قال المسعودي: «وبعث اليهم- أي عليّ- إلى أهل الجمل من يناشدهم اللَّه في الدماء،

وقال: علام تقاتلونني؟ فأبوا إلا الحرب، فبعث اليهم رجلًا من أصحابه يقال له مسلم معه مصححف يدعوهم إلى اللَّه فرموه بسهم فقتلوه …».

«وأمر علي رضي اللَّه عنه أن يصافوّهم، ولا يبدأوهم بقتال، ولا يرموهم بسهم، ولا يضربوهم بسيف، ولا يطعنوهم برمح حتى جاء عبداللَّه بن بديل بن ورقاء الخزاعي من الميمنة بأخ له مقتول، وجاء قوم من الميسرة برجل قد رمي بسهم فقتل، فقال علي: اللّهم اشهد، واعذروا إلى القوم» «1».

قال الخوارزمي: «ولما تقابل العسكران، عسكر أميرالمؤمنين عليه السّلام وعسكر أصحاب الجمل جعل أهل البصرة يرمون أصحاب علي بالنبل حتى عقروا منهم جماعة،

فقال الناس: يا أميرالمؤمنين انه قد عقرنا بطلهم فما انتظارك بالقوم؟

فقال علي: اللّهم اني اشهدك اني قد اعذرت وانذرت فكن لي عليهم من الشاهدين، وتقلد بسيفه واعتجر بعمامته واستوى على بغلة النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم، ثم دعا بالمصحف فاخذه بيده

وقال أيها الناس: من يأخذ هذا المصحف فيدعو هؤلاء القوم إلى ما فيه؟

قال: فوثب غلام من مجاشع يقال له مسلم عليه قبا ابيض فقال له: انا آخذه يا أميرالمؤمنين،

فقال له علي عليه السّلام: «يا فتى ان يدك اليمنى تقطع فتأخذه بيدك اليسرى، فتقطع اليسرى ثم تضرب عليه بالسيف حتى تقتل

فقال الفتى: لأصبر على ذلك يا أميرالمؤمنين،

قال: فنادى علي عليه السّلام: ثانية والمصحف في يده فقام اليه ذلك الفتى،

وقال أنا آخذه يا أميرالمؤمنين،

قال: فاعاد عليه مقالته الأولى فقال الفتى، لا عليك يا أميرالمؤمنين فهذا قليل في ذات اللَّه، ثم أخذ الفتى المصحف وانطلق به اليهم،

فقال يا هؤلاء هذا كتاب اللَّه بيننا وبينكم قال: فضرب رجل من أصحاب الجمل يده اليمنى فقطعها، فأخذ المصحف بشماله فقطعت شماله، فاحتضن المصحف بصدره فضرب عليه حتى قتل رحمه اللَّه» «1».

وقال: «وجال الأشتر بين الصفين وقتل من شجعان أهل الجمل جماعة واحداً بعد واحد مبارزة، كذلك عمّار بن ياسر ومحمّد بن أبي بكر، واشتبكت الحرب بين العسكرين واقتتلوا قتالًا شديداً لم يسمع مثله، وقطعت على خطام الجمل ثماني وتسعون يداً،

وصار الهودج كأنه القنفذ بما فيه من النبل والسهام واحمرت الأرض بالدماء وعقر الجمل من ورائه فعج ورغى فقال علي عليه السّلام عرقبوه فانه شيطان ثم التفت الى محمّد بن أبي بكر وقال له: انظر إذا عرقب الجمل فادرك أختك فوارها وقد عرقب الجمل فوقع بجنبه وضرب بجرانه الأرض ورغا رغاءً شديداً، وبادر عمار بن ياسر فقطع أنساع الهودج بسيفه، فاقبل علي عليه السّلام على بغلة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم فطعن الهودج برمحه

ثم قال: يا عائشة أهكذا أمرك رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم؟

فقالت عائشة: يا أبا الحسن قد ظفرت فأحسن وملكت فاصفح.

وقال علي عليه السّلام لمحمّد بن أبي بكر: شأنك باختك فلا يدنو أحد منها سواك، فأدخل محمّد يده الى عائشة فاحتضنها

ثم قال: اصابك شي ء قالت لا ولكن من أنت ويحك فقد مسست مني ما لا يحل لك فقال محمّد: اسكتي فانا محمّد أخوك، فعلت بنفسك ما فعلت وعصيت ربك وهتكت سترك وابحت حرمتك وتعرضت للقتل.

ثم ادخلها البصرة وانزلها في دار عبداللَّه بن خلف الخزاعي» «2».

📚 المصادر :

(1) مروج الذهب ج 2 ص 370.

(١) المناقب ص ١١٨.

(٢) المناقب ص ١٢٠.