إنَّ الرأي العام في الغرب ــ دعيّ الديمقراطية ــ توجههُ ويتحكم فيه الإعلام ــ وإن وسائل الإعلام هي عبارة عن مشاريع تجاريةٍ مملوكةٍ لطبقة الرأسماليين، وبالإضافة إلى أنها في حد ذاتها مصادر للربح المادي فهي وعن طريق وتوجيه الرأي العام تكرّس الوضع القائم الذي يضمن بقاء وتطوّر الرأسمالية.

أن الدعاية هي التي تدفع بالإنسان الغربي إلى زاوية معينة ومن ثم فليس غريـبـاً عندما سُئل أحد التجار الأمريكان عن كيفية تصرفه تجاريا لو كان عنده (100) دولار أن يجيب سأعمل دعاية بـ (99) دولاراً وأتاجر بدولارٍ واحد.

في الحقيقة أن الحرية الفردية التي توصّل إليها العالم العربي واستقلال الإنسان عن الآخر في الرأي تماماً جعلت الطريق مفتوحاً أمام وسائل الإعلام إلى أن تلتقي بالفرد في معزلٍ عما يسمى (بالثقافة العامة) التي يكون للمحيط الاجتماعي بعلاقاته الأسرية والقبلية و… اثر كبير على أن يتحرك الإنسان ضمن إطارٍ معين.

وبالمقابل فقد مُهد ــ عبـر تقديس حرية الفرد والذي جاءت به الثورة الفرنسيةّ ــ إلى ثقافةٍ أخرى لا يتحرك فيها الإنسان بالشكل السابق حيث سيكون المحور هو ذات الإنسان الفرد لا شيئاً آخر كالدين والقومية والوطنية، فأصبحت هذه الأخريات محكومة لعلاقة المصلحة الفردية.

فالكثير من الدول متكونة من اقلياتٍ متعددة لدولٍ كبـرى ولكنها تعيش في حالة استقرار كبيرة تُوصل إليها عن طريق الشعور بالمصلحة المشتركة، ومثال هذه الدول سويسرا.

وفي عالمٍ أصبحت فيه وسائل الإعلام مثل الدم يغذي فكر وإحساس الإنسان ويصنعُ تصوّراته، ليس عسيراً أن يوجه هذا الإنسان بالإيحاء إليه ــ عبـر مسألة المصالح هذه ــ أن الزاوية التي يُراد توجيهه إليها. وبالتالي فان الديمقراطية في العالم الغربي هي عبارة عن نوعٍ من الإيحاء الذاتي بالفكرة فيذهب إلى صناديق الاقتراع مختارً. أي إنّ الإعلام هناك يقوم مقام الإرهاب السلطوي للشعوب عندنا.

إنًّ السلطة عندما تسوقُ الشعب بالإرهاب إلى ترديد ما تريد أو التعبير فقط عن تأييده لها عبـر احتفالات التصفيق التي يُحشر إليها الناس بالإرهاب، والمرّات القليلة التي حاولت بها السلطة أن تستعير (الديمقراطية) الغربية انتهت بالمذابح والمآسي فلماذا،

أن الذي حدث في الجزائر ويحدث الآن في تركية التي تدّعي الديمقراطية هو اصطدام بين السلطة والشعب في حين كانت السلطة تتوقع أن يُردد الشعب ما تريد أو يقيم احتفالات التصفيق لها. فلماذا حدث العكس؟

الشعوب في بلادنا حافظت نوعاً ما على (ثقافاتها) التي تتحرّك فيها جيلاً بعد جيل خصوصاً أنَّ هذه الثقافات غير قابلة للتحدّي، فعندما تكون الثقافة بأبعاد رسالة سماوية كاملة كالإسلام لا يتُوقع ــ في نهاية المطاف ــ أن تُهزم أمام أطروحات وضعية أثبتت الفشل في منابتها الأصلية، حتى لو كان ما تحمله الشعوب من ثقافة السلام هو شيء سطحي، لأن القطب الذي تتحرك ــ ولو شعورياً ــ حوله الشعوب هو الله، وليس حرّية الفرد.

فإما أن تكون وسائل الإعلام في بلادنا منسجمة مع الإسلام وفي هذه الحالة ستدق على الوتر الحسّاس لدى الشعوب وستحركها باتجاه خلق سلطةٍ منسجمةٍ مع الطرح الإسلامي، أو لا تكون وسائل الإعلام منسجمةً مع واقع الشعب، أي أنها تأتي بأفكارٍ واطروحاتٍ مستوردة وسوف لا تجدُ وتراً تعزف عليه في الأمة، وبالتالي فان هذه الأمة سوف يكون انتخابها ليس لصالح وسائل الإعلام والسلطة التي وراءها، وإذا لابد أن يدخل الإرهاب الساحة ليقلب موازين العملية (الديمقراطية) لصالح السلطة ووسائل الإعلام والتي ستفكر بزرع وترٍ في الأمة ينسجم مع اطروحاتها ــ السلطة ــ لتستطيع أن تعزف عليه في المستقبل عندما تعود إلى تمثيل مسرحية (الديمقراطية) من جديد وذلك عبـر تغيير ثقافة المجتمع وتغيير القطب الذي يـدوّر عليه.

وأمام إرهاب السلطة التي تحاول إلغاء الآخر تماماً بالإرهاب سوف لا يكونُ أمام هذا الآخر ــ الذي يصل الأمر لديه إلى حد الصراع من اجل البقاء. ولو على قيد الحياة ــ إلا سبيل العنف بالمقابل والذي تسميّه السلطة ــ تجاوزاً ــ إرهاب ابتداءاً.

وبعد ذلك لنا أن نسأل:

من يُرهب من؟!!  

محمد السامر