الكلمة هي الحياة. لقد كانت في البدء امرا الهي.. و هي تجمعنا اليوم، و غدا،وبدءا بافذاذ الخليقة و رواد حياة الانسان، و الكلمة المسطورة بصفة خاصة ذات مقام يتناسب مع دورها، انها السفير الابدي الذي يقضي العمر جوابا بين العصور و الاجيال يصل بينها ما انقطع و يحيي ما اندثر.

اطفئ الكلمة، تنطفئ كل شموع الحياة، و اذا كان الفكر قانون نفسه، فالكلمة كذلك. الفكر في التحليل النهائي له هو الكلمة.. و حرية التفكير تعني في الوقت نفسه حريةالتعبير. و اكثر الافكار عظما و نفعا لا تساوي شيئا ما اذا ظلت هواجس مخبوءة في سريرة صاحبها و لكنها تؤتي نفعا و تصير افكارا عظيمة حين تبزغ في كلمات يقرؤها الناس و يتدارسونها.

و كل الحقوق التي تصون سيادة الفكر، انما تصون في الحقيقة سيادة الكلمة.. لاكنك تستطيع ان تدير في خاطرك اكثر الافكار خطرا دون ان يحس بها احد او يؤاخذك عليها.

لذلك فان مقاومة الكلمة كمقاومة الشمس..

و الذي يبسط كفه الى الشمس لخنقها و يطفئها ليس اكثر حماقة و سذاجة من الذي يحاول خنق الفكر و اطفاء نوره..

و حين يبدو ان هناك ضرورة لقمع الكلمة دفاعا عن التقدم فان ذلك لا يعني ان الكلمة و التقدم في خصومة، انما يعني ان خطا قد وقع، اما في طريقة استخدامنا للكلمة واما في طريقة فهمنا للتقدم، و اما في طريقة الملاءمة بين الصالح الخاص و الصالح العام. و مهما يكن من امر فان التضييق على الفكر لا يخدم قضية التقدم و لا يخدم الحرية و الابداع الضروريين للتطور.

لان في الكلمة الحرةالنافعة الهادفة تكمن ازكى ضرورات الحياة الانسانية. فالنفع الذي تمنحه سيادة الكلمة يفوق كل نفع آخر..

و الفرد، و الدولة و الامة،.. هؤلاء الثلاثة لا يجدون ذواتهم و حقيقتهم الا من خلال الكلمة الحرة النافعة البناءة و الفكر المبدع المفيد للجميع.. ان تقييد حرية الكلمة في مجال الدين و الاخلاق او في مجال السياسة و الاقتصاد، هو الذي عطل ارتقاءنا الديني و الاخلاقي و عطل أيضا تقدمنا السياسي و الاقتصادي.. و اذا كانت حرية الكلمة، الطريق الاوحد لكشف الحقيقة، فان الحقيقة يتاخر كشفها بقدر ما نضع على الكلمة من قيود.. و التجربة الانسانية في كل حين تؤكد هذا تماما..

ان كل العقائد و النظريات و الافكار تفقد بهاءها و صدقها و عظمتها و استمراريتها و تاثيرها حين تقوم على اساس وخيم و خاطئ من الشعور بان حرية القول لها وحدها.. لان اية عقيدة او فكرة او منهج يضع نفسه فوق النقد تفلت منه الفرص اللازمة لتطويره و تنقيته و تنميته. كما انه بهذا يصير فريسة سهلة للتعصب و الانطواء..

ان العقيدة التي تحرم حرية الفكر و الكلمة في الوقت الذي نهضت هي فيه على اكتاف هذه الحرية انما تعلن فقدان مشروعيتها.. لان جميع العقائد و الفلسفات، استمدت وجودها من حرية الكلمة و سيادة الضمير…

سعيد محمد السعيد (الكفاح العربي)