العشرين من شباط، تمر علينا الذكرى العالمية ليوم العدالة الاجتماعية التي دأبت الكثير من الدول على احيائه والعمل على إرساء مبادئه التي اتفق المجتمع الدولي على ارسائها نظراً لأهميتها على الصعيدين القانوني والإنساني.

هذه القيم التي تعد معياراً أساسياً من معايير التعايش السلمي داخل الأمم، من خلاله تنشد الشعوب الازدهار، والاستقرار الاقتصادي والسياسي على حد سواء، سيما ان وظف هذا المعيار في تعزيز حقوق الشعوب الطامحة الى المساواة وتحسين مستوى المعيشة والتنعم بالأمن الاجتماعي والكرامة أيضاً.

فحق التعبير السلمي وضمان حق التعليم والرعاية الصحية واستقرار المستوى المعيشي المقبول والرضى النفسي والمعنوي، فضلا عن قبول الراي الآخر وغيرها من الحقوق الإنسانية التي اقرتها الأعراف السماوية والقوانين الوضعية، تجتمع في بودقة واحدة تتمثل بضمان العدالة الاجتماعية.

كل ذلك ويحيي المجتمع الدولي هذه المناسبة في أجواء استثنائية، انتهكت في كنفها معظم معايير العدالة الاجتماعية، سواء من قبل الأنظمة السياسية، متمثلة بالقمع والاستبداد والاستئثار بالسلطة، او من خلال الجماعات المتطرفة التي تؤمن بالعنف كوسيلة للترهيب ومصادرة الرأي المعارض او المختلف عن توجهاتها.

فيما تبرز بؤر التوتر في هذا المنحى الإنساني اغلب الأحيان في بلدان الشرق الأوسط، التي كانت ولا تزال تعاني من غياب العدالة بكل اوجهها، على الرغم من الإرث الإسلامي الزاخر بتعاليم العدل والمساواة وحفظ الحقوق الإنسانية والحيوانية والبيئية.

وخير ما نستحضر كدلالة على ذلك حديث المرجع الديني الراحل الامام السيد محمد الحسيني الشيرازي (أعلى الله درجاته)، الذي ضرب لنا مثلا منقطع النظير حيث قال: سلك أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام مسلكاً في العدل والعدالة لم يسلكه من قبل ومن بعد أحد غيره ما خلا الأنبياء والأوصياء (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين)، فكان عليه السلام لا يخشى في الله لومة لائم، بل كان يرعى الله ومصلحة الإسلام والمسلمين ويقدمهما على كل شيء، حتى لو كانت فيها عليه مشقة خاصة.
وأضاف قدس سره: علي عليه السلام لا يرى في السلطة إلا وسيلة لتطبيق عدالة الإسلام لكي يرفل الجميع بالعدل والأمان والمساواة فالكل عنده سواء، أسودهم وأحمرهم، عربيهم وأعجميهم، سيدهم ومولاهم، لا فضل لأحدهم إلا بسابقة أو دين، أليس هو القائل:(الذليل عندي عزيز حتى آخذ الحق له، والقوي عندي ضعيف حتى آخذ الحق منه، رضينا عن الله قضاءه، وسلمنا لله أمره).
ان العدالة الاجتماعية كانت ولا تزال مفاتيحها بيد من يتولى شؤون الدول وادارتها، وهو مسؤول عن تأمين العدل في رعيته، لا ان يغض الطرف عن فساد اداري او مالي او تقصير هنا وهناك، او استغلال للقوة وتوظيف خاطئ لها في قمع المعارضين او المطالبين بالإصلاح.
حيث تتقلد الأنظمة السياسية مهما كان عنوانها او مكانها مسؤولية قانونية واعتبارية تتمثل في ضمان العدالة الاجتماعية بين افراد المجتمع، دون تمييز بين عرق او لون او دين او مذهب فكري او ثقافي، وهذا ما باتت شعوب الشرق بأمس الحاجة اليه وهي تمر في دوامة أزمات لا طائل لها ولا نهاية في وقتنا الراهن.
لذا تغتنم منظمة اللاعنف العالمية (المسلم الحر) في هذه المناسبة توجيه دعوة مفتوحة لكافة القادة والزعماء في بلاد الاسلام لإصلاح ذات البين، والعمل على ترميم العلاقة بين السلطة والشعب عبر إجراءات إنسانية شاملة تراعي تأمين كافة الحقوق الشخصية منها والعامة، تقف على رأسها اطلاق سراح المعتقلين السياسيين المغيبين في السجون، والعمل على توزيع عادل للثروات الوطنية، وتحسين ظروف المعيشة فضلا عن حفظ الكرامات وعدم التجاوز على الحرمات، املاً في ان تزدهر شعوب المنطقة مجددا وتزاح عنها الرزايا المتتالية.
فضلا عن دعوة المنظمة الدول الكبرى الى مد يد العون والمساعدة الى كافة شعوب الدول النامية لتجاوز ازماتها، عبر تغليب مبدأ الإنسانية الجامع على الفروقات الاجتماعية والقومية والعرقية، ففي النهاية جميعنا بشر، والله ولي التوفيق