قاسم الخياط

مرهق … متعب ينزف دماً وشيخوخة.

اسند ظهره على جدار منقض ليرتاح. برودة الجدار جعلته يستكشف جرحاً طفيفاً في ساعده الايسر. كل شيء هدأ وتلاشى .. دوي القصف المدفعي … ازيز الرصاص … القنص، إلا من صدى رشقات متفرقة مجهولة المصدر … ربما تكون صادرة عن بعض الجنود الخائفين لدرء الوحشة.

احسّ بأنه مضطرب وقلق صخب يملأ حياته ومسيرته.

اعصار مناخية … يجتاح كل الجذوع النخرة المتعفنة. يتأمل هنا وهناك في الافق … حتى الشمس تسقط في حمرة المغيب الدامي نهار صاخباً ومرعباً … وغروب هادئ وربما الهدوء هو الذي يسبق العاصفة …

اليوم قد تقهقرنا امام عدونا رغماً عنا رغم وجود الكثير من الاستشهاديين عدونا اكثر منا عدة وسلاح له الطيران محلق فوق رؤسنا والصواريخ.

بأختصار لا نملك شيئاً نقاتل فيه سوى هذه الاسلحة الخفيفة والقوة غير المنظمة التي تحولت شتات.

يتنهد تخرج آهات من صدره يقول: (الناس عبيد الدنيا والدين لعق على السنتهم …)

لا … لا كيف اقول هذا أانسى اليوم عندما تقدم رتل دبابات معه قوة مشاة لا أنسى هذا المشهد لقد قفز الفتى حاملاً قنبلة يدوية واحرق احد الدروع ما أن اتّم مهمته حتى تناثر جسده ممزقاً، اثر رشقات خارجة من فوهات مدفعية الدبابات المضادة للطيران.

وجه الشاب ينبض حباً للحياة من المفروض ان اكون انا محله قد جاوزت السبعين من العمر عشت كثيراً.

انه مشهد يبكي ويشجع الجبان فكيف اذا كان الانسان شجاع.

لا بد من يوم سننتصر من ماضيه يستمد الرجل السبعين حاضره تتجمع الافكار في رأسه ضباب ابيض يتكثف في رأسه يسحب عليها الماضي كشريط سينمائي.

آهٍ … آهٍ لم أنس ولن آنسى ذاك المحقق عندما سقطت من الاعياء والتعب بدء يركلني بكعب حذائه على رأسي حتى سال الدم على وجهي.

لم يكفه التعذيب الجسدي والنفسي … كنت عاري الجسد ممزق العضلات … غائر العينين … لا أنسى ابداً لا أنسى اية ذئاب هم يسلبون الروح والارادة تتبعها الكرامة.

كل شيء في الانسان ينتهي بالتدريج موت بطيئ.

قلة في الهواء … نتانة ورطوبة المكان.

واشدها بلية قذارة اللسان والمنطق.

المحقق يناديه: تعال يا أبن ال             … لأريك … انظر اخواتك المسلمات محجراً ثان اغمضت عيناي لم اصدق ما أرى هل يوجد ناس بهذه الوحشية؟!

اية قلوب .. يحملون في تلك الصدور مشهد أراه ولم اصدقه، ينتابني الاعياء … نساء عاريات معلقات مطالبات بالاعتراف ومع هذا لم تبحث بأي شيء.

– يحدثني: سنجلب بناتك وزوجتك اذا لم تعترف …

بناتي وزوجتي!

هل هذا معقول كل هذه الجرائم وهذه الوحشية … صدري يمتليء حقداً وغيضاً … امواج الكراهة تنتابني … اردت التقيؤ … ففقدت الوعي.

وتوالت الايام وبعدها خرجت من محاجر التعذيب والاعتقال الى الحرية .. قدم الجلاد هنئني بالسلامة … كيف هذا اذا كان الاصدقاء خائفين من وصمة العار … اين الاقارب .

الجلاد : الحمد لله على السلامة خرجت بمكرمة القيادة بالعفو الجديد بمناسبة اعياد الحزب.

ابو صلاح : لم افعل شيء استحق العقوبة عليه.

الجلاد : في كل الاحوال مبروك يجب ان تزين باب الدار بمناسبة اعياد الحزب مع كتابة عبارات الولاء.

آهٍ … آهٍ هل يمكن نسيانه؟ وكيف اشعر بالفرح؟!

وجراحي لم تلتئم بعد، لا بد من عمل …

– هل ازين باب الدار ؟!

تفتقت بديهة الرجل على هدم سور الدار الخارجي وصار ركام … وانقذتني هذه الفكرة من السجن والاحتفال باعيادهم المزورة.

وينتقل ابو صلاح الى محافظة اخرى ويبدأ غليان ضد النظام القائم.

نار ودخان في كل مكان … دوائر الحكومة في المخازن والسيارات ……؟

لا تهمه كل تلك الحرائق لأن نيران قلبه اكثر وما يهمه اكثر هو نهاية تلك المأساة وبداية تأريخ جديد لا يهم ما يحدث سوى ان ننال الحرية وثمنها الدم وسنبذله بكرم.

استيقظ ابو صلاح من ماضيه على صوت يناديه: ابو صلاح.. ابو صلاح

التفت الى مصدر الصوت فإذا هو احد اصدقائه .

صديقه: افتقدناك وبحثنا كثيراً عنك كيف حالك يا اخي .

ابو صلاح: افتقدتكم كثيراً … كيف انتم؟

صديقه: نحن الآن في الموقع لدراسة الوضع.

ابو صلاح: اذا سنذهب سوية.

وارتحل والهدف امامهم …

تمت