في تشرين الثاني من العام 1095، اطلق البابا اوربان الثاني نداء الى المسيحيين فى الغرب لحمل السيف (لتحرير الاراضي المقدسة)، في فلسطين و استطاع تحريك الالاف من البشر، فلاحين و نبلاء، و في صيف 1098 استطاع الصليبيون فتح مدينة انطاكية و امتدت غزوتهم التي عرفت (بغزوات الفرنجه) على طول الساحل لتصل في ربيع عام 1099 الى طرابلس فبيروت و تختتم باحتلال القدس في 15 تموز عام 1099

كانت (مسيرة الحرب) هذه من ابشع المسيرات التي خلفت وراءها الدمار و الكراهية، و بعد مرور ما يزيد على 897 سنة انطلقت في فرنسا مسيرة السلم او كما سماها افرادها (مسيرة المصالحة) لتعيد بناء ما هدمه الصليبيون الاوائل في حملاتهم على الشرق، و تقدم اعتذارها لشعوبه على ما قام به اجدادهم.

و بدءا من نيسان عام 1996 تشكلت ثلاث فرق من المسيحيين من 25 دولة من اروربا الغربية و اميركا، ضمت حوالي 120 مشاركا انطلقوا من كولومبو في المانيا الى تركيا سالكين الطرق التي سلكها الصليبيون في حملاتهم، و اوصلوا رسالة الاعتذار الى المسلمين الاتراك و اليهود و المسيحيين الشرقيين، و تبعهم بين حزيران 1997 و ايلول 1998 حوالي الف و خمسمئة شخص و منهم من اكمل المسيرة حتى الاسكندرون، و وصلت طلائع (مسيرة المصالحة) الى بيروت التي اعتبرها المشاركون محطة مميزة.

ثم تحدث ماتيو هاند المسؤول عن (مسيرة المصالحة) في منطقة الشرق الاوسط شارحا للراي العام اللبناني هدف هذه المسيرة، مشيرا الى وجود (مفهوم اسطوري حول ما حصل في المنطقة في الحرب الصليبية مما يؤثر على النظم السياسية في بلاد الغرب، و يضفي طابعا ماساويا حول ما حصل في تلك الحقبة). و اعتبر ان الفكرة من هذه المسيرة (كانت للتغلب على الاساطير المتداولة، فراينا ان نجتمع من بلاد اروبا الغربية و اميركا و ننطلق بمسيرة المصالحة الى بلاد الشرق الاوسط لكي نختبر شخصيا ما هو الاسلام و ما هي شعوبه).

و اضاف (نسى عبر تواجدنا مع شعوب الشرق الاوسط لاعطاء صورة واضحة عنها امام شعوبنا).

و تطرق هاند للمسيرة الاولى الى تركيا معتبرا انها (لاقت نجاحا مهما خاصة ان الاعتذار وصل الى اكبر عدد من السكان).

كما اشار هاند الى انه (لو قام عدد كاف من المسيحيين الغربيين العاديين و اخذ على عاتقه ان يقوم بشئ مشابه للمسيرة قبل الاجتياح الاسرائيلي عام 1982 لاستطاع ان يحدث فرقا حقيقيا في الطريقة التي عبر بها الغرب عن سياسته تجاه لبنان و اسرائيل).

و ختم هاند بالاشارة الى ان (مسيرة المصالحة هي خطوة صغيرة لكنها هامة، فالطريقة الوحيدة للتغلب على الخرافات و قوالب الفكر الجامدة التي سلمها لنا التاريخ ستتم بالجلوس معا و بلقاء الواحد بالاخر كاخوة في البشرية مما سيوفر جدار حماية للمستقبل).

و في لبنان سيقوم اعضاء المسيرة بجولة على الطرق لتوزيع الاعتذار على الناس، و هناك تنسيق من اعضاء المسيرة مع متطوعين لبنانيين سيعرفونهم على الطرقات و يسهلون تعاملهم مع الناس اضافة لتوليهم الترجمة. و تستمر (مسيرة المصالحة) في لبنان لمدة اسبوعين، و سيتبعهم لاحقا الكثيرون.

و المحطة التالية بعد لبنان ستكون فلسطين حيث جرى احتماع بين اعضاء المسيرة و المجلس الاسلامي الاعلى في فلسطين و مسؤولين اسرائيليين للتنسيق معهم و قد رحبوا بالفكرة و سمحوا لهم بجخول القدس، لتسليم رسالة الاعتذار لليهود و المسلمين و المسيحيين الشرقيين.

و تختتم (مسيرة المصالحة) اعمالها باجتماع يعقده المشاركون في 15 تموز 1999 في مدينة القدس بحضور القادة الروحيين و المصلين احتفالا بالذكرى الـ 900 لاحتلال الصليبيين للقدس.

الاعتذار سيصل الى الجميع و يامل افراد المسيرة ان يقبل منهم لانهم يسعون للقضاء على اساطير الماضي و آثاره السيئة، هؤلاء الاشخاص سيتنقلون في مناطق كثيرة لكنهم قد لا يقابلون كل الناس، فهذا نص اعتذارهم:

الاعتذار

منذ 900 سنة مضت، حمل آباؤنا الاولون اسم يسوع المسيح في معركة خاضوها عبر الشرق الاوسط كانوا مشحونين بالخوف و الجشع و الكراهية، و هم يخونون اسم المسيح، سالكين ضد تعليماته و شخصيته. لقد حمل الصليبيون راية الصليب ضد شعوبكم، فافسدوا معناه الحقيقي: المصالحة و الغفران و المحبة البعيدة عن الانانية.

و في هذه الذكرى المؤلمة للحملة الصليبية الاولى، نحمل نحن أيضا اسم المسيح، آملين ان ننجح في تتبع خط سير الصليبيين معتذرين عما فعلوه و مظهرين المعنى الحقيقي للصليب. اننا ناسف اشد الاسف لما اقترفه اسلافنا من جرائم شنيعة متسترين باسم المسيح. نحن نستنكر الجشع و الخوف، و ندين كل عنف يقترف باسم يسوع المسيح.

و بينما كانوا هم مدفوعين بالكراهية و التحامل، فاننا نمد يد المحبة و التاخي. لقد حاء يسوع المسيح لكي يقدم الحياة، فليسامحنا اذ جعلنا اسمه يرتبط بالموت! و اخيرا نرجوا ان تقبلوا المعنى الحقيقي لكلمات المسيح:

(روح الرب علي، لانه مسحني لابشر المساكين، ارسلني لاشفي منكوسي القلوب، لانادي للماسورين بالطلاق و للعمي بالبصر، و ارسل المنسحقين في الحرية…).

السفير (5) ايلول 1998 ـ العدد