بسم الله الرحمن الرحيم

وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهصدق الله العلي العظيم

أصحاب السمو والمعالي والسيادة قادة وملوك ورؤساء الدول العربية المشاركين في قمة مكة المكرمة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

في ظروف بالغة الحرج والحساسية، تجتمعون في الشهر الحرام على أرض تحتضن البلد الحرام؛ حيث أقدسُ مقدّسات المسلمين وقبلتهم، للتداول في قضايا الأمة وسط ظروف تكتنفها إشكاليات معقدة وأزمات متشابكة، باتت مخاطرها تحيق بشعوبكم وتهدد أمنكم وتستهدف استقراركم، تنذر طلائعها- فيما إذا لم يتم احتواؤها- وبالاً وشراً مستطيراً يحرق الأخضر واليابس، شرقاً وغرباً، لن يطال شررها بلدانكم فحسب، بل سيشمل الأمن العالمي برمته والذي لا يتحمل المزيد من الكوارث.

من هذا المنطلق، عليكم أن تدركوا جسامة المسؤولية الملقاة على عاتقكم وأنتم تعتزمون التشاور للخروج بقرارات مصيرية ستمسّ شعوبكم والسلم الدولي، ما يفرض عليكم أن تكونوا على مستوى التطلعات من خلال الإسهام في تخفيف المعاناة ومعالجة الأزمات والحفاظ على السلم والامن العالمي، عبر الجنوح إلى السلم والتهدئة والحوار لتجاوز حالة الغليان والتصعيد العسكري الذي تشهده منطقة الخليج على وجه الخصوص.

أصحاب السمو والمعالي والسيادة

فكما لا يخفى عليكم جميعاً، فإن أغلب الشعوب العربية لا تزال تئنّ تحت وطأة الحروب وما خلّفتها من أزمات اقتصادية وكوارث اجتماعية منذ مطلع القرن الماضي؛ إذ لم تنعم بالاستقرار أو الأمن الا خلال فترات وجيزة لا تكاد تذكر، بغضّ النظر عن الخوض في حيثياتها أو مسبباتها.

وما يزيد الطين بلّةً تلك الجراح الغائرة التي تركتها الصراعات السياسية في نفوس المجتمعات، والتي لم تنل حقها من العلاج فبقيت مفتوحة متقيحة لتتفجر نزاعاتٍ اجتماعيةً وخلافاتٍ دينيةً وفتناً مذهبيةً تحمل أعلى معدلات الكراهية والتحريض على تهميش الآخر واستئصاله؛ الأمر الذي يشكل أرضيةً لاشتعال نيران حروب جديدة في المنطقة التي لا تكاد تنتهي من حرب في بقعة منها إلا لتستعد للدخول إلى أخرى في بقعة أخرى، مع ما تحمل من تكاليف باهظة على حساب الشعوب التي لا ناقة فيها ولا جمل.

فلو أحصيت الأموال والمبالغ التي أنفقت على تلك الحروب والنزاعات العبثية، لوجدنا أن تخصيص قسمٍ منها في مشاريع التنمية كان كفيلاً بتحقيق انتعاش وازدهار لصالح شعوبنا ما لم يشهد لهما تاريخنا القديم والحديث مثيلاً؛ بحيث ارتقت دولنا إلى مصاف الدول المتقدمة اقتصادياً وحضارياً، ولكان لها قصب السبق في حقول العلم والتطور والتقدم.

إنكم إذ تجتمعون في هذه الايام للتداول في شأن لا يختلف عما سبقه من الشؤون التي أفرزتها الخلافات والصراعات السياسية، نأمل منكم جميعاً تحكيم لغة العقل بوضع تجارب التاريخ القريب نصب أعينكم، والتمعن في حجم الكوارث والمعاناة التي خلفتها الحروب التي ضربت المنطقة نتيجة القرارات أحادية الجانب؛ فكم كان يمكن تدارك الأزمات السالفة لو أن من سبقكم من حكام اتخذ جانب الحكمة والحنكة والتدبر بعواقب الأمور سبيلاً للحل تجنباً للصدام والتورط في مغامرات ومقامرات سياسية مكلفة غير محسوبة العواقب.

أصحاب السمو والمعالي والسيادة

إنكم، ومن منطلق مسؤولياتكم التاريخية والقانونية والإنسانية، أمام تحدٍّ ينطوي- رغم خطورته البالغة- على حلول بسيطة تتطلب مجرد المبادرة للحوار والنقاش والتأكيد على المشتركات الجامعة التي هي أكبر وأكثر بكثير من الخلافات القائمة؛ إذ لا يستدعي الأمر منكم إلا المبادرة المخلصة لتغليب مصالح شعوبكم ودولكم على بعض المصالح الضيقة الآنية التي لن تجدي نفعاً على المدى البعيد. ويكفي أن تستحضروا لدى مداولاتكم الآية الكريمة “وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ“.

عندها، لن تنالوا الخير في الدنيا فحسب، بل ستشملكم رحمة الله في الآخرة أيضاً، ولا سيما في شهر رمضان حيث أبواب السماء مفتّحة للقبول.

والله من وراء القصد