من الإثارات التي تُثار ضد المدرسة الشيرازية العريقة، هو تركيزها على جانب من العقائد أو على شعائر دينية معينة.

هذه الإثارة بـالتحديد جاءت من قِبل تيار ظهر قبل أربعين عامًا “١٩٧٩م”، و يمكن أن يُطلق عليه عنوان (أصحاب فرقعة التشيع البريطاني او اللندني)، ردًا على فريتهم ضد المتمسكين بـ العقيدة و الشعائر بـ “التبرطن”.

طعنهم هذا جاء بـ سبب تمسك مدرسة الإمام الشيرازي بـ الأصول العقائدية أو بعض الشعائر الدينية التي لا تحلو لهم. على الرغم من أن هذه العقائد أو الشعائر ليست وليدة اليوم أو الأمس ولا حتى وليدة “الأربعين عامًا ١٩٧٩ م” من عمر أصحاب الفرقعة..

هذه الشعائر تعود إلى صدر الإسلام و بقيت إلى اليوم إذ ما كان لها أن تتبدّل بـ تبدّل الأنظمة أو المعادلات السياسية، لكن الجديد في الأمر انه قبل عقدين ونيف فقط، تحسس البعض من بعض هذه الشعائر تحت ذريعة إرضاء بعض الأطراف أو عدم إثارة سخطهم ؛ و منها شعيرة “التطبير” و هي رمز لـ تلك الشعائر التي يحاربها النظام الإيراني و أتباعه بشكلٍ رسمي منذ عام ١٤١٤ هـ، و ذلك حين ألقى مرشد النظام علي خامنئي خطابه (١).

منذ ذلك الحين بدأ النظام يشنّ اعتداءاته على المطبرين بأشكال مختلفة؛ من حظر و اعتقالات و مصادرة الحسينيات و منع نشر الكتب و فتاوى بعض المراجع و ما شابه. والطريق الآخر عبر التسقيط الإعلامي من خلال ألوان الافتراءات ومنها فرقعة “التبرطن”.

و ليس التطبير و مشروعيته محور الحديث، أو كونه مستحبًا أو مقرفًا، أو هل يؤدي إلى تعزيز المذهب أم إلى وهنه، أو ما شابه ذلك من الأمور المتفرعة، لكن هذا الرمز (التطبير) لم يكن وليد اللحظة، و الذين يمارسونه أو يدعون إليه، لم يقوموا بذلك وفقًا للأحداث أو الأجواء السياسية أو المصالح الاجتماعية الآنية، و إنما كان قيامهم نابع من العقيدة الدينية البحتة التي لم تتبدل بـ تبدّل الأنظمة ، و لم تكن لتبدأ منذ عام ١٩٧٩م، و إنما بدأت منذ عام ٦١ للهجرة، إثر زلزال الطف الذي لا تزال آثاره مستمرة حتى الساعة.

و بنظرة تاريخية عابرة يقول التاريخ: إن أول من قام بـ ممارسة التطبير بشكله المتداول اليوم هم أصحاب “حركة التوابين “. حيث ينقل المؤرخون إنه : “حينما تهيأ سليمان و أصحابه للمسير إلى بلاد الشام للأخذ بثأر الحسين عليه السلام من ابن زياد، فخرجوا من الكوفة سائرين حتى نزلوا عند قبر الحسين عليه السلام في أرض كربلاء، فلمّا رأوا القبر الشريف صاحوا بأجمعهم، و كثر البكاء منهم و العويل، و تابوا عند قبر الحسين عليه السلام، و كان القبر يحوطه بعض حجيرات صغيرة الحجم، فاجتمعوا حوله و جعلوا يلطمون بالسيوف على رؤوسهم و السلسل من الحديد على ظهورهم، و هو زرد الدروع.. “(٢)

و قد كتب آية الله الشهيد السيد حسن الشيرازي كتابًا تحت عنوان “الشعائر الحسينية”، ذكر فيه بـالتفصيل أنواع الشعائر، و كان ذلك في عام ١٣٨٤هـ/ ١٩٦٤م، حينما كان لايزال هو و أخوه الإمام الشيرازي يقطنان في كربلاء المقدسة، (٣) أي كانت هذه المدرسة تدعو لإحياء هذه الشعائر المتعارفة قبل أن يولد أصحاب هذه الفرقعات عام ١٩٧٩م.

من هنا و بناءًا على ما سبق؛ فإن الإثارات ضد الداعين للـشعائر، ليست إلا أمور مستحدثة و مبتدعة، جاءت تحت بواعث سياسية، و لا يخفى أن أصحاب مدرسة العقيدة و الولاء لا يمكن أن يتنازلوا عن شعائر الله تحت أي من الظروف السياسية و الاجتماعية و لا يعيرون اهتماماً لمن ينعتهم بـ “التبرطن”!! أو ما شابه ذلك.

و كذلك الأمر فيما يرتبط بـ العقائد، فإن ذلك أيضًا مبني على نفس القاعدة، حيث لا يمكن التنازل عنها تحت أي ظرفٍ من الظروف. و لعلّ المدرسة الشيرازية قد ضربت أروع الأمثلة في هذا الجانب؛ حيث فصلت بين “الوحدة الإسلامية” و ” التعايش مع سائر المذاهب” و بين موضوع التمسك بـ “العقائد و الولاية و البراءة”.

على عكس من يريد أن يتحد مع المسلمين على حساب التنازل عن ثوابت المذهب المتمثل بـ أصل البراءة.

و في هذا الصدد فإن كتب الإمام الشيرازي حافلة بـ ضرورة الوحدة الإسلامية، و في نفس الوقت لم تتنازل قيد أنملة عن ثوابت المذهب؛ و لعلّ نظرة سريعة إلى عناوين بعض كتبه تكشف هذه الحقيقة بـ وضوح؛ فـ من جانب قد كتب الإمام الراحل عشرات الكتب لحلِّ هموم المسلمين بمختلف طوائفها مثل كتاب: ” السبيل إلى إنهاض المسلمين”، و ” إلى حكومة ألف مليون مسلم”، و “ممارسة التغيير لإنقاذ المسلمين”، و ” نحو يقظة إسلامية”، و “من مأساة بلاد الإسلام”، و “المسلمون يتضررون”، و “المتخلفون ميليارا مسلم” و ” هل سيبقى الصلح بين العرب و إسرائيل”، و الكثير من الكتب التي تحارب التفرقة و تدعو إلى الوحدة، و تعالج مختلف الهموم و الأزمات التي تعاني منها الأمة الإسلامية بكل أطيافها و مذاهبها.

و من أحد أقوال الإمام الشيرازي في هذا الصدد: “لابد من إرجاع الدولة الواحدة ذات الألف وخمسمائة مليون مسلم ..وذلك تحقيقاً للأمة الواحدة التي قال سبحانه وتعالى عنها: وإن هذه أمتكم أمة واحدة، حيث يتمكن المسلم من السفر في مثل هذه الدولة الكبيرة من أدنى بلادها شرقاً إلى أقصاها غرباً ومن أقصاها جنوباً إلى أدناها شمالاً بلا حدود جغرافية ولا طلب للجنسية والهوية وجواز سفر وإقامة وتأشيرة للدخول والخروج وبدون إعطاء العشور والمكوس لشرطة الجمارك والحدود لما يجلبه من التجارة والبضاعة كما كان الأمر كذلك في دولة الرسول صلى الله عليه وآله، بل و بعده إلى مدة طويلة من الزمان وعلى أكبر رقعة من الأرض حيث اتسعت رقعة الإسلام فكانت دولته أعظم دول العالم وحكومته أكبر حكوماته إطلاقًا. و لابد من إرجاع الأخوّة الإسلامية كما قررها القرآن الكريم بقوله سبحانه: إنما المؤمنون أخوة، فلا فرق بين العربي والعجمي والهندي والتركي وإلى غيرهم كما لا فرق بين الشرقي والغربي والجنوبي والشمالي وكذا لا فرق بين العراقي والإيراني والمغربي والمصري وهكذا الخليجي والسوداني والسوري و الفلسطيني وغيرهم”. (٤)

و من جهة أخرى و فيما يرتبط بـ ثوابت العقيدة كتب الإمام الشيرازي الكثير من البحوث في مجال البراءة و الولاية؛ منها: “فقه الزهراء عليها السلام”، و “عيد الغدير أعظم الأعياد في الإسلام”، و “قضية الشيعة”، و “هوية الشيعة”، و “نهج الشيعة”، و “هكذا الشيعة” و الكثير من الكتب التي شرح فيها أصول التشيع النابعة من فكر أهل البيت النبوي الطاهر عليهم السلام. (٥)

من هنا و بناء على ما سبق؛ نستنتج أن الدعايات المغرضة التي تُطرح هنا وهناك ضد هذه المدرسة الأصيلة الراسخة ماهي إلا فقاعات صابون أو حسب التعبير القرآني؛ الزَّبَد الذي يذهب جفاء ” فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً، وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ، كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ “. (٦)

الهوامش؛
(١) خطاب علي خامنئي؛ القناة الأولى من التلفزيون الإيراني بتاريخ ٢٩ ذوالحجة ١٤١٤ هـ
(٢) السيد عبدالحسين إبراهيم العاملي؛ سفينة النجاة، ص ١٦٧
(٣) السيد حسن الشيرازي؛ الشعائر الحسينية، ص٢٣
(٤) الإمام الشيرازي؛ ممارسة التغيير لإنقاذ المسلمين، المقدمة.
(٥) جميع الكتب الوارة أسماءها موجودة على موقع الإمام الشيرازي على شبكة الإنترنت.
(٦) القرآن الكريم، سورة الرعد، الآية ١٧