لم يدر ماذا يقول القائل في مقام رده على ما يثار ضد الدين الاسلامي الحنيف من الاقاويل الباطلة، ولم يدر الكاتب اين يضع يده، وفي مقابل من يمكنه ان يضع نفسه، فسهام الحقد توجه من كل حدب وصوب لهذا الدين الالهي القويم لا  لشيء إلا لأنه لا يناسب اهوائهم ونزعاتهم الدنيوية.

فاعداء هذا الدين – ومنذ صدر الرسالة إلى الآن – حرصوا على خلق المثالب لهذا الدين وأهله ومحاولة تشويه صورته امام الخلق كيما يقفوا حائلا بين الناس وبينه، والمنافقون شمروا سواعدهم لهدم هذا الدين من داخل كيانه، كما ان الجهلة من المسلمين يجرون بجهلهم على الإسلام ما يساوي الضرر الواقع عليه من اعدائه إن لم نقل بتفوق اثرهم على التاثير الذي يجره اولئك على هذا الدين.

و الموضوع الذي اريد تناوله هنا هو موضوع طالما اثير من قبل اعداء الدين ومن حذا حذوهم، وهذا الموضوع كان الاعداء قد دخل اليه من زاوية حساسة فانطلى على البعض خبثهم فيه ولم ينطل على الآخر.

الموضوع هو فرض مسألة الحجاب وايجابها على المرأة من قبل الدين الاسلامي.

لقد استغلت مسألة الحجاب باقصى صور الاستغلال ضد الاسلام حيث يرى اولئك باننا وعلى اعتاب القرن العشرين والذي يجب ان تتحرر فيه المرأة من نير الظلم الذي صب عليها لا لشيء إلا لكونها انسان ضعيف في بنيته، فاقتضى ذلك تسلط الرجل عليها.

بدءاً اقول ان الحجاب لم يكن من الامور التي استحدثها الدين الاسلامي واستقل بها، انما سبقه إلى ذلك اديان وامم فاذا اثيرت الاشكالات على هذا الامر فيجب ان تثار على الجميع فلماذا يخص بها الدين الاسلامي دون غيره.

فالامر «الثابت تاريخياً هو ان الحجاب قبل الإسلام كانت له مصداقية لدى بعض الأمم» فاليهود مثلا كانوا يفرضون الحجاب على المرأة وربما بصورة قاسية، والفرس كانوا كذلك،و الهنود، وغيرهم من الامم. فقد ورد في كتاب قصة الحضارة لكاتب (ويل ديورانت) القول بانه «كان في وسع الرجل ان يطلق زوجته اذا عصت اوامر الشريعة اليهودية، بان سارت امام الناس عارية الرأس».

ان وجود مسألة الحجاب في الامم السابقة للاسلام وفي الإسلام كذلك لهو دليل على عدم منافاة المسألة للعقل بل على العكس من ذلك يدل قبولها على ملائمتها له وللفطرة الانسانية التي تميل دائماً إلى حفظ المرأة ما امكن ذلك. فمما يناسب الذوق والفطرة كون المرأة محتشمة.

اما ما اثير حول ذلك من ضجة من كون فرض الحجاب تجاوزا على حقوق المرأة الطبيعية التي اراد الله لها، والذي يؤدي إلى تجميد طاقات المرأة وفعالياتها وتعطيلها فنقول في ذلك:

ان الذي أثار نقاطاً كهذه لم يوضح لنا ما هو الترابط بين الطاقات الكامنة في المرأة وارتدائها الحجاب؟ فها هي المرأة في الدول الاسلامية تدرس إلى جانب الرجل، وتعمل إلى جانبه بنفس الكفاءة التي يقوم بها الرجل – بما يتناسب وطاقاتها البدنية طبعاً – ولم نعهد الحجاب سجّانا للطاقات ومعطلً لها يوماً.

ان المناهضون للاسلام «لم يميزوا بين الحجاب الاسلامي وغير الاسلامي» لذلك سعوا إلى ابراز جملة ممارسات ظالمة، وأظهروا للعالم – من خلال وسائل اعلامهم المتقدمة – بان الحجاب الاسلامي أنما ينطلق أساساً من هذه الممارسات غير المرضية وذلك قصداً فهم في إظهار الحجاب بوصفه عملاً ظالماً وممارسة جاهلة.

* فقد صوروا الحجاب الاسلامي بكونه ينطلق من منطلق الرهبنة.

ان مثل هذا الاتجاه لا ينسجم مع روح الإسلام ولا مع سائر احكامه فقد ورد في الأثر عن ذلك الحديث:

(لا رهبانية في الإسلام)

* كما اعتبر البعض منهم الحجاب بانه جاء نتيجة عدم الأمن والاستقرار في المجتمع الإسلامي، فكما ان الانسان يدفن أمواله أو يخيفها خوفاً عليها كذلك الامر في المرأة.

نقول هل ان العصر الحالي هو العصر المثالي من ناحية امنه واستقراره، فهناك احصائيات مرعبة حول الاعتداءات الجنسية التي تمارس في العالم المتقدم صناعياً الآن فاذا كانت العلة في تشريع الحجاب هي فقدان الأمن كما يدعي هؤلاء فالاجدر بالعالم المتقدم بناءاً على ما يعيشه من فقدان الأمن أن يفرض الحجاب لا أن ينتقده.

* كما قرن أخرون بروز ظاهرة الحجاب بالحسد الذي يملكه الرجل والذي بمقتضاه يستاثر بالمراة عن ان يراها الآخرون ولو بالفطرة.

نقول اذا كان الامر كما يزعمون فمن الذي يفرض الحجاب على البنت غير المتزوجة والمطلقة وغيرهما من النساء؟ فهؤلاء النساء لا أزواج لهن كي يستاثرون بهن ويدفعهم حب الأثرة إلى حبسهنّ حتى عن انظار الآخرين.

هذه بعض العلل التي ساقها اولئك لبروز ظاهرة الحجاب، ولكنهم اغفلوا شيئاً جدلهم في المقام هو انه هناك نظريات علمية في اساس الاخلاق الجنسية للمرأة، وأدق هذه النظريات ترى:

«ان الحياء والعفاف عبارة عن سلوك تمارسه المرأة نفسها بحكم لون من الالهام الغريزي. بغية ان تعز نفسها وتحفظ مقامها مقابل الرجل.»

اذن فالحياء والحشمة امر فطري غريزي لدى المرأة «فقد ادركت النساء ان بذل انفسهن للرجال سبب للطعن بهن وتحقيرهن، وقد لقّنّ هذا المفهوم لبناتهن».

لقد ادرك الباحثون بان مسألة الحجاب الاسلامي لا تستند على ما مر من التبريرات الخاطئة وانما هناك فلسفة خاصة ومتميزة للحجاب الاسلامي توجه الحجاب وتبرره عقلياً، «و يمكن ان تعد من زاوية تحليلية الاساس لنظرية الحجاب في الإسلام فالحجاب في الإسلام يعود إلى عوامل عديدة هي:

1) التوازن النفسي: لفهم هذه الحقيقة ينبغي الاشارة إلى امرين هامين:

أ: وجود الجشع الجنسي.

ب: الاهتمام اللامتناهي للرجل بالمرأة دون غيرها مما يحيط به.

وبما ان روح الانسان مؤهلة للإثارة بشكل كبير تبين وجوب إتخاذ ما يحد من تلك الاثارة.

2) العوامل الاسرية: فالاسلام يرى محدودية العلاقات الجنسية بالاسرة فقط فلا يجب ان يتسع محيط ذلك إلى غير الاسرة.

3) رفعة المرأة واحترامها: فالمرأة بقدر ما تكون عليه من العفة والحياء بقدر ما ترتفع في اعين المجتمع والعكس بالعكس. فالمرأة كالكنز وقيمة الكنز بالمحافظة عليه كما يقول الشاعر في ذلك:

مفاتنكِ ككنز  فاحفظيها                وعز الكنز ان يبقى مهابا

فالاسلام لم يكن قد أجحف حق المرأة في تشريعه للحجاب، انما نبهها إلى ما يلائم فطرتها وطبيعتها.