ترجمة: باسل أبو حمدة عن «الموندو» ـ اسبانيا

34 يوما من الحصار الذي احكمت طوقه الدبابات لم تستنفد قواه، على الرغم من ان تدمير الاراضي المحتلة جعل ياسر عرفات الزعيم التاريخي للسلطة الوطنية الفلسطينية،

يتقدم في السن سنوات اضافية، وفي أول مقابلة يجريها عرفات في اعقاب فك اسره اقر الرئيس الفلسطيني انه إثر حريق كنيسة المهد، اعتقد ان كل شيء كان قد انتهى وضاع.

وبينما كنت اتقدم باتجاه «المقاطعة» التي هي بمثابة المنزل ومقر القيادة العامة للرئيس الفلسطيني كنت مضطراً لتفادي الاسلاك الشائكة التي تحيط بالمقر حيث من السهولة بمكان ملاحظة الفجوات التي خلفتها القذائف التي اطلقتها الدبابات الاسرائيلية والمروحيات وطائرات الف 16 والاف 18 على المكان.

ومن الواضح للعيان ان الذي هاجم هذا المكان قام بفعلته من اجل القتل، فالساحة الرحبة تبدو بمثابة صحراء قفرة من النباتات التي حلت مكانها كتلة هائلة من الخردة التي تراكمت لتشكل جبلاً معدنياً هو عبارة عن مخلفات سيارات الرئيس الفلسطيني المسحوقة بفعل الدبابات، اما حواف النوافذ فلقد توشحت بالسواد جراء الحرائق.

دخلنا عبر حيز ضيق ترك بين شكائر الرمل وقمنا بتصوير كل ما وقعت عليه عيوننا، ليبقى ماثلاً امام العيان وشاهداً على الظروف التي عاشها وعاناها ونجا منها رئيس منظمة التحرير الفلسطينية سواء على صعيد أسره هو شخصياً أم على صعيد تدمير بلاده.

ومن الامور التي لا تصدق هناك ان يبقى مدخل ما كان القصر الرئاسي قائماً حتى الآن. أما سور الحماية الذي اعاد بناءه بعض الرجال، فإنه مؤشر حتمي على أن الهجوم لم يقوض المعنويات الفلسطينية.

الموقع الذي جرت فيه المقابلة كان ضيقاً جداً، وعندما وصل عرفات اليه حيار فاقي فرداً فرداً، ومد لي يده مصافحاً بحرارة، وجلس على اريكة من الجلد الاسود مع علم فلسطين خلفها.

ولايمكننا ان ننسى ان البلدان العربية قد اطلقت مبادرة مهمة جداً على قاعدة اقتراح تقدم به ولي العهد السعودي الامير عبدالله بن عبدالعزيز والذي تم اقراره في قمة بيروت العربية والذي يقوم على فكرة سلام بين كل العالم العربي و«اسرائيل».

لكن «اسرائيل» هذه ردت بهجوم وحشي على جنين، مع ان هذا التاريخ كان قد تم التعرف عليه سابقا في «ستالينجراد» والذي اسفر عن خسائر فادحة وآلاف الجرحى واضرار لاتعد ولا تحصى وتدمير مدينة نابلس التي تعد اقدم مدينة فلسطينية.

كما شنت اسرائيل هجوماً بجميع الوسائل التي في متناولها ودمرت اقدم كنيسة في العالم وأربعة مساجد من بينها اقدم مسجد في رام الله.

أما اخطر الاحداث فكان مسرح عملياتها في بيت لحم وفي مخيم اللاجئين في بيت جالا وفي كنيسة المهد، وقبل ذلك تمثال العذراء الذي هوجم بالمدافع هل من الممكن ان يشن العالم برمته هجوماً على طالبان بسبب تدمير تماثيل بوذا في باميان في حين تقيد جريمة مثل هذه ضد مجهول؟ هل من الممكن ان يحول حصار كنيسة المهد دون صلاة المصلين آخذين بعين الاعتبار ان الذين منعوا محاولة احراق كنيسة المهد بالقنابل الحارقة التي الحقت الضرر بقسمين منها، هم بعض رجال الدين الشجعان والذين كانوا قد لجأوا الى داخلها، ولو انهم لم يفعلوا ذلك لكان الحريق قد اتى على كل شيء، مع العلم ان مبعوثي الرئيس جورج بوش لم يقتربوا من الكنيسة عندما وصلوا الى المنطقة، والآن يبدو ان الاسرائيليين يعدون العدة لعملية اخرى في قطاع غزة.

ـ أليس هناك من وسيلة لايقاف هذه العملية؟ ـ اننا نبذل كل ما في وسعنا بمساعدة الرئيس المصري حسني مبارك والامير عبدالله والامم المتحدة، كما ان هناك جهوداً أوروبية وأميركية لوقف تدهور هذا الوضع وجهود اخرى يقوم بها بوش نفسه وكوفي عنان ايضا، وفي جميع الاحوال، فإن الدبابات الاسرائيلية موجودة بشكل فعلي على ارضنا حيث بلغ عدد الجرحى والموتى سبعة آلاف شخص وحيث تم تدمير جميع بنانا التحتية، بما فيها اللجنة العلمية التي لديها اربع بعثات في افريقيا والتي دمرت في الربع الساعة الاخيرة قبل الانسحاب اذن الى اين انتهت الاتفاقات التي وقعتها مع اسحاق رابين؟ ـ بسبب تلك الاتفاقات تم اغتيال رابين.

ـ بالطبع فلقد دفع رفيقي رابين حياته ثمناً للسلام، لكن ما يشجعنا على الاستمرار هو ان الجزء الأكبر من الاسرائيليين يرغب بالسلام وانهم داخل الجيش نفسه يرغبون بذلك ايضا وان الشباب لايريدون تأدية الخدمة العسكرية لانهم يرفضون هذه الجرائم.

ـ ما هي اقسى لحظة مررت بها اثناء الحصار؟ ـ عندما شاهدت حريق كنيسة المهد على شاشة الـ «سي. ان. ان» ويمكنك تخيل ما يشعر به المرء امام الجرائم ضد السكان المدنيين في مخيم اللاجئين من ثلاثة عشر الف شخص.

ـ ولا يسمح بدخول بعثة دولية الى جنين.

ـ مع ذلك، هناك الكثير من المؤسسات العالمية مثل الصليب الاحمر والامم المتحدة وسفراء عدة دول، الذين زاروا مخيم اللاجئين في جنين استطاعوا رؤية نطاق هذه المأساة وحتى انهم استطاعوا التحقق من ذلك في المدينة القديمة في نابلس كما تمكنت اللجنة التي ارسلتها واشنطن من رؤية جرائم الجيش.

ـ أين تكمن قوة الاستمرار؟ ـ انني رجل عجوز لكني جندي قوي وكإنسان متدين ولديه إيمان عميق فإنني مجبر على الدفاع عن شعبي وعن ارضي وفي المقام الاول عن الاماكن المقدسة وستتمكن من مشاهدة المظاهرات في جميع انحاء العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة واسرائيل ضد ما يحدث هنا.

ـ هل حماس منظمة «ارهابية» فلسطينية أم مجموعة مناضلين محترفين ومأجورين من الجاسوسية الأميركية؟ ـ أثار هذا السؤال بلبلة في محيط عرفات، وكان قد تم سحبه من مجموع الاسئلة الأساسية.

ـ في لقاء مع رابين بحضور الملك حسين ومبارك، سألته عن حماس، فأجابني رابين قائلا: «كان ذلك خطأ قاتلاً من جانبنا» لقد مثل قبولاً بحيث أرادوا وضع حماس مكان منظمة التحرير الفلسطينية.

ـ هل يمكنك تقديم ثلاث رسائل للعالم بحيث تلخص خططك المستقبلية؟ ـ دفع بوش الأب قدما بمحاولات السلام في مدريد التي توصلنا عبرها الى اتفاقات اوسلو وآمل ان تكتمل عملية السلام هذه في الاراضي المقدسة على يد بوش الابن، وانا اوجه في هذه المناسبة نداء الى زعماء اوروبا وروسيا وباقي العالم من اجل ان يجتمعوا مع الولايات المتحدة في برشلونة وفي واشنطن لوقف هذه الحرب وفق ما اتفقنا عليه في خطة تينيت في شرم الشيخ مع كلينتون وخافيير سولانا وكوفي عنان والملك عبدالله.

ـ هل تعتقد ان هناك محاولة توسعية اسرائيلية ومؤامرة ضد العالم العربي؟ ـ السلام ليس مرتبطا بنا فقط انه من اجل ابنائنا هل استطاع نظام «الابارتايد» ان يفرض نفسه في جنوب افريقيا؟ ألا تدرك اننا الشعب الوحيد في الكون الذي لايزال يرزح تحت الاحتلال؟ لذلك فإنني اناشد العالم كله ان يمد لنا يد العون من اجل تحقيق السلام، وفي وقت لاحق سيتم امعان النظر في الاحلام الصهيونية هذه التي تشير اليها، وانا اذكرك بأنه خلال مرحلة نتانياهو وقع شارون هذا بالاحرف الاولى على اتفاقات واي ريفر ونحن لا نؤمن بأي شيء آخر غير حريتنا واحترام قرارات منظمة الامم المتحدة وتطبيقها السليم.

ـ لدى خوسيه ماريا ازنار رئيس وزراء اسبانيا والرئيس الدوري للاتحاد الاوروبي واسبانيا، التزام سياسي مشرف حيال القضية الفلسطينية، هل ساعدك هذا في شيء؟ ـ بدون شك فلقد كنا على اتصال دائم بما في ذلك اثناء الحصار وقطعا فإنني لا استطيع ان انسى اننا بدأنا عملية السلام في مدريد، وانا استغل هذه المناسبة لاوجه لازنار ووزرائه الشكر على الجهود واشكال الثبات الملموس التي اظهروها مع الولايات المتحدة وفي الاتحاد الاوروبي وكذلك على الصعيد الحالي من اجل حل هذه الازمة، كما اني اثمن عالياً جدية تدخله واحساسه في سبيل تخفيف الألم، وليس للشعب الفلسطيني فقط، وانما ايضا تدخلاته من اجل انقاذ كنيسة المهد، فلقد لاحظت تلك الجدية اثناء حصاري وانا سعيد من ان ازنار يعد مؤتمراً جديداً في مدريد. ولن انسى ايضا انه خلال الحصار كان على اتصال يومي معي كي يساندني بشكل معنوي.

وانا اكرر امتناني له على جهوده مرة اخرى، ولملك اسبانيا، فأحد الالقاب التي يتمتع بها هو ملك القدس. ولن اجد الكلمات الكافية ابداً للاعراب عن امتناني للشعب الاسباني وتضامنه مع الشعب الفلسطيني في مراحل مختلفة من تاريخنا