الحقوق .. الدليل الى النجاح

ابو نخلة

لقد رسم لنا الاسلام منهجية واضحة تتكفل الأخذ بايدينا الى النجاح اذا ما التزمنا بها وسرنا على هداها دون انحراف او تخلف او تردد، والمشكلة ليست في اصل المنهج، وانما في طريقة تعاملنا معه، وفي طريقة فهمنا وتفسيرنا له، لأننا غالباً -وللأسف الشديد- لا نتعامل مع المنهج بتجرد الحريص وصدق الواثق وانما نتعامل معه باهوائنا ورغباتنا وبما نراه الأقرب الى وعينا القاصر ومصالحنا الضيقة وواقعنا المرير وانانيتنا القاتلة.

واذا اردنا ان ننجح ونتفوق ونلمس آثار الآية الكريمة التي تقول (وان لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً غدقاً) يلزمنا أولاً: ان نتعامل بجد وصدق وحرص مع المنهج الذي رسمه الاسلام والذي لا يأتيه الباطل من يديه ولا من خلفه، فنستوعبه كما رسمه الاسلام ونفهمه كما اراد لنا ذلك رب العزة والجلال، وان خالف اهواءنا وتقاطع مع واقعنا او حتى مع ما نحمله في اذهاننا من تصورات وآمال وتوقعات.

ومن بين اهم فصول هذا المنهج، هو فصل الحقوق التي رسم معالمها وحدد خطوطها الاسلام باعظم ما يكون، واذا كان العالم اليوم يتفاخر بشرعة حقوق الإنسان التي اصدرها بعد الحرب العالمية الثانية، اي قبل نصف قرن فقط، فإننا نفتخر، ويحق لنا ذلك، بان الاسلام كان قد اصدر لائحة حقوق الإنسان قبل (14) قرناً نجدها مكتوبة في القرآن الكريم وفي نهج البلاغة للإمام علي(ع) وفي رسالة الحقوق للإمام السجاد(ع) وفي غيرها من كتب الحديث والسنة التي جمعت اقوال ائمة اهل البيت(ع) الى جانب احاديث الرسول الأكرم(ص).

ولا نريد هنا ان نفصل الحديث عن موضوع حقوق الإنسان، وانما نحاول ان نثبت الخطوط العامة لهذا الموضوع والذي نستوحيه من احدى خطب الإمام علي(ع) والتي طالما كان الجهل بها سبباً لتجاوزنا حدود حقوقنا والاعتداء على حقوق الآخرين، حاكمين ومحكومين. ولذلك نرى ان وعيها هو الدليل الواضح الذي سيقودنا الى النجاح والى تحقيق الخطوط المرسومة.

اما ابرز الخطوط العامة فهو ما يلي:

اولاً: ليس لاحد في هذا العالم حقوقاً من دون واجبات، وليس لاحد كذلك حقوقاً دون ان تكون عليه كذلك، فالحقوق مبادئ متبادلة لكل انسان له وعليه، وان من يريد ان يتمتع بحقوقه من دون ان يعطي الآخرين حقوقهم، فذلك هو الظالم المعتدي.

ثانياً: ان اعظم الحقوق التي افترضها الله للناس وعليهم، هي تلك المتعلقة بالوالي والرعية، على اعتبار ان الحكومة والسلطة او النظام هي سنام الامم. فإن صلحت صلح حال الامة وان فسدت فسد حالها.

ولذلك يجب ان نعرف اولاً ودائماً حدود هذه الحقوق حتى لا يتجاوزها الحاكم، ولا تقصر فيها الرعية، وعندها سيكون الحكم عدلاً وتكون الرعية كذلك عدلاً، لا الحاكم يظلم الرعية، ولا الرعية تظلم راعيها، في معادلة دقيقة تبدأ وتنتهي بالحقوق التي لهما وعليهما.

ثالثاً: ان الحقوق لا تراعى إلا بالتناصح والتعاون، لان من طبيعة الإنسان انه يحاول التجاوز على حقوق الآخرين كلما سنحت له الفرصة، ولو كان الأمر بيده لسعى الى ان يجر كل الحقوق لنفسه ولا يترك منها شيئاً للآخرين، حتى الرزق والهواء، كان يمكن ان يستخدمها الإنسان آلات لظلم أخيه الإنسان لو ان الله تعالى كان قد فوضه امرهما، ولذلك يجب ان يتناصح الناس فيما بينهم ويتعاونوا على تنظيم الحقوق للجميع، من اجل ان لا يتجاوز احد على حقوق احد، ولا يتجرأ احد على احتكار الحقوق لنفسه ويمنعها عن الآخرين.

رابعاً: ان من الخطأ تصور ان الحقوق لا تعطى لأحد ابداً، بل انها تؤخذ واحياناً بالقوة لذلك اجاز الله عزوجل لعبده الحرب اذا ما اعتدي عليه فقال عز وجل: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم)، اما ان نترك الأمور على عواهنها ونستريح ظناً منا ان هناك من سيدافع عن حقوقنا اذا ما اغتصبها ظالم ومعتدي، فعند ذلك ستسحق الحقوق ويكون الظلم والعدوان سيد الموقف.

يلزم اذن التضامن من اجل التمتع بحقوقنا وتمتع الآخرين كذلك بحقوقهم من دون ظلم او عدوان لا لنا ولا علينا.