خدمة كامبردج بوك ريفيو
منذ أكثر من عشرين سنة يفكر باحثون وصحفيون ومستشارون سياسيون جاهدين في ما يسمى “الأصولية الإسلامية” التي تجسدت في مخيلة الغرب بآية الله الخميني والثورة الإسلامية الإيرانية التي قادها, ودخلت إلى العالم مثل “كابوس” كما يصف الكتاب الذي بين يدينا. وقد كُتب عن هذه الظاهرة عدد لا يحصى من المقالات والنصوص والدراسات التي من السهل جداً أن تملأ مكتبة مدينة صغيرة.

خدمة كامبردج بوك ريفيو
منذ أكثر من عشرين سنة يفكر باحثون وصحفيون ومستشارون سياسيون جاهدين في ما يسمى “الأصولية الإسلامية” التي تجسدت في مخيلة الغرب بآية الله الخميني والثورة الإسلامية الإيرانية التي قادها, ودخلت إلى العالم مثل “كابوس” كما يصف الكتاب الذي بين يدينا. وقد كُتب عن هذه الظاهرة عدد لا يحصى من المقالات والنصوص والدراسات التي من السهل جداً أن تملأ مكتبة مدينة صغيرة.

وبحسب ألبرشت متسكر مؤلف هذا الكتاب, فإن إحدى الباحثات وهي “هانا لوكه” رصدت الكتابات الصادرة بالألمانية بين عامي 1967 و1990 فأوردت 604 عناوين، القسم الأكبر منها صدر بعد 1979 تاريخ قيام الثورة الإيرانية. وإضافة إلى ذلك فهي تورد قائمة تجمع المصادر والدراسات عن الموضوع نفسه الصادرة باللغة الإنجليزية والمنشورة بين عامي 1988 و1994 وتضم 1246 عنواناً. ولكن حتى ذلك لا يعد إلا جزءا بسيطاً من الأدبيات التي كتبت عن هذا الموضوع.

ويعتقد راينهارد شولتسه أن المرء سيكون بحاجة إلى سنوات لكي يحضّر لائحة تتضمن عناوين الكتب والدراسات الصادرة عن الأصولية الإسلامية. وهذا الكم الهائل من الأدبيات يطرح سؤالا مزدوجاً: هل يحتاج هذا الأمر كل هذا الجهد لفهم ظاهرة “الأصولية الإسلامية” أم أننا أمام تكرار وإعادة تكرار واسعة ومملة؟ وهل -في المقابل- قيل كل شيء عن هذا الموضوع؟ أياً ما كانت الإجابة, يظل السؤال الأكثر جدلاً هو: “بأي شكل تم تناول الموضوع؟”.. بهذه الأسطر يبدأ ألبرشت متسكر كتابه القيم هذا.

ومتسكر باحث ألماني في الدراسات الإسلامية ويكتب للعديد من الصحف الألمانية عن المنطقة العربية من ضمنها لصحيفة فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ. كما أصدر كتاباً عن الأكراد من دار النشر ذاتها التي أصدرت كتابه هذا. إذن هو الآخر يزودنا الآن بدراسة عن الموضوع الذي تكونت بشأنه جبال من الورق. ويود متسكر أن يكون كتابه هذا بديلاً للمصادر العلمية عن الأصولية الإسلامية من جهة وللأعمال السطحية التي كتبها صحفيون.

في المقدمة يطلعنا متسكر على كيفية معالجة الأصولية الإسلامية في سوق الكتب الألمانية, ويرى أن هناك الكثير من الدراسات عن شتى جوانب هذه الظاهرة، إلا أنها تبقى مستعصية على القراء المهتمين لكن غير المختصين. إذا أخذنا مثال الكلمات العربية التي غالباً ما تستعمل في سياق الكتابة كمصطلح التكفير مثلاً أو الزكاة أو الإصلاح أو الاجتهاد التي من الصعب إيجاد ترجمة مباشرة لها في اللغة الألمانية مع ضرورة التطرق إليها، عندئذ نستطيع أن نتصور السرعة التي يستسلم بها القارئ العادي ويغلق الكتاب بعد عدة صفحات فقط. وقد هوجم المستشرقون الألمان -لا سيما إبان حرب الخليج في عام 1991- من أطراف شتى لأنهم امتنعوا لوقت طويل عن الكتابة لجمهور واسع خارج الوسط الأكاديمي. ورغم أن هناك بعض الأمثلة باللغة الألمانية عن كتابات خاطبت شرائح أوسع من القراء, إلا أنها تعد على أصابع اليد الواحدة.

إذن فإنه ليس من الغريب أن يرجع القارئ الذي يهتم بموضوع الأصولية الإسلامية إلى كتب الصحفيين المعروفين في وسائل الإعلام ولا سيما التلفزيون “كخبراء” في الشرق الأوسط والإسلام ولعل أشهرهم وأقدمهم هو بيتر شول لاتور. ويذكر متسكر العديد من الأمثلة للبرهان على سطحية شول لاتور، ويقول معلقاً بأن عيب شول لاتور الأكبر هو اعتقاده أن كل مشاكل الشرق الأوسط السياسية تعود إلى مشكلة واحدة هي الدين. ويقول إن لاتور إذا سافر إلى المنطقة العربية فإنه يحمل معه القرآن والإنجيل ويسعى إلى شرح مشاكل القرن العشرين التي تعيشها هذه البلاد في ضوء هذين الكتابين. والواقع أن تأثير لاتور كبير, فقد بيعت أعداد هائلة من كتبه وذلك لقدرته على اللعب بمخاوف القراء، فهو يؤكد للقارئ ما كان يعرفه دوماً: الإسلام دين عنف ويسعى دوماً إلى توسيع دائرة نفوذه، والإسلام ليس قادراً على الحياة بسلام جنباً إلى جنب مع فئات غير مسلمة.

ويشير ألبرشت متسكر في هذا السياق إلى ضرورة إدراك أمرين كثيراً ما يغفل عنهما أثناء الحديث عن الأصولية الإسلامية: الأول هو أنه علينا أن نفرق بين ما يقوله الإسلاميون وما يطبقونه أو ما هم قادرون على تطبيقه. “صحيح أن الكثير من الإسلاميين لا يترددون في التعبير عن استعدادهم لممارسة العنف كوسيلة للسيطرة على أعدائهم أو للدفاع عن أنفسهم رغم أن هذا العنف يُفهم دوماً كفعل دفاعي، إلا أننا نقع في فخ التبسيط الشديد إذا اختصرنا الأصولية الإسلامية على عنصرها الإرهابي. وبالفعل فإن المجموعات المستعدة دوماً إلى ممارسة العنف كالجماعة الإسلامية في مصر أو مجموعة أسامة بن لادن أقلية، والهجمات التي شنتها ضد مدنيين تُستنكر من قبل غالبية الإسلاميين الآخرين. ومن هنا فثمة ضرورة للتفريق بين الإسلاميين بحسب الظروف السياسية السائدة في هذه الدولة أو تلك. فمثلاً قد يظهر الإسلاميون على الساحة كبرلمانيين (مثلما هو الحال في تركيا أو الأردن), أو ينشطون في الاتحادات المهنية ويلعبون دوراً مهماً على الصعيد الاقتصادي (مثلما هو الحال في مصر), أو يشكلون جيشاً للتحرير للقتال ضد محتلين أجانب (مثلما هو الحال في لبنان).

ويرى متسكر أن إحدى صفات الأصولية المدنية هي الشبكات الاجتماعية التي يقوم بها أعضاؤها، وتشتمل هذه الشبكات على حضانات للأطفال ومدارس ومستشفيات ومؤسسات اجتماعية أخرى، ويقوم الإسلاميون بذلك بمهام تقع عادةً على عاتق الدولة. ونجد هذا النمط من النشاط الاجتماعي أو بالأحرى السياسي لأنصار الأصولية الإسلامية منتشراً في كل الدول الإسلامية تقريباً. ويميل المراقبون الغربيون إلى التشكيك في هذه النشاطات المدنية ويصفونها بأنها مجرد قناع. ويقولون بأن الهدف الفعلي للأصوليين يبقى السعي نحو استلام السلطة لإرساء حكم دكتاتوري فيما بعد. وإذا اشترك أصوليون في انتخابات ديمقراطية -بحسب هؤلاء المراقبين- فيكمن وراء ذلك انتهازية وليس الاستعداد للاعتراف بالتعددية السياسية. ويقول متسكر إنه سواء أكانت هذه الحجة في محلها أم لا فإن الصورة تبقى غير واضحة إذا لم نأخذ الوجه المدني للأصولية الإسلامية في عين الاعتبار وإذا حكمنا على هذه الحركة على أساس جانبها الإرهابي فقط” (ص 11-12).

أما الأمر الثاني الذي يرى المؤلف أن معظم الكتابات عن الأصولية تغفله فهو كون الأصولية الإسلامية حركة متجانسة موزعة بشكل متساوٍ على العالم العربي والإسلامي. فالأصولية في كل دولة تختلف عن الدولة الأخرى حسب الظروف التاريخية والسياسية والجغرافية والاجتماعية الخاضعة لها. فلا يمكننا أن نطلق حكماً عاماً يقول بأن الأصولية الإسلامية حركة إرهابية أو الأصولية الإسلامية خطر علينا وتجاهد من أجل السيطرة على العالم. يمكننا أن نحكم على هذه الحركة فقط إذا وجهنا الأنظار إلى خصوصيات الحركة في هذه الدولة أو تلك. وهذا ما يود الكتاب القيام به.

وقد خفي على المؤلف ان يرصد الحركات الاصولية التي تتبنى اللاعنف.

فان الحركات الاصولية تستمد أفكارها من مدارس فكرية مختلفة وحسب الطوائف والمذاهب.

فالأصولية التي في ايران والعراق ولبنان وربما بلدان اخرى في الشرق الاوسط تخضع الى مدرستين مهمتين هي: مدرسة الامام الخميني ومدرسة الامام الشيرازي. هذا في المذهب الشيعي الامامي.

فمدرسة الامام الشيرازي مثلاً، تعتمد اللاعنف منهجاً أساسياً في ممارستها للعمل السياسي ولا تعتقد بحمل السلاح على الاطلاق الا للدفاع عن النفس والوطن. والكي آخر الدواء.

ومن هذه المدرسة تخرجت حركات اصولية متعددة تبنت اللاعنف منهجاً سياسياً في

المجتمع الاسلامي.

BBC