العنف واللاعنف مظهران لأسلوبين متضاربين من اساليب الانسان في التحرُّك في الحياة. ما دام هناك خير وشر، حق وباطل تتصارع، وهناك اساليب وادوات لهذا الصراع، فمرّة يكون العنف اداة لفرض ارادة معينة، ومرة يكون رد فعل على العنف الاول، خصوصاً عندما لا تكون هناك فرصة لرد العنف غير العنف المضاد.

ولعل العنف كاسلوب، يختزن في داخله عجزاً عن الاقناع او تكون وراءهُ قضيّة غير عادله. وفي كلتا الحالتين لا يمكننا ان نتصور توقف هذا العنف دون بلوغ غايته اللامشروعه في سلب ارادة الناس واستمرار الظلم، الا برد عليه وايقافه بالقوة. ذلك لأن منطلق هذا العنف هو العجز في الاقناع، وارادة ابتلاع الغير، وهذا المنطلق غير خاضع لكي يحل بالمنطق.

ونحن اذ نحاول ان نثير مسألة اللاعنف يجب ان نميّز بين فعل العنف والعنف كرد فعل عليه، ودوافع كلٍّ منهما، لكي لا تختلط الامور وتصبح هذه الفكرة عائمة بلا وضوح ولا حدود ولا هدف.

اذاً فما الهدف من طرح اللاعنف؟

الهدف ـ في تصوري ـ من طرح اللاعنف هو جعل الانسانية يتعامل مع قضاياها بعيداً عن الاساليب اللامشروعة، والقهر والالغاء، في اجواءٍ نضيفةٍ بعيدةٍ عن التشنج.

كيف اذاً تتعلم الانسانية التعامل مع قضاياها بشكل سليم؟

هذا العنوان الكبير ـ الانسانية ـ ليس طبقةً واحده ولا اتجاهاً واحداً، انها طبقات عديدة واتجاهات عديدة ومصالح ذاتية متضاربة، قوي وضعيف، غني وفقير، حاكم ومحكوم، ظالم ومظلوم…

كيف نفترضُ ان تتقبل كل تلك الاطراف المتناقضة فكرة اللاعنف مع تضارب المصالح وإختلاف الوسائل والعنايات؟

اليس يجب ان تتحرك فكرة اللاعنف ضمن منظومة من الافكار والمثل السامية التي يراد لها ان تتحول الى ثقافة في المجتمع مثل العدالة وحق الانسان في الاختيار المسؤل؟

فان تحول اللاعنف والعدالة وحق الانسان مثلاً الى ثقافة في المجتمع يحولها الى تيارٍ يستطيع ان يحرك الواقع حركة نضيفة مؤثره.

ولكن بغياب العدالة وحق الانسان:

هل تجدُ فكرة اللاعنف ارضاً صالحة لكي تصبح ثقافة عامة مع وجود طبقية في انظمة الحكم؟

لمن نوجه الدعوة بنبذ العنف في نظام حكم طبقي:

ان الطبقة الحاكمة التي تسيطر على كل مراكز القوة وتتسخرها ضد الطبقة المحكومة لغصبها كل حقوقها وسحق ارادتها؟

ام ان الطبقة المحكومة العزلاء تماماً عن اي مركز للقوة والمجردة من حقوقها؟

وفي النظام العالمي القديم والجديد المبني علي اساس حكم الاقوى وفرض ارادته ورؤاه وتصوراته ومصادرة حقوق الاخرين، من اين نبدأ وهذا النظام لا يسمح الا بما يدعم موقفه فيستغله ويوجهه لصالحه؟ فهل يكون اللاعنف قميص عثمان او مصحف معاوية وعمرو بن العاص لاستغفال الناس وشل مقاومتهم للظلم ومطالبتهم بحقوقهم بالايحاء لهم وعن طريق شعارات رنانة او كلمات حق يراد بها باطل بان هذه المقاومة والمطالبة بالحقوق هي عنف ومظهر من مظاهر التخلف والهمجية مثلما رفع شعار الارهاب ضد تلك المقاومة؟

الا يجوز ـ بل يجب ـ استخدام العنف ضد من لا يقبل بمبدأ اللاعنف ويتخذ العنف وسيلة لبلوغ غاياته اللامشروعة وفرض ارادته؟

اي وبعبارة اخرى الا يجوز مواجهة العنف بالعنف ليس من اجل العنف لكن من اجل السماح لفكرة اللاعنف ان تتحول الى ثقافة في المجتمع بفك (حصار) العنف وكسر قيده عن المجتمع في عالم مجنون، مجنون بالعنف الصارخ او المزوق الظاهر بمظهر (حضاري) وقانوني كأن يكون قراراً من مجلس الامن مثلاً؟ هذا المجلس الذي من حق خمسة من اعضاءه فقط قبول ورفض ما يشاؤن، ويتحكمون وفق مصالحهم بحركة الواقع رغماً عن الجميع.

ذلك من ا جل ان لا تكون اللاعنف مجرد كلمة بلهاء نتحمس لها دون ان نعي حقيقة الواقع والقوى التي تحركه.

دور حمامة السلام جميل وانساني اذا لم يكن هناك من يتربص بها ليذبحها ويأكلها في صحة السلام واهله ودعاته!!!