين أفكار اولئك وقناعاتهم ؟

إن من يهمه صالح الإسلام عليه أن يطلع هو على آراء الآخرين ليكون ما يتخذ من المواقف وليد ما اطمأن هو به لا ما أطمأن به غيره فهكذا علمنا الدين الإسلامي كي لا نقع في مغبة ظلم الآخرين 

e-mail : albasre@localhost