هناك أسباب كثيرة تدفع الانسان نحو استخدام العنف، تتحد فيها ضروب العنف -سياسي أم اجتماعي أم أسري- غالباً، وقد تنفرد بعض أنواع العنف في بعض الأسباب، إلاّ أن الدوافع تتحد في الأعم الأغلب وإن يكن هناك اختلاف بين ضروب العنف، وأنواعه، فإن هذا الاختلاف لا يكون في الدوافع، وإنما في الأهداف التي يرمى إليها من وراء استخدام العنف، كما سيأتي توضيحه.

دوافع العنف الأسري:

إن الدوافع التي يندفع الإنسان بمقتضاها نحو العنف الأسري يمكن تقسيمها إلى قسمين هما:

1- الدوافع الذاتية:

ونعني بهذا النوع من الدوافع تلك الدوافع التي تنبع من ذات الإنسان، ونفسه، والتي تقوده نحو العنف الأسري، وهذا النوع من الدوافع يمكن أن يقسم إلى قسمين كذلك وهما:

آ- الدوافع الذاتية التي تكونت في نفس الإنسان نتيجة ظروف خارجية من قبيل، الاهمال، وسوء المعاملة، والعنف -الذي تعرض له الإنسان منذ طفولته- إلى غيرها من الظروف التي ترافق الانسان والتي أدت تراكم نوازع نفسية مختلفة، تمخضت بعقد نفسية قادت في النهاية إلى التعويض عن الظروف السابقة الذكر باللجوء إلى العنف داخل الأسرة.

لقد أثبتت الدراسات الحديثة بأن الطفل الذي يتعرض للعنف إبان فترة طفولته يكون أكثر ميلاً نحو استخدام العنف من ذلك الطفل الذي لم يتعرض للعنف فترة طفولته.

ب- الدوافع التي يحملها الإنسان منذ تكوينه، والتي نشأت نتيجة سلوكيات مخالفة للشرع كان الآباء قد اقترفوها مما انعكس أثر ذلك -تكويناً- على الطفل، ويمكن درج العامل الوراثي ضمن هذه الدوافع.

2- الدوافع الاقتصادية:

إن هذه الدوافع مما تشترك فيها ضروب العنف الأخرى مع العنف الأسري، إلاّ أن الاختلاف بينهما كما سبق أن بينّا هو في الأهداف التي ترمى من وراء العنف بدافع اقتصادي.

ففي محيط الأسرة لا يروم الأب الحصول على منافع اقتصادية من وراء استخدامه العنف أزاء أسرته وإنما يكون ذلك تفريغاً لشحنة الخيبة والفقر الذي تنعكس آثاره بعنف من قبل الأب أزاء الأسرة. أما في غير العنف الأسري فإن الهدف من وراء استخدام العنف إنما هو الحصول على النفع المادي.

3- الدوافع الاجتماعية:

إن هذا النوع من الدوافع يتمثل في العادات والتقاليد التي اعتادها مجتمع ما والتي تتطلب من الرجل -حسب مقتضيات هذه التقاليد- قدراً من الرجولة بحيث لا يتوسل في قيادة أسرته بغير العنف، والقوة، وذلك أنهما المقياس الذي يمكن من خلالهما معرفة المقدار الذي يتصف به الانسان من الرجولة، وإلاّ فهو ساقط من عداد الرجال.

إن هذا النوع من الدوافع يتناسب طردياً مع الثقافة التي يحملها المجتمع، وخصوصاً الثقافة الأسرية فكلما كان المجتمع على درجة عالية من الثقافة والوعي، كلما تضاءل دور هذه الدوافع حتى ينعدم في المجتمعات الراقية، وعلى العكس من ذلك في المجتمعات ذات الثقافة المحدودة، إذ تختلف درجة تأثير هذه الدوافع باختلاف درجة انحطاط ثقافات المجتمعات.

الأمر الذي تجب الإشارة إليه أن بعض أفراد هذه المجتمعات قد لا يكونون مؤمنين بهذه العادات والتقاليد، ولكنهما ينساقون ورائها بدافع الضغط الاجتماعي.

نتائج العنف:

إن الأضرار المترتبة على العنف لا تنال من مورس العنف عليهم حسب وإنما تمتد آثارها إلى أبعد من ذلك بكثير ولذلك ندرج الآثار المختلفة للعنف الأسري كالتالي:

1- أثر العنف في من مورس بحقه:

هناك آثار كثيرة على من مورس العنف الأسري في حقه منها:

آ- تسبب العنف في نشوء العقد النفسية التي قد تتطور وتتفاقم إلى حالات مرضية.

ب- زيادة احتمال انتهاج هذا الشخص -الذي عانى من العنف- النهج ذاته الذي مورس في حقه.

2- أثر العنف علىالأسرة:

إن أثر العنف لو توقف في حدود الفرد الذي عانى من العنف لكان الخطب أهون، ولكن الأمر يتعدى ذلك في التأثير على الأسرة ذاتها، سواء الأسرة الكبيرة التي قد يحاول الشخص الذي يعنف انتقامه منها، أو التي سيكوِّنها مستقبلاً.

3- أثر العنف الأسري على المجتمع:

نظراً لكون الأسرة نواة المجتمع فإن أي تهديد سيوجه نحوها -من خلال العنف الأسري- سيقود بالنهاية، إلى تهديد كيان المجتمع بأسره.

هذه بعض آثار العنف ذكرتها باقتضاب.

ومما أود الإشارة إليه هو أن البعض يعتبر العنف مما دعا إليه الدين الإسلامي مبرراً العنف الذي يستخدمه حيال عائلته، ولكن كون الإسلام دعا إلى العنف لا نصيب لهذا القول من الصحة، فالدين الإسلامي هو الدين الذي ينبذ العنف بكافة أنواعه، وعلى جميع الأصعدة، وخصوصاً على صعيد الأسرة هذه المؤسسة التي حرص الدين الإسلامي أشد الحرص على حمايتها من الانهيار وذلك منذ كونها مشروعاً قيد الدرس، إلى حين صيرورتها كياناً قائماً.

إن ما دعا إليه الدين الإسلامي من التنبيه لا يعد في واقعه عنفاً، وإنما هو أسلوب علاجي يرمى من وراءه الحفاظ على كيان الأسرة، وحمايتها من الانهيار.

ثم إن هذا التنبيه لم يترك الدين الإسلامي تقديره إلى الأب بحيث يكون عقابه وفق ما يراه هو، وبدون ضوابط وشروط، وإنما وضع الدين الإسلامي ضوابط وشروطاً لا يحق للأب أن يتخطاها وإلاّ كان مخالفاً للأحكام الشرعية.

ولأجل ايقاف القاريء الكريم على بعض تلك الضوابط، وعلى الهدف من التنبيه نورد هنا النقاط التالية:

1- إن الهدف من التنبيه التي أقرها الدين الإسلامي إنما هو ايقاف المخطيء على خطئه، كي لا يعود لمثله، وليس الهدف من التنبيه هو الانتقام والتشفي من المعاقب -بالفتح-.

2- ضرورة تناسب التنبيه مع الخطأ المرتكب، فمن غير المنطقي أن يحرم الطفل من الطعام طيلة يوم كامل لمجرد مشيه حافياً مثلاً.

3- أن لا يكون التنبيه هو الخطوة الأولى التي يلجأ إليها في علاج الخطأ، وإنما يجب أن تسبقه مرحلة النصح ولفت النظركلامياً حسب، فإن تكرر ذلك يمكن عندها اللجوء إلى التنبيه.

4- أن لا يقود التنبيه إلى المساس بكرامة من يعاقَب، كأن يعاقَب علىمرأىً ومسمع من الآخرين، وإنما تراعى السرية في ذلك قدر الامكان.

5- الأمر الخامس والذي يعد من أهم الأمور على الاطلاق هو ضرورة تعريف الخطأ من الصواب، وإلاّ فمن غير المعقول تنبيه من لا يعرف الخطأ من الصواب.

6- تنويع طبيعة التنبيه وعدم التركيز علىنوع واحد منه، مما قد يألفه من يعاقَب فلا يعد يؤثر فيه.

7- ضرورة نسيان الأخطاء السابقة المعاقب عليها وعدم التذكير بها.