كاظم حسن*

في أواخر التسعينات من القرن الماضي اعتقلت السلطات الإيرانية مجموعة من مدراء و مسؤولي الأنشطة الدينية و الاجتماعية لمكتب الإمام الشيرازي الراحل، و أودعتهم السجون و مارست في حقهم ألوان التعذيب الجسدي و النفسي، (١) کما و صادرت بعض المراكز و الحسينيات و المساجد التابعة للتيار الشيرازي مثل الحسينية الكربلائية، و مركز دار الحسين عليه السلام، و مسجد الإمام الحسين عليه السلام و كلها في مدينة قم المقدسة..
كما استولت على إدارة بعض المراكز الأخرى كـ الحسينية الكربلائية في طهران، و ذلك من خلال تدخلها في تغيير الطاقم الإداري حيث وضعت ما يناسبها من أفراد ..

و تناقلت معظم وكالات الأنباء و وسائل الإعلام الداخلية و العالمية تلك الانتهاكات و ذلك عبر الأثير الذي كان سائدًا حينها قبل أن تغزو الشبكة العنكبوتية الدوائر و الدور..

والجدير بالذكر ان محطة هيئة الإذاعة البريطانية بجميع لغاتها تجاهلت تماما أحداث التصادم بين النظام الإيراني و التيار الشيرازي في وقت لم تبقَ إذاعة أو نشرة أخبار إلا و أذاعت الخبر و كتبت التحاليل عنه لكنها بالمقابل كانت تذكر المضايقات التي تعرض لها أتباع سائر المراجع الذين لم يكونوا على وئام مع القيادة الإيرانية ..

ولا يخفى سبب تجنب الإذاعة البريطانية التطرق لذكر اسم الشيرازي فالألم الذي ألحقه بها هذا التيار ليس بالقليل ولا المستساغ، مما جعلها تحول من حقدها عليه الى عقدة نفسية تجنبها حتى من نقل خبر عابر مما جرى على التيار الشيرازي من ظلم ظاهر للعيان.. هذا السبب يتجلى كالشمس في رابعة النهار؛ و هو الموقف المعارض بل المعادي للسياسة البريطانية منذ حوالي قرن و نصف الصادر من المدرسة الشيرازية منذ ثورة التنباك بـ قيادة الميرزا السيد محمد حسن الشيرازي عام ١٣٠٩ هـ/ ١٨٩١ م، و مرورًا بـ ثورة العشرين بـ قيادة الشيخ الميرزا محمد تقي الشيرازي عام ١٩٢٥ م، و حتى مواقف الإمام الشيرازي تجاه الاستعمار البريطاني في العراق و إيران و سائر المناطق الإسلامية.

و لو ألقينا نظرة سريعة على بعض مؤلفات الإمام الشيرازي لوجدنا التحذير من الوقوع في الشَرَك البريطاني بـ وضوح و صراحة ، فعلى سبيل المثال: الإمام الشيرازي يرى أن بريطانيا هي التي أتت بـ حزب البعث إلى سدة الحكم في العراق، و في هذا الصدد يقول : ” إن العراق كان بلدا عشائريا.. والعشائر كانت تتنافس فيما بينها في الزراعة والعمارة والتجارة والثقافة وتقليد المراجع واتباع علماء الدين وإقامة الشعائر وما أشبه.
والسيد أبو الحسن الأصفهاني رحمه الله أخذ بزمام العشائر بواسطة أمنائه من رجال الدين أمثال: آل الجواهري، وآل بحر العلوم، وآل الشيخ راضي، وآل الجزائري، وغيرهم، وذلك أعطى القوة للحوزات العلمية والعتبات المقدسة وللزائرين الرفاه وللعراق عامة الاستقرار والاستقامة حتى كانت الحكومات تهابه وتخشاه لما يستند إليه من القدرة العشائرية المتزايدة، حيث كانت العشائر المسلحة والكبيرة سند العلماء وسند الحوزات وسند العتبات وسند المؤمنين وسند الزوار وسند الاقتصاد وغير ذلك.. قوة العشائر بقيادة العلماء فرضت حالة من التوازن بين قوة الدولة وقوة الأمة حتى جاء عبد الكريم قاسم بأمر من أسياده المستعمرين البريطانيين ففرق العشائر وجعل التضارب بين الرؤساء والمرؤوسين وخلع السلاح منهم، وقد تمكن أن يجمع من سلاح العشائر في مدة قليلة مليون قطعة في قصة معروفة مما سبب سقوط السلاح من يد الأمة وسقوط سندية العشائر من يد المراجع والعلماء وبذلك اختلف ميزان القوى وصارت القوة كلّها بيد الدولة تفعل ما تشاء بالأمة بأمر الأسياد البريطانيين مما آل بالأمر إلى حزب البعث الذي جاءت بهم بريطانيا إلى الحكم…”. (٢)

و في كتابه “إلى حكومة ألف مليون مسلم” و تحت فصل بعنوان “إيران في مهب الاستعمار” يذكر بالتفصيل تاريخ المؤامرات البريطانية في مختلف المجالات السياسية و الاجتماعية و الدينية. (٣)
و لو أردنا أن نذكر مقتطفات من سائر كتبه و لو بشكل مختصر حول الاستعمار البريطاني سيطول المقام و نخرج عن إطار البحث.

من هنا و بناءًا على ما سبق؛ فإن ما يطرح من افتراءات تستهدف التيار الشيرازي في الدوائر الإيرانية على لسان من هم في أعلى هرم القيادة كوصمه بـ “التبرطن”، لا يستدعي أي رد، ذلك لأن ذلك ليس إلا فرقعة إعلامية أراد بها رافعوها أن يفرغوا شحناتهم من خلالها، ولكن ما يمكن أن يناقش باختصار في هذا المجال هو سبب طرح هذه الافتراءات ولعله بسبب إقامة فئة صغيرة من مقلدي الإمام الشيرازي في لندن، متخذين من أجواء الحرية في عاصمة الضباب وسيلة ليطرحوا أفكارهم بـ أسلوبهم الخاص الذي لسنا بصدد نقاش صحته او خطئه..
ذلك لأن أتباع و مقلّدي الإمام الشيرازي و أخيه المرجع السيد صادق الشيرازي دام ظله متوزعين في كل مكان في أطراف العالم، و هم أنفسهم يحملون آراء و أفكار متعددة و في بعض الأحيان متضاربة، و اختلافهم نفسه يبين أنهم لم يعودوا شيئًا واحدًا، فلا يمكن أن يحمل على الجميع ما تقوم به فئة تنسب إليهم..

و من الحق أن يقال: إنّ وجود تلك الفئة في لندن قد أعطت ذريعة لأعداء التيار بـ الهجوم على الفكر الشيرازي بغض النظر عن المشاكل القديمة ..

و لنا في هذا الأمر وقفة قصيرة؛ فـ لو أردنا أن نناقش هذا الأمر بـ هدوء و بـ موضوعية تامة فـ على المنصف أن يوصم كل من اتخذ الغرب محلًا لإقامته بـ العمالة و ما شابه ولا يستثنى من ذلك تيار دون آخر فعلى سبيل المثال يحق أن يقال؛ إنَّ السيد روح الله الخميني مؤسس النظام الإيراني الحالي حينما اتخذ من باريس مقرًا له و هو محاط بـ الشرطة الفرنسية و هم يحمونه، ثم عاد بـ طائرة فرنسية إلى طهران و هو محاط بـ الطاقم الفرنسي؛ فهو إذن حسب القرائن لابد أن يكون من أدوات الإستعمار الفرنسي أو الغربي!.

و في هذا الصدد ينقل بعض المحققين ممن له الاطلاع ومضة من التأريخ المذكور حينما كان في باريس و كان يناقش موضوع تمديد التأشيرة للسيد الخميني، حيث منعت السلطات الفرنسية من تمديد فترة التأشيرة و قد جاء عند السيد الخميني ليناقش الموضوع، (٤) و رغم أن هذا الفاضل لم يشر إلى ما حصل بعد ذلك حيث كما يبدو أن الخميني قد مكث في باريس، و قد وافقت الحكومة الفرنسية بمنحه التأشيرة، فلماذا حصل هذا التغيير؟، أو هل حصل أي تغيير في السيد الخميني لـ يتحول قرار المنع بـ المنح؟، و ما هي نوعية و ملابسات هذا التغيير؟، و بالطبع لا يمكن أن نرميه بـ العمالة أو ما شابه أو نوصمه بـ “التفرنس”، و ذلك بسبب عدم توافر الأدلة و المعطيات الكافية.

لكن من باب أن الشيء بالشيء يضرب والأمثال تُضرب ولا تقاس!

الهوامش
* كاتب عراقي في المهجر

(١) الحرية و لا القفص الذهبي!، شبكة النبأ المعلوماتية بتاريخ ٢٣ أكتوبر ٢٠١٦
(٢) الإمام الشيرازي؛ من عوامل الإستقرار في العراق، فصل العشائر المتنافسة.
(٣) الإمام الشيرازي؛ إلى حكومة ألف مليون مسلم.
(٤) المشاريع الحسينية، ج٣، ص ٢٠٠، من موسوعة دائرة المعارف الحسينية.