بقلم‏:‏ محمد السماك
كاتب لبناني      

توجد في الولايات المتحدة الامريكية طائفة من المسيحيين المتصهينين من أعلامهم القس بات روبرتسون الذي وصف الاسلام بأنه دين الارهاب وأنه يحض في تعاليمه علي ممارسة الارهاب ضد الآخر‏.‏
قبل محاولة تسفيه هذا الاتهام‏,‏ لابد من القاء الضوء علي روبرتسون نفسه‏.‏ فهو زعيم طائفة تقول بالعودة الثانية للمسيح‏.‏ وبأن لهذه العودة شروطا لابد من توافرها حتي تتحقق‏.‏ وفي مقدمة هذه الشروط وجود صهيون كدولة ومجتمع‏.‏ ذلك أن الظهور الثاني للمسيح هو كالظهور الاول لن يتحقق الا في وسط يهودي‏.‏ ولذلك لابد من تجميع اليهود‏.‏ ولابد أن يتم تجميعهم في الارض المقدسة ـ فلسطين‏.‏ وعلي أساس هذا الاعتقاد فان كل مساعدة لتجميع اليهود في فلسطين هي مساعدة لتحقيق العودة الثانية للمسيح‏.‏ وبالتالي فان كل دعم لاسرائيل هو دعم للارادة الالهية في تجميع اليهود وفي تحقيق مشيئته في عودة المسيح‏.‏
وقد اشتهر عن روبرتسون قوله في القداسات التي يترأسها وفي المقابلات التليفزيونية العديدة التي تجري معه أن الله يغدق علي أمريكا من نعمه قوة وثراء بسبب دعمها لاسرائيل ولليهود‏.‏ وأن استمرار هذا الدعم وزيادته هو الطريق الوحيد من أجل اتقاء غضب الله وتجنب عقابه‏.‏
أن الوجه الآخر لهذا الاعتقاد هو أن أعداء اسرائيل هم أعداء لله‏,‏ وبالتالي اعداء لأمريكا‏,‏ ولذلك يدعو روبرتسون الولايات المتحدة الي محاربة أعداء الله من العرب والمسلمين لمجرد انهم يعترضون تحقيق المشيئة الالهية بإقامة صهيون وبالعودة الثانية للمسيح‏.‏
طبعا ليس روبرتسون هو القس الوحيد في هذه الحركة الكنسية التي تطلق علي نفسها أسم الصهيونية المسيحية‏.‏ فللحركة اتباع يعدون بالملايين‏(‏ هم يدعون أن عددهم في الولايات المتحدة يبلغ سبعين مليونا‏)‏ تقود هذه الحركة مجموعة كبيرة من القساوسة أمثال روبرتسون‏,‏ منهم جيمي سواغرت وجيري فولويل وجيم بيكر وكنيث كوبلاند وريكس همبرد‏.‏
وتملك هذه الحركة مؤسسات إعلامية وخاصة تليفزيونية وتدير جامعات ومستشفيات ومصانع ومزارع وتعتبر واحدة من أكثر المؤسسات الدينية تنظيما في الولايات المتحدة‏.‏
وهي تعتبر الذراع القوية للوبي الصهيوني وإحدي أدواته الفعالة في حشد التأييد المعنوي لاسرائيل وفي جمع التبرعات السخية لها من الامريكيين من أجل تمويل الدولة التي بوجودها تتحقق الارادة الالهية ويعود المسيح المنتظر‏.‏
من هنا فأن عداء روبرتسون وأمثاله من قادة هذه الحركة المتصهينة للاسلام ليس عداء سياسيا يخضع للمساومة أو للتسوية‏,‏ ولكنه عداء ديني مبدئي ينطلق من اعتبار موقف العالم الإسلامي من اسرائيل معطلا لنبوءة توراتية طال انتظارها‏.‏ وأنه بعد قيام اسرائيل في عام‏1948‏ وبعد احتلال القدس في عام‏1967,‏ فأن الخطوة الثالثة التي يجب أن تتم هي بناء هيكل سليمان علي انقاض المسجد الأقصي استكمالا لشروط العودة الثانية للمسيح‏.‏ إذ بهذه العودة يقضي نهائيا علي أعداء المسيح‏(‏ المسلمين‏).‏
ويحكم المسيح الارض بالعدل فيخيم السلام عليها مدة ألف عام‏(‏ الألفية‏)‏ تقوم بعدها القيامة‏.‏
كان يمكن لهذا الاعتقاد الديني أن ينظر اليه باستخفاف وعدم اكتراث لولا أنه يؤثر تأثيرا مباشرا علي القرار الأمريكي في الشرق الأوسط‏.‏ ليس فقط من خلال الدعم المادي والإعلامي والمعنوي الذي تغدقه هذه الحركة علي اسرائيل‏,‏ انما من خلال وجود مؤمنين من أبناء هذه الحركة في مواقع صناعة القرار الامريكي‏.‏
وفي كتابها النبوءة والسياسة‏,‏ تذكر الكاتبة الأمريكية الراحلة غريس هالسل‏(‏ كانت تكتب الخطاب السياسي للرئيس الامريكي الاسبق ليندون جونسون‏)‏ انه في كل مرة يعقد مجلس الأمن القومي الامريكي اجتماعا لاتخاذ موقف ما بشأن الشرق الأوسط‏,‏ يدعي الي حضور الاجتماع ممثل عن هذه الحركة الدينية‏,‏ حتي يأتي القرار متوافقا مع الايمان بالنبوءات الدينية التورتية‏.‏
لقد سبق لبات روبرتسون ان تهجم علي الاسلام قبل‏11‏ أيلول‏2001‏ وبعده‏.‏ وتهجمه علي الاسلام لا ينطلق من فهمه أو من سوء فهمه للتعاليم الاسلامية‏,‏ ولكنه ينطلق من موقف مبدئي ثابت لديه‏.‏ وهو أن الاسلام في حالة عداء مع اسرائيل‏,‏ ولان اسرائيل في اعتقاده تمثل ارادة الله فأن اعداءها هم اعداء الله‏,‏ معطلون لارادته وبالتالي لتحقيق هذه الارادة في عودة المسيح‏.‏
من هنا فأن الرد علي اتهامات روبرتسون بأن الاسلام يحض علي الارهاب في تعاليمه لن يقنع هذا القس المتصهين ولن يغير من موقفه‏.‏ ثم انه من الخطأ من حيث المبدأ القبول بوضع الاسلام في قفص الاتهام ومن ثم المبادرة الي الدفاع عنه‏,‏ خاصة عندما يأتي الاتهام من جماعة الحركة الصهيونية المسيحية‏.‏
أن الرد يكون بالتصدي لهذه الحركة وبتسفيه نظرياتها بالتعاون مع الكنائس الامريكية الكاثوليكية والارثوذكسية والانجيلية المتعددة‏.‏ وباستطاعة الكنيسة العربية أن تلعب دورا مهما في هذا الامر‏,‏ ليس دفاعا عن الاسلام انما دفاعا عن الشهادة المسيحية الصحيحة التي تختطفها هذه الحركة السياسية وتوظفها لخدمة اسرائيل‏.‏ والهجوم‏(‏ لا التهجم‏)‏ هو أفضل أنواع الدفاع‏.

جريدة الاهرام 5/3/2002