الدكتور الشيخ محمد علي احمد ابراهيم آل احضيه

لا تجدني قد بالغت اذا قلت: جلنا يدرك ـ ان لم يكن كلنا ـ اي نوع من الوشائج اقام الاسلام بها اهله وذويه ـ وهي التي عجزت ان تجود بمثلها مفكرة ديانات اهل الارض وعباقرتها.

كما لا تجدني جاوزت الحقيقة اذا قلت: ان كثيراً منا يعرف كنه تلك الوشائج وحدودها، وعلى اسسها دين الله، واقام دعائمها، وما يهدف منها؟

وكلنا يدرك ان الله ـ تبارك وتعالى ـ قضى لأنبيائه ورسله جميعاً ديناً واحداً، جعله عقيدة ونظاماً، تسير على منهاجه الامم على اختلاف عصورها ولغاتها واعراقها الا وهو الاسلام (إن الدين عند الله الإسلام) به بدأ آدم (ع) وبه ختم نبينا محمد (ص) (اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام ديناً)، فمن قبل به وآمن وافاه آمنا مطمئنا يوم الفزع الاكبر، ومن حاد عنه وارتضى غيره، فقد جاءه الوعد الالهي حاسما جازما (ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الاخرة من الخاسرين)

ترى ما الاسلام على البساطة؟

فهل هو إلاّ جماع المثل العليا التي تسمو بالنفس الانسانية عن عالم الغرائز، وترتقي بها عن البهيمية المظلمة الى عالم الروحانيات ورفعة الذات، دون ان تهمل ما للغريزة من حق بحيث تراعي تركيبة الانسان المتوازنة القائمة على الروح والجسد، العقل والشهوة، وعلاوة على ذلك انه العلاقة الحقة الفريدة بين العبد وخالقه.

لقد تميز الاسلام على ما سواه من الملل والنحل بأن افترض الله ـ عز وجل ـ فيه الامر بالمعروف، والنهي عن المنكر، هذه الميزة التي قالت عنها السيدة الزهراء (ع) في خطبتها الشهيرة: (والامر بالمعروف مصلحة للعامة).

الى جانب هذه الميزة نضّر القرآن واحداً من مبادئ الاسلام العظيمة، ذلك المبدأ الذي افتقرت اليه الكثير من الديانات والقوانين التي ابتدعها الانسان، وهو يرى فيها مواكبة العصر وعجلة التطور، وهي انما تعج بالقصور لقصر الانسان في مداركه بما يحتاجه صنفه من تشريعات تحفط له احتياجاته من جانب وكرامته من جانب اخر في موازنة دقيقة، فإذا بوحي السماء يسد الفرجة التي من خلالها ينفذ الشيطان على اهل الارض ويقطع عليه طريقة، فيصدع عن الحق ـ تعالت اسماؤه:

(والمؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض، يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويقيمون الصلاة، ويؤتون الزكاة، ويطيعون الله ورسوله، اولئك سيرحمهم الله ان الله عزيز حكيم) التوبة 71.

هذه الاية المباركة رسمت بدقة متناهية طريقاً مستقيماً يسير عليه المسلمون، ووضعت منهج حياة كريم عبر العصور لامة متقدمة راقية في تعاطيها مع المستجدات والامور المستحدثة في الحاضر والمستقبل منذ ان نضرت ولاية المؤمنين على بعضهم البعض، ووعدت بما يعز على النفس التواقة إلى الخير. أي وعد هذا الذي صدفت عنه الأمة، وعدلت الى ما سواه من وعود السراب؟

انه وعد الله بالرحمة الالهية، وهل بعد الرحمة الإلهية من نعمة او نعيم اجل واسمى واعز.

(وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن، ورضوان من الله اكبر ذلك هو الفوز العظيم) التوبة 72

اذن لنعد الى رشدنا قليلاً ـ ولا اقول الى الوراء ـ فهي تحمل معنى الرجوعية في الافكار والسلوك لدى كثير من فتياننا وفتياتنا فهم يمقتونها؛ إذ العالم اليوم وركب الحضارة يسير حثيثاً نحو التقدم والرقي. ولنقف وقفة تأمل وتروي؛ فنرى موضع اقدامنا وأين نحن من إسلامنا، وما جاءت به الآية الكريمة السالفة، وغيرها من الآيات المباركة والسنة النبوية الشريفة ـ ولا يتصور اي فرد منا ان الاسلام يقف بوجه التقدم والازدهار لحظة ما، بل يكرس ذلك، فهل لا زلنا على صلة وثيقة بديننا وتعاليمه الرشيدة، ام زاغت منا الابصار، وزلت بنا الاقدام وسرنا حثيثاً نحو الهلكة والردى؟ والا فما معنى سلوكنا هذا وكم بعدت بنا الشقة حيث استجبنا لوعود الشرق والغرب، وهم لا يقدمون لنا ما فيه خير وهدى وما يسمو بالنفس الى ما فيه الخير والصلاح والرفعة، بقدر ما ينفثون في مجتمعاتنا من سموم وضلال، وما وصلوا اليه من انحطاط في الاخلاق وترد في السلوك، واباحية لا تقف دونها غيرة أو مروءة أوشهامة أو كرامة، ولا يحدها حد او يحجزها قانون فهم يرسلونها عبر الهواء مباشرة اولا بأول ويوافي ما يضاف الى ذلك حيث ان الكثير من شبابنا وشاباتنا يجيدون لغة الحواجب ويتقنون رطانة الرموش وابتسامة القسمات فإذا بالمحصلة كما يقول المرحوم شوقي:

نظرة فابتسامة فسلام فكلام فموعد فلقاء

وما بعد اللقاء الا النتيجة المرة بعد الوقوع في الفخ لرخاوة عقدة الدين في قلبه؛ فإذا به ينزلق في مهاوي الرذيلة ـ والعياذ بالله ـ وهتك الاستار، وانهاء الامجاد بتروة طيش عارمة اكتسحت في طريقها كل معنى للفضيلة، وكل رمز للعفاف، وحطمت كل غيرة وشهامة، وانهت كل علاقة بالدين والتدين وقضت على عراقة الانساب.

ولرب قائلة او قائل ـ وقد طفش لكثرة ما سمع ـ ما لهذا الشيخ قد كثرت زواجره ونواهيه؟

ألا يغشى الاسواق والمتاجر والشوارع والوزارات والإدارات والشركات وكل منحى من مناحي حياتنا اليومية، فيشاهد بأم عينيه ما نشاهد من حركات استعراضية ذات غنج وميوعة ودلع تسلب لب الشبان والشابات والشمس في رابعة النهار، او تحت ضوء القمر على السواحل والبلاجات.، اوفي الاضواء الكاشفة في المجمعات التجارية، وكثير منا لا يستطيع سد جوع بطنه، فكيف به يريد منا ان نغضي عما نرى ونشاهد، وانى لنا الصبر؟

فأقول في جوابه: فلتهدأ أولاً، وتعد الى عقلك وصوابك وتعي ما اقول وتقارن:

اقول: نهى الشارع المقدس عما نهى عنه ولم يكتشف العالم بعد قرون خلافه، بل على العكس فما يكشف عنه العلم انما يؤيد نظرة الاسلام الثاقبة وعلاجاته الصائبة.

فقد نهى عن الزنا منذ اكثر من اربعة عشر قرناِ من الزمان واكتشف العلم اثاره المدمرة، والامراض الخطيرة كالاليدز، والسيلان وكثير من الامراض التي لها علاقة مباشرة بهذه الرذيلة التي يرى فيها البعض انها لم تكن اكثر من علاقة رجل بامرأة كعلاقة اي زوج بزوجته.

ونهى عن شرب الخمر واكتشف الطب آثاره المميتة في جسم الانسان وعلى اعضائه واحشائه. ونهى عن الربا واكتشف العلماء كما اكتشف المجتمع ما لهذه الموبقة من اثر قاتل على الانسان والمجتمع والاقتصاد.

ونهى عن اكل المحرمات وها هو العلم يكشف لنا كل يوم جانباً من الحكمة من ذلك. ونهى عن النظرة المحرمة والكسب الحرام وها هو ذا العالم بأسره يعاني من آثارهما السيئة وما ينسحب على ذلك.

ونهى عن الاختلاط والخلوة والحديث والممازحة مع الاجانب من الجنسين وها نحن نجتر ويلات ذلك الى ان وصل الحال الى اذابة كل حواجز العفة، فيما شارك مصممو الازياء بما يختارون من الوان، وبما يضعون من تصاميم وتشكيلات فاضحة، وساهموا مساهمة فعالة في الاثارة المهلكة التي قربت بين الجنسين حتى نكح الاخ اخته، واخو الزوج زوجة اخيه. والنتيجة حمل يفكرون في سبل اجهاضه، كيف ومتى؟ خوف الفضيحة وليس غير ذلك والسؤال ملح.

ولو اردنا ان ندرس الاسباب التي ادت الى هذه الفاجعة المؤلمة، لم نكن لنعفي البيت والمدرسة والمجتمع وحتى الحكومات من مسئولياتهم فباستطاعة كل هؤلاء لو توفرت النية وتظافرت الجهود في ايجاد شرائح خيرة من المجتمعات ذات نبالة ونزاهة ورشد.

فعلى شبابنا بصنفيه ذكرانا واناثاً ان يبتعد عن كل ما يثير مكامن الغريزة لديه وما يجنح بها؛ فيقلل ما استطاع الى ذلك سبيلاً من ورود الاماكن التي تسبب الاثارة وهم يعرفونها بدقة، وليعد الي دينه وعقيدته، ويتبع كل ما أمره به الشارع المقدس وينتهي عما نهاه عنه ففيها دون غيرها السلامة، ويضع نصب عينيه ان هناك يوم قال عنه جبار السماوات والارض (يا ايها الناس اتقوا ربكم ان زلزلة الساعة شيء عظيم، يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما ارضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد) الحج 1 ، 2 .