قال بعض اصحاب الفضل والورع في حديثه حول أسباب الخلافات في المجتمع الاسلامي، والشيعي بالذات: هل سمعت أن احداً منهم اختلف مع الآخر حول عدد ركعات صلاة الليل، او اذكارها، او عدد المؤمنين الذين يلزم ذكرهم في آخر ركعة من ركعات صلاة الليل؟

انك لو تتابعت اسباب الخلافات بين الناس منذ ان خلق الله آدم(ع) واحسن صنعه، لرأيت كلهم، ومن دون استثناء، اختلفوا حول ما اسمته الأحاديث المروية عن المعصومين (عليهم السلام) ب : رأس كل خطيئة، وجيفة، ووصفت طلابها ب  … (!!). وعندما راجعت الكتاب المبين وكتب التفاسير رأيت كما قال دام عزه.

ففي تفسير العياشي وغيره، واللفظ له، عن سليمان بن خالد، قال: قلت لأبي عبد الله(ع): بم قتل قابيل هابيل؟

فقال: في الوصية.

ثم قال(ع): ان الله تبارك وتعالى اوصى الى آدم ان يدفع الوصية واسم الله الاعظم الى هابيل، وكان قابيل اكبر منه، فبلغ ذلك قابيل، فغضب وقال، انا اولى بالكرامة والوصية، فامرهما ان يقربا قرباناً بوحي من الله اليه، ففعلا، فقبل الله قربان هابيل، فحسده قابيل فقتله.

ولاحظت ان التاريخ اثبت من خلال القصة مواجهة مدرستين وجهاً لوجه:

مدرسة العنف والارهاب والغدر، والتي تمثلت في قابيل، إذ هددَ أخاه بالقتل، وكان فعله هذا أول عملٍ ارهابي على وجه الأرض، ومن ثم اقدم على استعمال العنف وقتل أخاه من امه وابيه، بعد ان هدده مراراً وقال: (لاقتلنك) و…

والسبب في ذلك كان الحسد والبغي.

ومدرسة اللاعنف والتي مثلّها هابيل، إذ قال لأخيه: (لئن بسطت الي يدك لتقتلني ما ان بباسط يدي اليك لاقتلك).

والسبب هو: (اني اخاف الله رب العالمين).

والملفت للنظر انه لم يقتله في مواجهة ميدانية، بل كان يتبع خلوته، حتى ظفر به متنحياً في مكان ومنشغلاً في عمله، فوثب عليه وقتله.

فقصة هابيل وقابيل كانت مواجهة عنيفة بين مدرستي العنف والارهاب من جهة واللاعنف من جهة اخرى، والنتيجة كانت لصالح مدرسة اللاعنف، ويشهد بذلك التاريخ الى يومنا هذا.

فقابيل احتل الموقع الاول في لائحة الارهاب والعنف والغدر، وهابيل تصدر قائمة اللاعنف والمحبة والرفق، سواء كان في المجال السياسي او في المجالات الاجتماعية والانسانية.

واليوم، ونحن بعد آلاف السنوات والعصور، في أول الطريق، إذ لكل يوم ومجتمع ودولة وبلد هابيل وقابيل، والمدرستان تستقطب الهواة وهكذا … واللقاء في محكمة التاريخ ولكل وكيل ومدافع، وبالطبع النصر حليف اللاعنف مطلقاً.

محمد تقي باقر