أشْكَلَ بعض من نكنّ له الاحترام والتقدير على (المسلم الحُر) وعلى إصراره في طرح اللاعنف في المجتمع الاسلامي، وبالأخص في اوساط الطائفة الشيعية، وقال: إن ثلث الآيات القرآنية نزلت في الجهاد ومجابهة الظلم وعدم الاستسلام للظالم والجائر والركون اليه، وما تدعون اليه (في صحيفة السلام) سيؤدي الى الاستسلام بدل السلام و…

لكن يمكن القول: بان المتتبع يرى في الكتاب والسنة الفوارق الكثيرة بين مفهومي العنف والارهاب من جهة والدفاع من جهة أخرى.

إذ ان الجهاد هو الدفاع عن كيان الدين والمجتمع والوقوف امام المعتدي، لا التقاتل بين الفئآت أو الدول …

وهذا بخلاف العنف، حيث انه موقف يضاد الرفق والمداراة والدعوة باللتي هي احسن.

وما ورد في سورة الانفال من إرهاب العدو ليس إلا اظهار القوة وعرض العضلات امامهم لكيلا يفكروا ويخططوا للخوض في الحرب مع الامة الاسلامية. وإعداد القوة هو امتلاك القوى بما للكلمة من معنى -كما ورد في التفاسير- فقوله تعالى: (واعدوا لهم ما استطعم من قوة) يكون معناه: ان لا تسمحوا بان يهجموا عليكم ويسلبونكم ويقتلونكم ويصادروا اموالكم و .. ثم عند ذلك تجمعوا قواكم وتستعدوا لهم، بل اجمعوا طاقاتكم وكونوا على استعداد لمجابهتهم ومواجهة الهجمات المحتملة.

اما الارهاب -في مصطلح اليوم- فهو مرفوض جملة وتفصيلاً، وكذلك العنف بانواعه المختلفة.

لان الارهاب والعنف يستخدمان لاقامة سلطة سياسية وامتلاك رقاب الناس بالقوة، وهذا ما رفضه الاسلام رفضاً قاطعاً.

ولعله اليه اشار الإمام علي(ع) حيث قال: ان امرتكم هذه .. إلا ان اقيم حقاً او ادفع باطلاً …

فإن الناس اما اخ في الدين او نظير في الخلق.

والدعوة الى اللاعنف ليست دعوة الى الاستسلام، بل انما هي دعوة استلهمها الرسول الكريم(ص) والائمة المعصومون(ع) من القرآن الكريم حيث ورد: (ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعضة الحسنة) و(ادفع باللتي هي احسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم).

وعلى هذا الاساس عفى الرسول(ص) عمن اراد قتله، والمتآمرين على الجيش الاسلامي، وممولي جيش الاعداء، بل وحتى عن ابي سفيان .. وعفا علي(ع) عن مجرمي الحرب ومقاتلي الجيش المناوئ …

والقول بان القصاص والحدود الشرعية فيها العنف مردود بامكان تفاديه، وعدم حصول الشهود -في كثير من الاحكام الشرعية- وعدم تحقق رؤية الميل في المُكحلة و…

واختلف الفقهاء في حكم الارتداد واستنابة المرتد، والغالب منهم على عدم جواز القتل إذا كان عن شبهة -كما صرح به جل مراجع التقليد في كتبهم- و…

فالدعوة الى اللاعنف دعوة الى حل الامور باللتي هي احسن، واتخاذ اسلوب المفاوضات بدلاً عن اساليب الحروب والصراعات الدموية…

وأخيراً -وليس آخراً- ثبت عند الجميع: ان ثلاثة ارباع الانتصارات تعتمد على الاعمال الدبلوماسية والمفاوضات لا غيرها …

وهذا ما ندعوا اليه …

محمد تقي باقر