من الأفكار القديمة التي لا تجدي نفعاً للإنسان في هذا الباب مسألة عدم جواز طرح الأمور التي تتعلق بالزواج أمام الفتى أو الفتاة، لأن ذلك حسب زعمهم سوف يقود إلى وعي الفتى أو الفتاة لأمور ما كان يجب عليه أن يعيها بدافع الحياء والمحافظة على التقاليد.

إن هذا التقيد قاد في واقعه إلى مشاكل كثيرة منها وأهمها أن الفتى أو الفتاة يقدمان على مشروع عمرهما المصيري وهما مغمضا العين.

إن هذا الجهل يقود إلى مشاكل لا تحمد عقباها. فما هو حق طبيعي للزوج قد تعده الزوجة -بمقتضى جهلها- تجاوزاً وتعدياً عليها وعلى شخصيتها. وما يعد حقاً للزوجة قد يعده الزوج -بدافع جهله كذلك- من الأمور التي تمس كرامته وتخدشها وتنشأ من هنا المشاكل التي قد تجر إلى تحطيم المشروع -مشروع الزواج- بكامله.

إن هذه السياسة التعتيمية إزاء كل ما يهم موضوع الزواج قادت إلى أن يتطرف البعض ويتمرد عليها بحيث فتح الباب أمام الثقافة العائلية بكافة جوانبها وبدون ضوابط مما أدخل الناس في مشكلة تجاوز الحدود الأدبية والدينية مما أدى إلى انتشار الفساد في المجتمعات. وهذا هو عين ما يحصل في المجتمعات الغربية ومن يحذو حذوها.

لقد استغل موضوع التثقيف استغلالاً معاكساً، فتحت غطائه تم نشر الأفلام الخلاعية بحجة تعليم كل من الفتى والفتاة ما يجب عليه فعله. وتحت غطاء وجوب تزين المرأة لزوجها تم عرض الأزياء شبه العارية المبتذلة، وتحت غطاء وجوب الانفتاح والتعارف بين الجنسين جاءوا بفكرة الاختلاط، ذلك الذي قاد إلى الفساد وهكذا وهلم جرا.

فيما كان هناك من يدعو إلى التثقيف الذي لا يخرج عن إطار الأدب والأخلاق والدين.

فهل من الضروري لكي يتعلم الفتى والفتاة ما يجب عليه أن تعرض أمامه الأفلام الخلاعية التي تحرك لديه الغريزة الجنسية لتجره إلى ما هو أفدح؟

أم أن من الضروري أن تتزين المرأة في الشارع كي تكون مثقفة؟

نحن لسنا ضد التثقيف، بل بالعكس إلى جانبه ولكن ذلك التثقيف الذي يحدد بإطار الشرع والذي لا يقود بالنتيجة إلى الفساد، ونشر الرذيلة.

فإذا كانت مسألة التثقيف والتربية العائلية ضرورية فما هي الأمور الواجب على الآباء تعليمها للأبناء؟

وهل نادى الإسلام ودعا إلى الثقافة العائلية، وما هي حدود تلك الثقافة التي دعا إليها الإسلام؟

لقد انقسم الكتاب المسلمون في هذه المسألة إلى قسمين:

فالقسم الأول منهم يدعو إلى التثقيف بكافة أنواعه حتى التثقيف الجنسي.

أما القسم الآخر فيقصر التثقيف على الأمور المنزلية وإداراتها، من جهة المرأة وكذلك كيفية إدارة العائلة من قبل الرجل.

الحق أن القسم ألأول منهم هم الذين أدركوا الصواب، وذلك أن منهجنا الذي نسير عليه في أمورنا كلها هو القرآن والسنة. والسنة النبوية الشريفة غنية بما يثقف كل من الفتى والفتاة بكل الأمور حتى الأمور الجنسية بناء على ذلك ندرج ما يجب علينا تعليمه لكل من الرجل والمرأة على نحو الاجمال إذ أن تفصيل كل ذلك سيكون في الباب الثالث من أبواب هذا الكتاب إن وفقنا الله تعالى لاتمامه.

(1) الهدف من الزواج: وهذا أمر مشترك بين البنت والولد فعلى كليهما يقع واجب تعلمه كما يجب علينا واجب تعليمهم إياه. فالكثير من الفتيان يقدمون على الزواج وهم لا يعرفون الهدف منه اطلاقاً هذا إن لم نقل بأن هناك من يقدم على الزواج معتقداً بأن اشباع الغريزة الجنسية هو الدافع الذي يدفع إلى الزواج وهو الهدف المقصود في السعي لإقامة مثل هذا المشروع. فلو عرف كل من الولد والبنت هدفهما لتغيَّرت كل تلك الحسابات التي بني عليها الاقدام على مثل هذا المشروع.

(2) الفوائد المترتبة على الزواج: فمعرفة الفوائد المترتبة على الزواج فيه حثٌّ ضمني على الاقدام نحوه والسعي إلى تكوين العائلة فيجب علينا إذن أن نُعرِّف كلا من الولد والبنت بتلك الفوائد.

(3) تعليم الولد حقوق الزوجة: كي يتسنى له مراعاتها.

(4) تعليم البنت حقوق الزوج: لتعرف الواجبات الملقاة على عاتقها تجاه الزوج، فتقوم بتأديتها.

(5) تعليم كل من الولد والبنت حقوق الأولاد عليهما.

(6) تعليم كل منهما الصفات الحميدة الواجب توفرها في كل منهما لكي يكون مؤهلاً لاختياره شريكاً في مشروع العمر هذا.

 

خلاصة:

 

الخلاصة هي أننا عندما نريد أن نربي ونثقف كلا من الولد والبنت نربيهما على أساس أن كلا من الرجل والمرأة يكمل أحدهما الآخر.

فنحن «عندما نريد أن نصوغ المرأة ومنذ بدايتها الطفولية، ولغاية مراحل تدرجها في الحياة لابد لنا أن نعنى بإنسانيتها، بأن نجعلها تعيش عناصر انسانيتها التي تجعل منها إنساناً مسؤولاً عن حركة الحياة من حولها لتكون الأمومة بعض مسؤولياتها لا كل مسؤولياتها»([1]).

فالبعض من الفتيات حالياً يتصورن بأن المرأة إنما تتخذ لأجل القيام بأعباء الأمومة وتربية الأطفال حسب ولا دور لها سوى ذلك. لذلك ترى تخوفاً عجيباً من جانب البعض إزاء مسألة الزواج.

فدورنا يكمن إذن في «أن لا نجعل المرأة تشعر بأن أنوثتها شيء معيب في حياتها، أو نقطة ضعف، بل علينا أن نوحي إليها بأنها شيء طبيعي….

وفي هذا الجو لابد أن نربي المرأة الزوجة بحيث تدخل الحياة الزوجية وهي تختزن في داخلها شخصية الزوجة لتعي دور الزوجة في حياتها وفي حياة الإنسان الآخر…»([2]).

فعلينا أن نعطيها الفكرة التي تعتقد من خلالها بأن «االأمومة رسالة وليست مجرد عبء ثقيل عليها أن تتحرر منه لتأخذ حريتها المطلقة في العبث واللهو كما تفعل بعض النساء اللاتي يتعقدن من الأمومة فيقتصرن على ولد واحد بقطع النظر عن الجوانب الاقتصادية أو التربوية بل لحب الراحة والابتعاد عن المسؤولية.

لهذا لابد للمرأة أن تشعر أن الأمومة حالة أساسية في شخصيتها، وفي حركة إنسانيتها، كما تشعر بأن الزواج يمثل دوراً في صنع الرجل واغناء شخصيته»([3]).

هذا خلاصة ما يجب أن نربي عليه المرأة المسلمة.

أما الرجل فعلينا أن «ننمي فيه عناصر إنسانيته ليرتبط بالحياة لتكون أبوته جزءاً من مسؤوليته لا مسؤوليته كلها»([4]). كما نسعى جاهدين نحو إشعاره بأن الأبوة أمر غريزي طبيعي أيضاً بحيث نجعله يتقبل هذه المسؤولية برحابة صدر بل ويسعى نحو تحقيقها.

بعبارة أخرى أوجز نقول أن علينا أن نعلم كلا منهما الآتي:

«أن أنوثة المرأة إنما هي بعاطفتها، وحنانها، ورقتها.

كما أن رجولة الرجل إنما هي بإرادته، وصلابته، ومواجهته للأحداث.

فالرجل يعاني من نقص في العاطفة، والحنان، والرقة.

فالمرأة -التي تمتلك فائضاً من ذلك- هي التي تعطيه العاطفة، والحنان، والرقة. ولهذا كانت الزوجة سكناً {لتسكنوا إليها}.

والمرأة تعاني من نقص في الإرادة، والحزم، والصلابة.

فالرجل -الذي يمتلك فائضاً من ذلك- هو الذي يمنحها الإرادة، والحزم، والصلابة. ولهذا كان الزوج قيماً على الزوجة كما يقول تعالى:

{الرجال قوَّامون على النساء}.

فالتربية تكون إذن على أساس أن المرأة والرجل يكمل أحدهما الآخر».

([1]) تأملات إسلامية حول المرأة ص36.

([2]) تأملات إسلامية حول المرأة ص16-37.

([3]) نفس المصدر ص36-37.

([4]) نفس المصدر ص36-37.