ليست هناك جماعة دينية أو عرقية أو جغرافية لا تواجهها مشاكل في حياتها، كل من يعيش على هذه البسيطة لديه مشاكله، فرداً كان أو جماعة، قد تختلف هذه المشاكل في النوع والحجم والمصدر ودرجة التأثير من مكان إلى آخر، من شخص إلى آخر، من مجموعة إلى أخرى، ولكن تبقى المشاكل حاضرة في حياة هذه المكوّنات شاء من شاء وأبى من أبى.
بالنسبة للشيعة في العالم الإسلامي وخارجه، لا تخرج عن هذا التوقّع، فهناك مشاكل عديدة تواجه الشيعة بعضها آني سريع الحضور والزوال، وبعضها متجذّر في بطون التاريخ، وقد تكون إزالتها صعبة أو أقرب إلى المستحيل، تباعاً للامتداد التاريخي العميق للشيعة في تربة التاريخ العميقة، وعندما نسأل ما هي المشاكل التي يعاني منها الشيعة، هنا سوف تكون لنا وقفة نحاول من خلالها أن نؤشّر على تلك المشاكل ونستبطن أسبابها.
وهي في الواقع على الرغم من حضورها وتأثيرها في حياة الشيعة، وطبيعة عيشهم وأوضاعهم السياسية والاقتصادية والدينية وسواها، إلاّ أنها ممكنة الحلّ، وثمّة تخطيط وبرمجة وإصرار على القضاء التام والتحييد المستمر للتأثيرات المضرّة لهذه المشكلات على الشيعة، لهذا هناك توقّعات واستنتاجات فيها الكثير من التفاؤل عن حاضر ومستقبل الشيعة.

نلاحظ ذلك في أقوال سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، عبر إحدى كلماته التوجيهية القيمة الموجّهة للمسلمين، حيث يرد فيها قول سماحته: (أنا رؤيتي بالنسبة للمستقبل ـ أي مستقبل الشيعة ـ جيّدة جدّاً. ولكن من المؤسف انّ الشيعة يصعب عليهم التقارب والتفاهم فيما بينهم، وإلاّ لما طالت بهم المآسي والمشاكل).
إذاً هناك عدم تفاهم بين الشيعة يؤدّي إلى عدم تقارب بينهم، لكن هنالك بعض الخطوات الجيّدة للتقارب والنتائج الجيّدة، كما نلاحظ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي: (ما يجري في منطقة الشرق الأوسط، كالعراق وسوريا، فإنّ ذلك جيّد جدّاً، وهو بصالح الشيعة لا شكّ. وأسأل الله تبارك وتعإلى أن يوفّق الشيعة، في كل مكان، لكي يتحمّل بعضهم بعضاً).
ويضيف سماحته حول الموضوع نفسه بأن (الشيعة مع الأسف، ليسوا كذلك، في كل مكان. ولكن بالنتيجة هذه الحالة لا تبقى كما هي عليه الآن. ولو لم يكن هذا الوضع وهذه الحالة للشيعة كما هي اليوم، لوفّقوا أسرع وأسرع).

استثناء البحرين من مبدأ الأكثرية

لقد بنى الغربيون ديمقراطيتهم على الانتخابات، والرضوخ الدستوري لأغلبية أصوات صناديق الاقتراع، من دون تزييف أو تزوير، كذلك كان الغربيون رعاة للديمقراطيات في العالم المتأخّر، واعتمدوا نظام الأكثرية في تلك البلدان، حتى حكومة البحرين نفسها تعترف بأن أغلبية الشعب البحريني هم من المذهب الشيعي، ولكن لا الغربيون ولا حكومة البحرين، يعترفون بأكثرية الشيعة في الانتخابات.
بل هناك مصالح متبادلة بين الحكومات الغربية أو قسم منها، وبين حكومة البحرين التي لا تعترف بأحقيّة أكثرية الشيعة، ولا تسمح لهم بالوصول إلى السلطة، أما الغرب فإنّه يغضّ البصر عن الانتهاكات الحكومية التي تطول شعب البحرين وأكثريته الشيعية من أجل مصالحه، هنا الديمقراطية تصبح في الخلف وتتقدّم عليها المصالح.
كما بيّن سماحة المرجع الشيرازي دام ظله، ذلك في قوله بكلمته نفسها: (البحرين وبلا شكّ الأكثرية فيه هم الشيعة. والذين يحكمون البحرين كلّهم يؤمنون بذلك وبالأكثرية الشيعية. والغربيون قد بنوا سياسات بلدانهم واقتصادها وغيرها، على الأكثرية، ولكن هذا الأمر ليس كذلك في البحرين)؟!، فكما يبدو من سياسات الغرب، أنّ البحرين مستثناة من قوانين ومبادئ ديمقراطية الغرب.
أحد السياسيين الغربيين قال قبل عشرات السنين، ليست هناك صداقات دائمة بين الدول، بل هناك مصالح دائمة، وفي وضع البحرين، هم يطبّقون هذا المبدأ بصورة تامّة، فلا تعنيهم الديمقراطية ولا مبادئها، ولا يعنيهم أيّ شيء آخر إذا تعارض مع مصالحهم، لهذا يتّضح بجلاء وبإعلان مسبق وواضح على لسان الساسة الغربيين الرسميين، بأنّ المصالح هي التي تتحكّم في طبيعة علاقات الغرب مع غيرهم من الدول.
وهذا ما يحدث بالضبط الآن مع البحرين، والشيعة في هذا البلد المنتهك سياسياً، حيث تقوده الأقليّة بالقوّة والتزوير وطرائق الاحتيال والخداع، من أجل الاحتفاظ بالسلطة حتى لو تم ذلك تجاوزاً على المبادئ الديمقراطية، أما الغربيون فهم ينظرون بأعينهم ما يحدث في البحرين، لكنهم يغضّون أبصارهم، أو بالأحرى المصالح تعمي عيونهم، وتجعلها لا ترى انتهاكات الحكومة البحرينية للديمقراطية.
وقد أوضح ذلك سماحة المرجع الشيرازي بقوله: (الغربيون لا يؤمنون على ما يقرّون به، كإقرارهم بأنّ الأكثرية في البحرين هم الشيعة مثلاً. والغربيون في الواقع ليسوا أصدقاء حقّاً، بل أصدقاء في حدود مصالحهم، ولذلك تراهم يزيدون وينقصون، ونموذج هذا النوع من تعاملهم، هو تعاملهم تجاه ما يجري في البحرين).

مصالح الغربيين فوق الانتخابات

كلنا نلاحظ ونتابع ونرى كم يتبجّحالغربيون باحترامهم للديمقراطية، وكم تعلن وتدّعي أمريكا بأنّها الراعي الأول للديمقراطية عبر العالم، فهل يا ترى هذه الأقوال المعلنة نهاراً جهاراً، تنطبق بالفعل على سلوك الغرب حيال الانتهاكات التي تقوم بها بعض الحكومات العربية والإسلامية، وهي تتطاول على الديمقراطية بلا تردّد أو مواراة أو خجل؟
إنّ ما يحدث في البحرين يمثّل نموذجاً صارخاً للتجاوز على الديمقراطية، كما يعطينا مثالاً قاطعاً على عدم تمسّك الغرب بالديمقراطية كما يقول، فما حدث ويحدث في البحرين، أثبت بما لا يقبل الشكّ قيد أنملة، بأنّ مصالح الغرب تتفوق وتتقدّم على الديمقراطية أو سواها، والمثال الملموس هنا، ما يحدث في البحرين من محاباة للحكومة (الأقليّة) من لدنّ الغربيين، والسبب أن هذه الحكومة لا تقف أمام مصالح الغرب فيما تقف ضد مصالح شعبها، فتسلب خيراته وحرياته وحقوقه أما أبصار الحكومات الغربية التي لا تحرّك ساكن ولا تعترض على ما يجري للأكثرية الشيعية في البحرين.
نلاحظ ذلك في رؤية سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الموضوع كما يرد في قوله: (في البحرين الأكثرية هم الشيعة قطعاً مؤكّداً، فلماذا لا يوجد فيها انتخابات؟ علماً أنّ أميركا تؤمن بالانتخابات وكذلك أوروبا كلّها).
مثال على هذا الرأي، ما قامت به الحكومة البريطانية مؤخّراً، في زيارتها للبحرين، حيث أعلنت رئيسة وزراء بريطانيا حمايتها للبحرين، وتعني الحكومة بالتحديد، على الرغم من الانتهاكات الفادحة لهذه الحكومة في مجال حقوق الإنسان، وفي تجاوزها على الدستور، وقواعد اللعبة الديمقراطية التي تؤكّد حقّ الأكثرية في إدارة الدولة، في حين أن ما يحدث في البحرين، مناقض تماماً لما يدّعيه الغربيون، فالحكومة في البحرين حكومة أقليّة كما هو واضح.
ربما يقول قائل، هذه نتائج الانتخابات، وهذه كلمة حقّ يراد بها باطل، لأنّ الحكومة نفسها وضعت من يتلاعب في نتائج الانتخابات أولاً، فضلاً عن طبيعة الطرق والقواعد التي تُقام من خلالها هذه الانتخابات، أي القانون الذي تجري في ضوئه الانتخابات وهو قانون وضعته الحكومة ورموزها لصالحها، والغربيون يعرفون ذلك، ويعرفون أنّ الشيعة هم الأغلبية، بل أن الحكومة البحرينية نفسها تعترف بذلك، لكن بالنتيجة تبقى المصالح فوق الديمقراطية.
كما يؤكّد ذلك سماحة المرجع الشيرازي في قوله: (هم الذين يدعمون حكومة البحرين، كما رأيتم قبل فترة قصيرة وسمعتم زيارة رئيسة وزراء بريطانيا للبحرين وإعلانها حماية بريطانيا للبحرين).
شبكة النبأ