كثرا ما يتردد السؤال التالي، ما هي الثقافة؟

و الجواب: انها منظومة من الرؤى و الافكار المؤثرة في حياة الانسان والتي تحدد مسار سلوكه و طبيعة مواقفه.

و على هذا لا تعتبر العلوم الطبيعية من الثقافة، بالرغم من تاثيرها غير المباشر على الفكر و السلوك.

كذلك ان الفكرة اليتيمة التي لا تنتظم الى غيرها و لا تشكل مجموعة مترابطة لا تسمى ثقافة، كما تدل كلمتها هي الفكرة التي تقوم الانسان، اوليست العرب تقول ثقف العود و تعني انه عدله؟

و هذا سر الصعوبة الصعوبة البالغة في تحديد ثقافة الفرد و فرزها عن الافكار الشاردة و عن القضايا العلمية المجردة، و بالذات في هذا العصر حيث تضخ الوسائل التوجيهية المختلفة (كتب، مجلات، جرائد، اذاعات مسموعة مرئية، و افلام و صور، و، و،) في اجوائنا حشدا هائلا من الافكار و التوجيهات و بهذا لم يعد الانسان المعاصر يعاني من قلة الافكار (كمّا و نوعا) و لكن من كثرتها المتزايدة، حتى انه لا يقدر على تقييمها و انتخاب المفيد منها، و لذا نراه يتخذ موقف اللامبالاة منها، دون ان يعرها أية اهمية تذكر.

و لا يغيب عن بالنا ان لكل انسان شخصيته التي تمنحه التميز والاصالة، كما ان له ظروفه و مصالحه و اهدافه المحددة، و الثقافة النافعة هي التي تنسجم بنسبة معقولة مع هذه الشخصية، و لقد اوتي كل فرد قدرة التمييز، و لكن حين يواجه حشدا هائلا من الافكار يكون حاله كمن يكلف بشراء مزدحم، انه تكليف شاق و من هنا ترى الناس بين من لا يختار فكره (و يصبح اميا من الناحية العلمية) او يختار بلا هدى من عقله و من واقع شخصيته المتميزة (فيصبح ذا شخصية متناقضة داخليا).

و نعاني – نحن المسلمين – اكثر من غيرنا من هذه الصدمة الثقافية، لاننا ننتمي الى حضارة اصيلة، و نتميز في قيمنا و تاريخنا و اهدافنا و مصالحنا عمن يملك ناصية الثقافة العالمية و هم المسيطرون على التقنية (اميركا و اروبا بالذات).

فلا نستطيع الانغلاق دونها و لا يصلح لنا الاسترسال معها، و الطريق السوي هو انتخاب النافع، و لكن ضمن أي معيار و كيف، و امواج الثقافة الغربية تغمرها غمرة بعد غمرة؟

حينما يصعب على الفرد ان يختار لوحده كل ما ينفعه، لا بد اذن من المؤسسات التي هي جهد عقلي مشترك من اجل البحث عن صيغة مثلى للثقافة.

و المؤسسة الشرعية و المثلى عندنا – نحن المسلمين – هي المؤسسة الدينية و من اجل الوصول الى الثقافة الصافية تقوم بما يلي:

1 – تحديد الهدف:

أي حاجة لنا في الثقافة؟ هل نحن بحاجة الى تفجير الطاقات و اقامة افضل العلاقات بين ابنائنا و الى تطهير مجتمعنا من الاغتراب الروحي و من الذوبان في بوتقة الآخرين، و بالتالي الى المزيد من النقاء و الاصالة؟

انها حاجات خاصة علينا ان نسعى لاشباعها من خلال تغذية اجوائنا بافكار خاصة، فهل كل دواء ينفع لكل مرض؟ كلا، ان على الطبيب قبل ان يصف عقارا، أن يحدد المرض بدقة، و كذلك حال الثقافة.

ان اية مؤسسة ثقافية عليها دراسة اعمق لسيرة الامة و اهدافها الحضارية الكبرى، ثم كشف العلاقة بينها و بين الثقافة ثم تحديد مسار الثقافة لها.

2 – معايير الانتقاء:

و علينا في هذا المجال ان ننمي في الجماهير القدرة على انتزاع الافكار الرئيسية، و الحصول على جوهر و لباب الموضوعات التي تقرأ او تسمع، لكي يقوموا باستخراج الفكرة الحقيقية لا ان يصب اهتمامهم على الظواهر، و مثل هذا العمل يعد قدرة و مهارة كبيرتين في عالم الثقافة لا يتسني لكل شخص الحصول عليهما، أي ان هذه المرحلة تعتبر مرحلة متقدمة من قدرة البحث، فليس كل انسان قادرا على اكتشاف و تحديد ما يقصده الطرف الاخر، فهناك بعض الكتّاب و المتكلمين يمتلكون قدرا من الذكاء يساعدهم على ان يخفوا افكارهم الحقيقية فلا يصرحوا بها، بل يوحون بها ايحاء ليقتنع القراء بافكارهم من دون تمحيص، فاذا ما استطعنا اكتشاف خلفيات احاديث الاخرين، و مرتكزاتهم الفكرية، فاننا سنكون قد وصلنا الى مرحلة متقدمة من القدرة على تقييم الثقافات المختلفة.

و هكذا فان من اهم اهداف المؤسسة الثقافية هو نشر المعاير التي ترفع من قدرة التقييم عند اوسع الجماهير.