أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية في التاسع من سبتمبر الحالي التقرير السنوي الأول حول الحريات الدينية في العالم، وقد غطى التقرير أوضاع الحريات الدينية في 194 بلداً من وجهة النظر الأمريكية وحسب التقارير التي وصلت إلى وزارة الخارجية الأمريكية من سفاراتها أو من الوكالات والمؤسسات الأمريكية العاملة في مختلف دول العالم، ويغطي التقرير الفترة من 1 يناير 1998م وحتى 30 يونيو 1999م. وعلى الرغم من أن التقرير احتوى على مغالطات وانتقادات لحكومات بعض الدول العربية والإسلامية حول ما وصفته الخارجية الأمريكية بأنه حالات من التمييز على أساس ديني وعقيدي من وجهة النظر الأمريكية، إلا أنه يمكن اعتباره مصدراً لرصد أوضاع الحريات الدينية في دول مختلفة من العالم، كما أن التقرير فضح التمييز الذي تعاني منه الأقليات المسلمة في الدول غير الإسلامية ومن ضمنها الدول الغربية ودولة العدو الصهيوني. ومن وجهة نظر الإدارة الأمريكية “مازال أمام العالم طريق طويل” قبل الالتزام بما ورد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والذي تشكل الحريات الدينية جزءاً منه، وهي ملاحظة تنطبق بالضرورة على الولايات المتحدة نفسها التي فضحتها تقارير منظمات حقوق الإنسان العالمية. إن روح الهيمنة والغطرسة هي التي تشكل سياسات ومواقف الإدارة الأمريكية منذ انتهاء الحرب الباردة وهو ما يتضح من مبدأ إصدار تقارير سنوية كهذا التقرير حول الحريات الدينية في العالم “إلا الولايات المتحدة!” وكذلك تقرير “نماذج من الارهاب الدولي”، ولم يتوقف الأمر عند هذه التقارير التي تجعل من الولايات المتحدة حكماً ووصياً على سلوكيات العالم وسياساته، بل وصل إلى حدّ إصدار “قانون الحريات الدينية الدولي” في 27 أكتوبر 1998م وهو القانون الذي صدر تقرير الحريات الدينية على أساسه. وإذا كان للتقرير الذي بين أيدينا من قيمة سياسية ومعلوماتية متميزة فهو ما ورد من مخالفات وحقائق حول العنصرية اليهودية والانتقاد الذي وجهته الإدارة الأمريكية للحكومة الإسرائيلية بسبب تلك المخالفات، وربما كان هذا التقرير من المناسبات النادرة التي تتجرأ الإدارة الأمريكية فيها على فضح السياسات العنصرية والتمييزية الصهيونية تجاه الفلسطينيين. تعترف الحكومة الإسرائيلية من الناحية الرسمية بخمسة أديان بما فيها عشرة مذاهب نصرانية، ويوجد لأتباع كل معتقد نظام قضائي ديني “محاكم” تعنى أساساً بقضايا الأحوال الشخصية. ولاحظ التقرير أن الأقلية العربية في “إسرائيل” ـ وهي تشكل حوالي 20% من سكان الدولة العبرية ـ يخضعون لأشكال مختلفة من التمييز، فالحكومة اليهودية لا تقدم للمواطنين العرب فيها نفس المستوى من التعليم والإسكان وفرص التوظيف والخدمات الاجتماعية التي تقدمها لمواطنيها اليهود، كما أن الإنفاق الحكومي الإسرائيلي والدعم الذي تقدمه الحكومة الصهيونية للمناطق غير اليهودية لا يمكن مقارنته بالدعم الكبير الذي تلقاه المناطق اليهودية، وأبرز التقرير الأمريكي جهود المنظمات العربية في فلسطين المحتلة عام 1948م في تحديها ومواجهتها للخطة الحكومية الرامية إلى تطوير المناطق الشمالية في “إسرائيل” والتي تضم التجمعات اليهودية في منطقة الجليل الفلسطيني وتوسيع هذه المناطق بطريقة تحاصر القرى والمدن العربية وعزلها. ويتضح التمييز أيضاً في المساعدات المالية التي تقدمها الحكومة الإسرائيلية للمؤسسات الدينية اليهودية كالمدارس والمعابد وغيرها والتي تلقى رعاية فائقة لا يمكن مقارنتها بما تقدمه للمؤسسات الدينية العربية المسلمة والنصرانية والدرزية التي لا تحصل إلا على 2% فقط من ميزانية وزارة الأديان الإسرائيلية. وقد اشتكت المجموعات البروتستانتية وغيرها من المجموعات النصرانية من تباطؤ الشرطة الإسرائيلية في التحقيق في حوادث المضايقات والتهديدات وأعمال التخريب التي استهدفت اجتماعاتهم وكنائسهم ومنشآت أخرى تابعة لهم من قبل جماعتين يهوديتين متشددتين هما: “ياد لاخيم” و “ليف لاخيم”. ومن أفعال التمييز الواضحة التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية ضد غير اليهود منح المواطنة الإسرائيلية وحقوق الإقامة بشكل تلقائي للمهاجرين اليهود وعائلاتهم واللاجئين اليهود بموجب “قانون العودة”، ولا ينطبق هذا الأمر على غير اليهود أو حتى على من هم من أصل يهودي وتحولوا إلى ديانة أخرى. ويشير التقرير إلى ظاهرة الانشقاق في المجتمع الإسرائيلي المتدين نفسه، فالسلطات الدينية اليهودية الأرثوذكسية تسيطر سيطرة مطلقة على معاملات الزواج والطلاق ودفن موتى اليهود، وهي لا تعترف بمعاملات الزواج أو التحول إلى الديانة اليهودية التي يقوم بها حاخامات من غير الأرثوذكس، وكان هذا الأمر محل نزاع خطير في المجتمع الإسرائيلي. وكشف التقرير عن حالات منعت الحكومة الإسرائيلية فيها مسلمين عرباً من أداء فريضة الحج لأسباب أمنية، كما أنها تفرض عليهم شروطاً معينة للسماح لهم بالحج كأن يكون المواطن الذي يرغب في أداء الحج فوق الثلاثين من عمره، إذا لم يكن حاصلاً على تصريح رسمي بمغادرة “إسرائيل”. “شهود يهوه” من جانبهم قدموا خلال الفترة التي غطاها التقرير أكثر من 120 شكوى بخصوص حالات اقتحام نفذتها جماعتا “ياد لاخيم” و “ليف لاخيم” لاجتماعاتهم في مناطق مختلفة إلا أن السلطات الإسرائيلية لم تقدم أياً من أعضاء الجماعتين المتطرفتين إلى القضاء بخصوص تلك الشكاوى. وأشار التقرير إلى أن العرب في “إسرائيل” لا يحصلون على تمثيل يتناسب مع عددهم في الاتحادات الطلابية والكليات والجامعات وفي الوظائف العليا، كما أن العرب الذين يحملون مؤهلات علمية لا يحصلون على فرص عمل تتناسب مع تلك المؤهلات، وأكثر ما ينطبق هذا التمييز على من يحملون شهادات الدكتوراه، ولم يصل إلى المناصب العليا في أجهزة الدولة سوى عدد صغير من “عرب إسرائيل”، ومعظم هؤلاء يعملون في دوائر الشؤون العربية في الوزارات المختلفة. ويعاني الأطفال العرب الذين يشكلون ربع طلاب المدارس الحكومية من تمييز واضح في الخدمات التعليمية المقدمة لهم مقارنة مع أقرانهم اليهود، فكثير من المدارس الحكومية في المناطق العربية قديمة ومتهدمة ومكتظة بالطلاب ولا تتوافر فيها خدمات التعليم الخاص، ومكتباتها تفتقر إلى الكتب ولا توجد فيها ملاعب للرياضة، كما أن المناهج التعليمية في المدارس الحكومية تؤكد على الهوية اليهودية لإسرائيل وتتجاهل الثقافة لعربية