لاحظ اثنان من الباحثين الإستراتيجيين الأميركيين المهتمين بالعلاقات بين العالم الإسلامي والغرب هما “غراهام فوللر” و”يان لسَر” أن تركيا تحاول أن تكون “جسرا” بين العالم الإسلامي والغرب، لكن الغرب يريدها “سدا” بينه وبين العالم الإسلامي.
ويبدو أن هذه الإشكالية في الدور المرجو تنطبق أيضا على المنظمات الإسلامية الأميركية.

لكن دعونا ننبه أولا إلى أن ما يوجد في أميركا ليس “حركات إسلامية” تسعى إلى الوصول إلى السلطة، بالمعنى الذي نتحدث عنه في العالم الإسلامي، بل منظمات إسلامية ذات أهداف محدودة، تتفاوت اهتماماتها من النضال في مجال الحقوق المدنية، بحثا عن مساحة للمسلمين في الحياة السياسية الأميركية، إلى الأعمال الخيرية والتربوية التي تهدف إلى الحفاظ على الهوية ومساعدة إخوة العقيدة أينما كانوا.

فتباين المواقف الذي ظهر بين المنظمات الإسلامية في أميركا تجاه الحرب في أفغانستان مرده إلى خلاف في التصور والمنطلق الإستراتيجي حول دور المسلمين الأميركيين:

فهل سيرضى المسلمون الأميركيون أن يكونوا مجرد مرشدين للسياسة الأميركية الحالية في العالم الإسلامي، يدلون الرئيس بوش على اجتناب عبارات مثل “الحرب الصليبية” مثلا، وينصحونه بتعليق الأعمال الحربية في رمضان؟ وهي أمور تخدم الإستراتيجية الأميركية أكثر مما تخدم المسلمين.. أم سيكون دورهم أجدى وأبعد أثرا من ذلك؟، فيسعون إلى تغيير الإستراتيجية الأميركية في المنطقة، وجعلها أكثر إنصافا وعدلا، وبذلك يفتحون الباب إلى تفاهم بعيد المدى بين الحضارتين، ويتحولون إلى “جسر” حقيقي عبر المحيط.

وهل المطلوب من المسلمين الأميركيين هو “إرضاء” أميركا من خلال تنصلهم من أي أعمال عنف ضدها وأي مقاومة لسياساتها، مشروعة كانت أو غير مشروعة، ثمنا للاعتراف بـ”أميركيتهم”، أم المطلوب منهم هو “إفهام” أميركا جذور الشر، وأسباب العداء لها في العالم الإسلامي، ومكامن الخلل في سياسياتها الخارجية؟.

يبدو أن الخيار الإستراتيجي لم يتضح بعد في أذهان المسلمين الأميركيين، الذين لا يزالون يتلمسون دورا لهم في المجتمع الأميركي، ولم يعرفوا بعد كيف يستغلون الإمكانات الواسعة التي يوفرها لهم.. وربما كانت الحرب النفسية التي شنتها عليهم وسائل الإعلام الأميركية بعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول قد أسهمت في حشرهم في موقع دفاعي، ففقدوا المبادرة وروح المبادأة.. وقد أشار أحد المسلمين الأميركيين بمرارة إلى أن العديد من الكنائس الأميركية تتلو صلواتها من أجل ضحايا الحرب من المدنيين الأفغان، لكن المساجد في أميركا لا تفعل ذلك الآن، وهي مقارنة ذات دلالة في هذا الشأن.

لقد نجح اللوبي الصهيوني بجده واجتهاده خلال الخمسين عاما الماضية في تحويل أهداف إسرائيل إلى أهداف أميركية، فتحولت إسرائيل من دويلة مغمورة تردد وزير الخارجية الأميركي “مارشال” كثيرا في الاعتراف بها عام 1948، إلى ما يشبه الولاية الأميركية الواحدة والخمسين.. فهل سيحاول المسلمون الأميركيون أن يكونوا جسر تفاهم بين أميركا والعالم الإسلامي، ويجعلون مصالح الشعوب الإسلامية أهدافا أميركية؟ أم سيجعلون مطامح أميركا أهدافا إسلامية، أي يسبغون الشرعية على خطط أميركا الإستراتيجية وسياساتها المجحفة بالشعوب الإسلامية؟.

إن الوسائل ليست في صالح المسلمين الأميركيين الآن، بالمقارنة مع الإمكانات المالية والإعلامية والسياسية الضخمة التي يملكها اللوبي الصهيوني، لكن الوقائع في صالحهم، وهي وقائع ناطقة بذاتها، وسيفهمها الجمهور الأميركي عاجلا أم آجلا، إضافة إلى أنها ليس من الممكن تغييرها دون تغيير جذري في السياسة الأميركية في المنطقة. فالأولى بالمسلمين الأميركيين أن يراهنوا على تغيير إيجابي بعيد المدى، بدلا من التكيف المؤقت مع واقع مجحف.
كاتب موريتاني مقيم في الولايات المتحدة الأميركية

المصدر: الجزيرة نت