اعلن ولي العهد السعودي الامير عبدالله بن عبد العزيز مبادرته لاحلال السلام بين العرب واسرائيل، امام القمة العربية وتوجه عبرها الى “شعب اسرائيل”، واقترح ان تتقدم الجامعة العربية بمشروع عربي جماعي واضح الى مجلس الامن يقوم على “امرين اساسيين: العلاقات الطبيعية والامن لاسرائيل في مقابل الانسحاب الكامل من جميع الاراضي العربية المحتلة والاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين”.

وهنا نص كلمته التي استهلت بها جلسة العمل الاولى للقمة:

“اخواني قادة الامة العربية، اخواني شعوب امتنا العربية والاسلامية، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، احييكم جميعا بتحية الاسلام واشكر لبنان الشقيق، لبنان الكرامة، والوحدة الوطنية. لبنان العروبة بكل اديانه وفئاته على استضافته قمتنا هذه في زمن يموج ويضطرب بالاحداث، ولا يعرف احد ما يمكن ان يحدث، تبقى القضية الاولى في ضمير كل انسان في امتنا العربية والاسلامية هي استرداد الحقوق المشروعة في فلسطين وسوريا ولبنان. وهذه الحقوق المرتبطة بالارض الغالية المحتلة، لا يمكن ان تنساها الذاكرة، ولا ان يهمشها مرور الايام والاعوام، وما ضاع حق وراءه مطالب.

ان من يتابع انتفاضة اشقائنا في فلسطين التي يدعمها كل العرب والمسلمين يدرك ان الصمود لا ينضب، وان الشجاعة لا تتراجع، وان الحق يعلو ولا يُعلى عليه، وقد ادرك كل صغير وكبير في فلسطين ان لا طريق الى تحرير ارضه او ترابه الا بالكفاح والصمود، او بالسلام العادل الشامل، لذلك على حكومة اسرائيل ان تعي ذلك وتدركه وتتلافاه، بنهجها طريقا آخر هو السلام.

ان العرب عندما قرروا قبول السلام خيارا استراتيجيا لم يفعلوا ذلك عن عجز مهلك او ضعف قاتل، وان اسرائيل تسرف في الخطأ اذا تصورت انها تستطيع ان تفرض سلاما ظالما على العرب بقوة السلاح. لقد دخلنا العملية السلمية بعيون مفتوحة وعقول واعية، ولم نقبل، قط، ولا نقبل الان ان تتحول هذه العملية الى التزام غير مشروط يفرضه طرف على آخر.

ان السلام اتفاق حر بين طرفين متساويين. ولا يمكن ان يعيش سلام قائم على القمع او القهر. لقد قامت العملية السلمية على اساس واضح لا لبس فيه وهو الارض في مقابل السلام، وهذا الاساس هو الذي قبله المجتمع الدولي بأسره، وجسده قرار مجلس الامن رقم 242 وقرار مجلس الامن رقم 338 كما تبنته قرارات مؤتمر مدريد عام ،1991 واكدته قرارات الاتحاد الاوروبي وغيره من المنظمات الاقليمية، واكده من جديد، هذا الشهر مجلس الامن في قراره رقم .1397

ايها الاخوة الكرام:

من الواضح في اذهاننا، وفي اذهان اشقائنا في فلسطين وسوريا ولبنان ان النتيجة الوحيدة المقبولة لعملية السلام، هي الانسحاب الاسرائيلي الكامل من كل الاراضي العربية المحتلة، وقيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشريف، وعودة اللاجئين. ودون هذه النتيجة، تصبح العملية السلمية اضاعة للوقت، وتلاعبا بالالفاظ، ومجرد مناورات تقود الى حلقة مفرغة من العنف.

ان العودة الى طاولة المفاوضات مطلب لا معنى له اذا ظلت هذه المفاوضات تراوح مكانها دون اي اثر ايجابي ملموس، كما هو الحال منذ عشر سنين.

واسمحوا لي هنا بأن اتوجه بحديثي، مباشرة الى شعب اسرائيل لأقول له ان تجربة العنف عبر اكثر من 50 عاما لم تنتج سوى المزيد من الدمار، وان المجتمع الاسرائيلي لا يزال ابعد ما يكون عن الامن والسلام رغم التفوق العسكري ورغم محاولات القهر والاذلال.

ان السلام ينبع من القلوب والعقول، لا من فوهات المدافع ونيران الصواريخ. لقد آن الاوان كي تراهن اسرائيل على السلام، بعدما راهنت على الحرب، خلال العقود الماضية، دون جدوى. ولكن يجب ان يكون مفهوما  لاسرائيل، وللعالم كله، ان السلام والاحتفاظ بالاراضي العربية المحتلة نقيضان لا يجتمعان. واضيف قائلا لشعب اسرائيل انه اذا تخلت حكومته عن اسلوب القوة والقمع ورضيت بالسلام الحقيقي فلن نتردد في القبول بحق الشعب الاسرائيلي في ان يعيش في امن مع شعوب المنطقة.

اننا نؤمن بحمل السلاح دفاعا عن النفس وردعا للعدوان، لكننا نؤمن بالسلام اذا جاء قائما على العدل والانصاف منهيا للعدوان، وفي ظل السلام الحقيقي وحده يمكن ان تقوم علاقات طبيعية بين شعوب المنطقة لتحل التنمية بدلا من الحروب والدمار.

ايها الاخوة الكرام، انطلاقا مما تقدم، ومن مكاني بينكم، ومعكم، وبكم، بعد الله جل جلاله، اقترح ان تتقدم الجامعة العربية بمشروع عربي جماعي واضح الى مجلس الامن، مشروع يقوم على امرين اساسيين: العلاقات الطبيعية والامن لاسرائيل في مقابل الانسحاب الكامل من جميع الاراضي العربية المحتلة والاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وعودة اللاجئين. واناشد في الوقت نفسه كل الدول الصديقة في كل مكان من العالم ان تقف بشرف الانسانية لدعم هذا التوجه الذي يستهدف ازاحة خطر الحرب المدمرة وتحقيق السلام لجميع شعوب المنطقة بلا استثناء.

هذا واسأل الله ان يمنحنا صواب الرأي، وعزيمة المؤمن، انه نعم المولى ونعم النصير”.