لعل المسلم الحر في أي بقعة من بقاع الأرض يسأل عن الأسباب والدوافع التي أدت في الماضي وتؤدي في المستقبل إلى صراع مرير ودموي بين الأخوة المسلمين في العالم كما هو المشاهد اليوم في أفغانستان وغيرها، ليعلم: هل الأسباب والدوافع تعود إلى جذور دينية أو أخلاقية واجتماعية أم إلى عدم وجود الوعي والثقافة الدينيين؟

أفي كتاب الله مختلفين؟ أم في تفسيره؟ أو في سنة رسوله أو في تفسير وفهم الحديث الشريف؟ أم الصراع على السلطة على الأمة واستملاك رقابها؟

لم نسمع -ولا غيرنا- أن قال قائل: إن الصراع بين الفئات المتناحرة صراع حول الصلاة والصوم و… أو حول كيفية تطبيق الشريعة السمحاء والدين الحنيف، سوى ما تناقلته الصحف وبالأخص الشرق الوسط في عددها 7103 عن الملا محمد عمر زعيم فرقة الطالبان الأفغانية، والذي عد نفسه أميراً للمؤمنين، حيث قال: نحن معنا فتوى من علمائنا بوجوب القتال ضدهم -أي مخالفي السلطة- لاخضاعهم لحكم الشريعة.

مع أنه لم يجب على سؤال المراسل الذي سأله: هل أنهم غير مسلمين من وجهة نظركم؟

من جهة ثانية: إن العالم كله في صراع مرير للاستيلاء على السلطة وليس المسلمين وحدهم يفكرون في استلام أزمة الأمور والعرش الملكي أو الجمهوري، إلاّ أن أسلوب الصراع يختلف تماماً كما هو الملحوظ. ففي الدول المتقدمة يحصل الصراع كل أربعة سنوات وعند اجراء الانتخابات الرئاسية أو… وذلك عبر وسائل الإعلام لكسب الآراء لمصالح الأطراف المعنية، وعند الانتهاء كل يعمل للدورة القادمة أو لتطبيق الشعارات التي أطلقها.

لكن في الدول الإسلامية -اسمياً- الكل يعتبر نفسه صاحب الحق وهو الأمير والولي والخليفة، والآخرون ليس لهم نصيب حتى في التكلم وابداء الرأي!!

فأين تكمن المشكلة يا ترى؟ في القيادة أم في القاعدة؟

فلو كانت المشكلة في القاعدة فعلى الحوزات العلمية والعلماء -فيما لو سمحت لهم السلطات المعنية مع الأسف -تثقيف الأمة وتوجيهها نحو ما هو المطلوب وذلك عبر دراسة التاريخ الإسلامي المشرق والكتب و..

لكن لو كانت المشكلة في القيادات نفسها فعلى من؟

وربما آن الوقت للقول: بأن المشكلة تكمن في من يرى نفسه أهلاً للقيادة ويعتبر الشرعية له وليس لغيره الحق في التدخل أو التصريح بشيء من أمور الدين والدنيا.

فمثلاً، ترى الشيخ المنتظري يتكلم في إيران عن مسألة فقهية بحتة، وإن أخذت طابع سياسي كولاية الفقيه، يسجن في داره -وأصحابه في السجون والتعذيب- ويهتك حريمه، وبالطبع ليس هو الأول، وتقوم عليه القيامة حتى من الرئيس المنتخب من قبل الشيخ نفسه، يعني السيد محمد الخاتمي، حيث قال: إن مسألة ولاية الفقيه ليست مسألة دينية يمكن التكلم بها إنما هي مسألة أقرها الدستور الإيراني. في حين أنه يعلم -وكذلك غيره- أن مسألة ولاية الفقيه كانت ولاتزال مسألة دينية وتدرّس في زوايا الحوزات الدينية شاء أم أبى. وكونها في الدستور الإيراني لا يغيّر من واقع الأمر، بالإضافة إلى أن الدستور ليس وحي منزل!!

وترى في أفغانستان حيث يقول الملا محمد عمر: الأمر عائد للمسلمين في الممالك الأخرى إذا أرادوا أن أكون أميراً عليهم فلا مانع لدي. وهو يؤكد: إن قبل بي اثنان أميراً عليهم فأنا أقبل أن أكون أميراً عليهما، وإن قبل لي 100 ألف فأنا أقبل بهم…

فالمسألة مسألة الولاية على الأمة الإسلامية لا على تطبيق الشريعة والواجبات والمحرمات!! وكل يرى لنفسه الأهلية لقيادة الأمة، حيث ترى في الأول تلميح وفي الثاني تصريح. وربما يجرأ الثاني ليتهجم على الأول ويشن الحرب الدموي ضده، ويقع الصراع المرير الجاهل وتتطاير فيه الرؤوس ويكثر فيه القتلى.

ولو عرفنا ذلك نقول وبكل صراحة: ليس هذا دأب رسول الله(ص) وليس في كتاب الله عزّوجل له أي دليل. وهذا يعني الاستئثار في الحكم والخروج عن روح الدين وتعاليمه -إن لم نقل أنها بدعة…

والأفضل أن يضرب القائل بولايته والكتب المعتبرة منذ بدء الإسلام إلى يومنا هذا عرض الجدار ويقول ما يرتأيه. أو أن يترك المناداة باسم الدين والحكم الإسلامي وخلافة رسول الله لأن مثل هذه الإدعاءات تعد نسفاً للدين وإهانة للرسول والأئمة الراشدين: وهتكاً لحرمة الإسلام والمسلمين بإجماع الفقهاء. والأمر إليه.