ميلاوا (افغانستان): سوزان غلاسر *

القسم الاول:

بشكل بطيء ومتواصل، لا تزال أسرار أسامة بن لادن وأتباعه تكتشف من حطام وآثار الكهوف التي كان تنظيم «القاعدة» يستخدمها في منطقة تورا بورا بشرق أفغانستان. فقد فتشت ثلاث فرق تابعة للقوات الخاصة الاميركية، مستعينة بقوات أفغانية محلية، قرابة 200 كهف طيلة الأسابيع الثمانية الماضية، بعد فرار فلول تنظيم «القاعدة» إلى باكستان، وإخفائهم لأجهزة الهواتف العاملة بالاقمار الصناعية وصواريخ الستينغر في مخابئ نحتت داخل الصخور بالمنطقة.

لكن مقاتلين محليين من الأفغان قالوا ان الأميركيين لم يعثروا بعد على كل مخابئ «القاعدة» ولم يبذلوا الجهود الكافية لتحديد هوية 300 قتيل من أتباع بن لادن وجدت جثثهم مشتتة في أماكن متفرقة بمنطقة الجبال البيضاء في شرق أفغانستان. فقد أخذت القوات الاميركية صوراً فوتوغرافية وأخرى على اشرطة فيديو لما عثروا عليه في المنطقة لكنهم لم يكلفوا انفسهم عناء التوجه الى ركام الكهوف والمستودعات للتفتيش عن وجود جثث أخرى محتملة، خصوصاً أن مصير بن لادن نفسه وكبار مساعديه لا يزال غامضاً. ويشير المقاتلون الافغان الى ان عمليات البحث توقفت في نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي. ويقول رحيم جان، القائد الافغاني الذي شارك مقاتلوه مع القوات الاميركية في تمشيط جبال المنطقة، «إن الاميركيين فقدوا العزيمة».

ومثل معارك تورا بورا الاخيرة، فان عمليات البحث غير المنتهية عن فلول «القاعدة» كشفت حدود ما تستطيع القوات الاميركية القيام به في حملتها العسكرية السرية التي تعتمد فيها بشكل متواصل على القادة المحليين في المنطقة.

وقد كشفت عشرات المقابلات الصحافية، بما في ذلك مناقشات مكثفة مع قادة كبار، حول المعارك التي دارت في جبال تورا بورا وما تلاها من أحداث، عن تفاصيل جديدة للدور الذي قام به نحو 40 من جنود القوات الخاصة الاميركية في العمليات. وعند الربط بين كل هذه المقابلات والنقاشات تتكشف للمراقب هشاشة التحالف الذي اقامه الاميركيون مع حلفائهم المحليين في المنطقة. وقد وصف هذا التحالف مراراً بالعلاقة ذات الفائدة المتبادلة التي تتخللها في المقابل فقدان الثقة المتبادل بين الطرفين.

وحسب ما يقول الأفغان، فإن الأمر كان عبارة عن التقاء الأموال الاميركية بالمصالح المادية الضيقة لأمراء الحرب الأفغان وأتباعهم. فقد كان هؤلاء الأفغان المسلحون وغير المتعلمين يتلقون الاموال من اوراق الـ100 دولار مقابل تعهدهم بالقضاء على بن لادن وأتباعه، إلا أنهم سمحوا في الأخير لرجال «القاعدة» بالفرار.

ويقدم المسؤولون العسكريون الاميركيون روايات مختلفة عن معارك تورا بورا. ويقول مسؤول في وزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون) إنه على الرغم من عدم القاء القبض على بن لادن فان معارك تورا بورا كانت ناجحة بسبب كميات المواد التي عثر عليها في الكهوف والمخابئ. ويشير المسؤول ذاته الى ان وسائل الاعلام ضخمت الاهمية العسكرية للصراع لأن هذا الجانب هو الوحيد الذي يمكن مشاهدة آثاره في الحين، لكن هناك معارك اخرى سرية لا تقل أهمية. وفي مقابلة أجريت معه في الآونة الاخيرة قال وسلي كلارك الجنرال الاميركي المتقاعد ان اتباع بن لادن ربما موهوا بالإعلان عن وجود زعيم «القاعدة» في جبال تورا بورا. واضاف كلارك «أعتقد ان تورا بورا ستكشف انها كانت خداعاً استراتيجياً استخدمته القاعدة».

وفي تزاوج غير معهود، شكلت الهجمات الاميركية الجوية والعمليات الأفغانية البرية معركة تورا بورا التي دارت رحاها بشكل كامل في الجبال البيضاء الجميلة القريبة من الحدود مع باكستان والبعيدة 40 كلم جنوب غرب مدينة جلال آباد الأفغانية. ووسط قمم الجبال البيضاء، انشئ مجمع كهوف تورا بورا كملجأ للمجاهدين خلال الثمانينات خلال الحرب ضد الاحتلال السوفياتي. وخلال التسعينات استخدم بن لادن هذا المجمع وتمكن من تجميع نحو 1000 من أتباعه في المنطقة بعيد سقوط نظام طالبان في اكتوبر (تشرين الاول) الماضي.

وقد قام ثلاثة من أمراء الحرب السابقين بجلب قواتهم في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي للمشاركة في تورا بورا يحدوهم التنافس على الغنائم والدولارات الاميركية. وكان أحد هؤلاء المتنافسين الزعيم البشتوني محمد العائد لتوه من منفاه بفرنسا، والقائد ظاهر (27 سنة) ابن حاكم ولاية ننغرهار حاجي قدير. لكن الاميركيين راهنوا على القائد الثالث حظرة علي، قائد الحرب السابق الذي تلقى اول تدريباته العسكرية في مخيمات المجاهدين بتورا بورا. وقد قدم الاميركيون الاموال لحظرة علي كما زودوا رجاله بالاسلحة. لقد كان الاميركيون ينامون تحت حراسة رجال حظرة علي، كما دعموه في نزاعات مع منافسيه من القادة الآخرين. ويشير الأفغان الى ان الاميركيين لم يكن لهم خيار آخر. ويقول غول كريم احد كبار مساعدي حظرة علي ان الاميركيين لم يكونوا يعرفون الطريق الى تورا بورا، ولا الأماكن المختلفة، ولا المناخ العام في المنطقة».

وبدوره يصف حظرة علي مشاركة قواته في معركة تورا بورا «بالناجحة 50 في المائة» على أحسن تقدير، كما انه لا يتردد في انتقاد الجنود الاميركيين، ويردد المثال البشتوني القائل «إذا كنت تريد اصطياد عصفور واحد ولديك اكثر من 100 صياد، فإن من المرجح جداً أن يتمكن الطائر من الفرار». ويضيف علي قائلاً «لقد كان لدينا صيادون كثيرون هناك، والطائر فر».
وتبدو في تورا بورا اليوم واضحة جداً المعالم التي سلكها الطائر للفرار من الصيادين. فوادي ميلاوا يبدو كومة هادئة من الحطام والقنابل الانشطارية غير المنفجرة، وعلى جنبات الوادي تظهر كذلك المخابئ الممتلئة بالذخائر. والقمم العالية التي تبرز من وادي ميلاوا ترمز للطريق المؤدية الى باكستان التي يحتمل ان يكون رجال بن لادن قد سلكوها للفرار. ويقول الأفغان المحليون ان الرحلة مشياً إلى الحدود مع باكستان تستغرق 17 ساعة. ومن جهتها تمكنت السلطات الباكستانية من القاء القبض على اكثر من 150 من مقاتلي «القاعدة» أثناء محاولتهم الفرار من تورا بورا، لكن لا احد يعرف بالضبط عدد من لم يتم القاء القبض عليهم.

القسم الثاني:

 منذ البداية كانت الحملة العسكرية ضد قوات تنظيم «القاعدة» في تورا بورا بشرق افغانستان غير منظمة وعشوائية. ففي أول يوم منها حذر القادة الافغان من أن بن لادن واتباعه ربما يكونون قد فروا عبر الجبال. لكنهم أعلنوا بوضوح أن بن لادن نفسه كان في المنطقة، ناشرين إشاعات معذبة لا يرددونها الآن. أما الاميركيون الذين كانوا يضغطون بشدة على الافغان بهدف دفعهم لبدء المعركة فإنهم لم يصلوا الى المكان الاّ بعد ثلاثة أيام من بدء القتال.

وبدأ القصف الاميركي الذي صار بمثابة غارات يومية، في 30 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بعدة هجمات. وصار دوي القنابل يأخذ طريقه الى المدنيين، إذ لقي نحو 150 مدنيا مصرعهم خلال نهاية ذلك الاسبوع، وفقا لما ذكرته السلطات المحلية. وفي البداية وجد الاميركيون أنهم قد اقتيدوا إلى حلبة سياسية معقدة ستهيمن على تورا بورا.

في مبنى قرية آغام، على سبيل المثال، قتلت الصواريخ 8 رجال كانوا من بين مقاتلي القائد البشتوني زمان. وقال نائب زمان انهم استولوا على خمس من سيارات منظمة «القاعدة» في تورا بورا، وان السيارات كانت متوقفة خارج مبنى البلدة. ومن غير المعروف من الذي أمر بالهجوم تحديداً. وفي قرية باشير آغام وجدت القوات الاميركية ما اعتقدت أنه هدف آخر على صلة بـ «القاعدة» وهو منزل معراج الدين الذي كان يتصل بمنظمة «القاعدة». وذكرت بعض المصادر ان معراج الدين فر، لكن 20 من افراد عائلته قتلوا كما قتل 50 من جيرانه ايضاً. وقال حاجي مالك نزير أحد شيوخ القبائل من الذين عملوا في الاونة الاخيرة مع القوات الاميركية الخاصة «لقد قلنا لهم: أخطأتم الهدف، فقالوا لنا: نحن لا نخطأ الهدف مطلقاً، ولم يعتذروا أبداً».

وكان معراج الدين يتفاوض سراً مع الجنرال أمير جان كبير قادة زمان من أجل تسليم بن لادن. وعندما أخفقت عملية التفاوض استدعى أمير الاميركيين. وقال امير «قبل القصف، جاءني معراج الدين وأخبرني بأن اسامة في تورا بورا مع اثنين من ابنائه. فقدمت له 300 ألف روبية باكستانية (نحو 5084 دولار) وقال لي سأحضر لكنه لم يحضر. سألني الاميركيون عن المحادثة التي جرت بيننا فقلت لهم انه لم يأت لذلك اقصفوا المنزل. لقد أخبرت الاميركيين بموقع المنزل».
ويوم الاثنين 3 ديسمبر (كانون الاول) الماضي أعلن القائد حظرة علي الهجوم، وزحف مقاتلوه نحو جبال تورا بورا من دون أن يكونوا مجهزين لخوض حرب شتوية وغير متيقنين من مهمتهم. وأخيراً حشد نحو 2500 مقاتل توزعوا بين القادة حظرة علي وزمان وزاهر.
وقال زاهر الذي ظل يقاتل منذ أن كان مراهقاً وحكمت اسرته طويلا في هذه الاجزاء من شرق افغانستان «لقد سمعت عن الهجوم فقط في الساعة السابعة من صباح ذلك اليوم». وومضى يقول «قال لي والدي: اذهب، فذهبت إلى تورا بورا، وأخذت 700 مقاتل. وصلنا الى هناك لكنني لم أكن اعرف السبب. لم يكن معنا طعام أو أي شيء. فقط وصلنا إلى هناك بدون شيء سوى الـ 700 مقاتل».

ومع بدء القتال حول مجموعة كهوف تورا بورا، قدم الاميركيون بمروحياتهم سراً وبدأوا يعملون مع القائد حظرة علي لوحده. وقال القائد علي ان الاميركيين كانوا قد اتصلوا به قبل بضع اسابيع بعد هجمات 11 سبتمبر (ايلول) الماضي، وعملوا معه في وادي بانشير بشمال افغانستان حيث كان قائداً لقوات التحالف الشمالي ضد حركة طالبان.

وقال علي مستعيداً ذكرى الاحداث «عندما بدأنا في تورا بورا لم تكن بحوزتنا معلومات كافية. لكن الاميركيين كانوا يستعجلون بدء الهجوم. كانت لنا قوات هناك لكن لم تكن لنا شبكة استخبارات جيدة على نحو كاف».

وطلب القائد علي من شيخ القبيلة نزير المساعدة في ترتيب وجود الاميركيين في آغام، وهي قرية عند أطراف الجبال البيضاء بمنطقة تورا بورا. وقد استولى الاميركيون على مبنى مدرسة وغطوا نوافذها بالورق المقوى. وأخيرا انقسم جنود القوات الخاصة الاميركية الذين يحملون اسماء ديف وجيم وغيرهم الى ثلاثة فرق حملت أسماء رمزية هي: الاسود والفضي والاحمر. وقاد نزير قافلة من البغال مع فريق من الفرق الثلاثة لاقامة معسكر جبلي، ثم عثروا على مكان مناسب للاختفاء يستطيعون أن يراقبوا منه القصف. وكانت مهمة نزير الحقيقية هي تغيير آراء السكان المحليين الذين ظلوا لفترة طويلة يقدمون الحماية لمنظمة «القاعدة».

ومع ذلك فإن نزير كان غير متيقن من الهجوم العسكري. وقال نزير «ان الاميركيين نفذوا هذه العملية بتخطيط سيئ للغاية، إن الاميركيين يدينون بالفضل لامراء الحرب الذين لا يعرفون الطرق السرية التي تقود الى باكستان لكنهم لم ينجحوا بدون مساعدة القرويين». واضاف نزير «كان الاميركيون مع القادة ولم يستطيعوا الفكاك منهم. أما القرويون الذين يعرفون أين يوجد مقاتلو بن لادن فكانوا وما زالوا حيث يعيشون، لكن الاميركيين اعتمدوا على القادة الذين لا يعلمون شيئا. كان الافغان يحاربون ثم يتراجعون. كانوا يستولون على مركز قيادة ثم يفقدونه في اليوم التالي».
* المفاوضات السرية

 * إن ما يسميه القائد حظرة علي «نقطة التحول» حدث يوم 12 ديسمبر الماضي عندما اعلن القائد زمان أنه كان قد تفاوض حول وقف اطلاق النار مع مقاتلي «القاعدة» ليسري مفعول ذلك صباح اليوم التالي. وزعم أن أكثر من مائة من رجال بن لادن مستعدون للاستسلام، لكن فقط للأمم المتحدة. وصاح القائد علي عبر جهاز اللاسلكي غاضبا خلال حديثه الى زمان، محاولا الحيلولة دون المضي قدماً في الصفقة، وذلك على مرأى ومسمع من المراسلين الصحافيين، مشيرا الى ان الصفقة ليست سوى مجرد خدعة ستسمح لعناصر «القاعدة» بالفرار.

وفي صباح 13 ديسمبر كان الاميركيون ايضاً غاضبين. وفي اجتماع مع علي وزمان وآخرين في مبنى مدرسة آغام، أوضح الاميركيون بجلاء أنه لن يكون هناك وقف للقصف. وقال علي انه ظل يراقب الوضع، بينما دعا الاميركيون الى جولة جديدة من الهجمات الجوية مستخدمين أجهزة الهواتف المتصلة بالاقمار الصناعية.

وسريعاً ظهرت قاذفة الصواريخ «بي ـ 52» تومض في السماء فوق تورا بورا. وفي البداية رسم قائد الطائرة شكل الرقم ثمانية من خلال شريط من الدخان الابيض في اشارة الى الساعة الثامنة صباحا، وهو الوقت المزعوم للاستسلام. ثم قامت الطائرة بعدة دورات في دائرة ضيقة كتبت من خلالها كلمة «لا» في الهواء، واستمرت المعركة.

لكن الافغان كانوا يمارسون بطريقتهم الخداع. فبينما كان علي يلوم زمان على اعطاء رجال بن لادن وقتاً للفرار كان هو أيضاً يعقد محادثات سرية مع «القاعدة». وكان مبعوثه في المحادثات هو القائد المحلي الياس خيل. وكان خيل قد عمل مع يونس خالص القائد البارز خلال الجهاد ضد السوفيات والمقرب من بن لادن.

وأكد القائد علي أنه دفع الى خيل مبلغ 500 ألف روبية باكستانية (نحو 8330 دولار) واعطاه هاتفا متصلا بالاقمار الصناعية، وهرب خيل بالاموال بدلاً من تسليم عناصر «القاعدة» الذين وعد بتسليمهم.

لم يندهش الاميركيون لمثل هذه الصفقات التي اجراها القائد علي. وقال دبلوماسي غربي تابع الاحداث هناك ان القائد علي «شديد الانتهازية، فهو يأخذ الاموال منا كما يأخدها ايضا من «القاعدة». وقد بلغ به الامر أن ترك بعض عناصر بن لادن يهربون».

وكان سلوك علي يدعو لريبة منافسيه الافغان. وقال امير، القائد التابع لزمان «الجميع يعلمون انه (علي) ساعد في هروب العرب». يوم 14 ديسمبر قال القائد علي عن قوات بن لادن «انهم لا يستطيعون الفرار، لقد أغلق المجاهدون الطريق». وكانت قوات علي في ذلك الحين قد استطاعت ان تقيم تنسيقا اكبر مع القوات الاميركية، وصار مقاتلوه يتجولون فوق قمم الجبال متصلين هاتفيا وعلى وجه السرعة لتوجيه القصف الصاروخي الاميركي كي تصب الصواريخ نيرانها على بقية القناصة العرب الذين يستطيعون رصدهم. وقد صار الافغان يتمتعون بمؤن أفضل أيضاً بعد تزويدهم بزجاجات المياه المعدنية البولندية كما غمرت معسكراتهم حقائب نوم اميركية الصنع.
لكن القائد علي اعترف في ما بعد قائلا «لقد تمكن كثيرون من الفرار خلال تلك الفترة. لقد هزت القنابل المدمرة للانفاق التي يصل وزنها الى 150 ألف رطل الجبال كالزلازل وكانت المعارك على أشدها على قمم الجبال التي لا يقطنها بشر في مناطق مثل جارنغالي وأوشناو. ولم تكن الظروف جلية». وقد زعم القادة التابعون لعلي وزمان وزاهر انهم شاركوا في العمليات. وقال علي ان أكثر من مائة من رجال بن لادن قد قتلوا. وقال انه شخصيا اصدر الاوامر بذلك.
لكن بقية مقاتلي «القاعدة» فروا عبر الجبال. ولم يلق القبض الا على عدد صغير نسبياً منهم، 57 شخصاً حسب أقوال معظم القادة، ولم يقدم الاسرى معلومات مفيدة عن مكان وجود بن لادن.
واستولى زاهر على العديد من معتقلي «القاعدة» واصدر عفواً عن عشرة من العرب وتسعة من الافغان أمام أجهزة الاعلام قبل يوم 17 ديسمبر. وقد ظهر الاسرى أمام الكاميرات ومعظمهم خائفين وجرحى لكن أحدهم رسم اشارة النصر بتحد.

ومرة أخرى عطلت الحزازات الافغانية نوايا اميركا فيما تزايد الفتور حول من سيكون مسؤولا عن السجناء. وقد طالب علي بتسليمهم للولايات المتحدة بينما عارض زاهر ذلك وصار على الاميركيين الانتظار بضعة ايام لاستجواب السجناء. وخلال تلك الفترة اتفق رجال علي وزاهر عما ذكره السجناء لاحقاً عن بن لادن. وتقول الرواية ان بن لادن كان في تورا بورا قبل اسبوعين مع اثنين من ابنائه وبعض القادة الكبار التابعين له.

وقال خان محمد، مسؤول السجن الذي يقع تحت اشراف زاهر في آغام «قال لنا السجناء انه (بن لادن) أتى وخطب فيهم. وقال ان الجنة في طريقهم، وأن عليهم القتال حتى الموت، وقالوا: نحن في موقع جيد للغاية، ولذلك فإننا لا نخاف الموت».

وقال زاهر «سألت هؤلاء العرب باللغة العربية، فقالوا: «ان أسامة جاء هنا قبل 12 يوماً وتناول معنا كوباً من الشاي وأهاب بنا أن نكون أقوياء».

* ليست حربا حقيقية

* لقد كشف الوقائع المذكورة التصادم بين طموحات الولايات المتحدة والحقائق الافغانية. ففي الثامنة من صباح كل يوم كانت القوات الاميركية تلتقي بالقائد موسى أبرز مساعدي القائد علي. ويقول موسى، المقاتل ذو اللحية المجعدة الذي يتفاخر بزوجاته الثلاث وابنائه العشرين «كانوا يريدون أن يروا كل جثث القتلى وكل الكهوف وكل القرى وكل الجبال. كانوا يريدون أن يروا كل حجر». وقد نقلت القوات الخاصة الاميركية غنائم تضم خليطاً من التكنولوجيا المتقدمة والبدائية من تورا بورا بينها هواتف متصلة بالاقمار الصناعية وأجهزة استقبال ووثائق وأقراص مدمجة واشرطة فيديو وجهاز واحد على الاقل من اجهزة الكومبيوتر التابعة لـ «القاعدة».

لكن الافغان لم يسلموا الغنائم ابداً. لقد هاجم رجال علي بأنفسهم الكهوف وظلوا يسألون الزوار ان كانوا يريدون شراء شيء منها. وقال علي إنه لم يعط الاميركيين بعد أحد أهم اكتشافاته، وهي 4 صواريخ من نوع ستينغر.

وليس من المستغرب أن لا يثق الاميركيون بموسى فهو ايضا لم يثق بهم. لكن في نهاية البحث انتاب موسى شعور مختلف. لقد تنقل مع الاميركيين بالمروحيات الى خمس نقاط بعيدة في الجبال حيث وجدت جثث تابعة لمقاتلي «القاعدة» وهناك عسكروا معا على الحدود الباكستانية. وقال موسى «بعد ذلك المساء على الجبال وثقوا بي».

لكنه لم يشعر بالاحترام نحوهم أبداً، ويقول «في الحقيقة أنا لا أومن بأنهم جنود. انهم يبدون كطلبة مدارس وكانوا خائفين على الدوام. لكن بسبب من رهبة قوتهم في استدعاء قصف القنابل من السماء ومن صواريخهم التي تقودها اشعة الليزر الى الكهوف الخفيّة واجهزة «جي. بي. إس» التي علموا الافغان استخدامها». واضاف «لقد ادهشتني التكنولوجيا وليس الجنود».

لكن شعور الازدراء متبادل. فقد أورد حاكم جلال آباد المهندس جعفر القائد المشهور بين المجاهدين خلال الحرب ضد السوفيات مثالا لذلك، إذ قال ان القوات الخاصة ذهبت الى مزرعة هادا وهي مركز سابق لـ «القاعدة» خارج جلال آباد بحثا عن أفراد من أسر مقاتلي بن لادن الذين ما زالوا مختفين. وبدلا عن ذلك بدأ الافغان في نهب المنازل فطالبهم الاميركيون غاضبين بالتوقف.
وفي نهاية يناير (كانون الثاني) الماضي عندما أشرفت مهمة الاميركيين على نهايتها صاروا عاطفيين. وقال احد المحاربين «لقد عانقونا وشكرونا. وقد قدموا الهدايا أيضا». وبالنسبة لموسى فإن الهدية الرسمية كانت منظارين للرؤية الليلية. وقالوا له انها هدية شكر له من وزير الخارجية الاميركي كولن باول.

لكن القوات الخاصة كانت تطرح تساؤلات عن السبب الذي جعلهم يخفقون في التعامل مع معاونيهم الافغان. وفي اجتماع في أواخر الشهر الماضي مع عمدة جلال آباد قال العمدة جعفر «كانوا غاضبين لأنهم صرفوا اموالا طائلة هنا لكن العرب فروا».

واخبر الاميركيون جعفر بأنهم واجهوا القائد علي خلال القتال بالسؤال: لماذا لم تغلق الممرات التي تسمح بالفرار، لكنه لم يعطهم اجابة شافية. وقال العمدة «لقد ملأ الاميركيون جيوب هؤلاء بالاموال، لكنها لم تكن حرباً حقيقية. كانوا يفعلون هذه الاشياء من أجل المال».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»