حين خلق الله الانسان على سطح الارض لم يكن قد احله الارض بصورة فردية، وانما اراد ان تكون الحياة على ربوع هذه الارض منذ بدئها هي حياة اجتماعية، واكثر من ذلك الهم الله الانسان حب الحياة الاجتماعية وفطرة عليها فهو ميال اليها بدافع فطرته.

و منذ ذلك الوقت كانت الأسرة قد تكفلت باهم دور يمكن ان يقام به في المجتمع، بحيث لا يمكن ان يتصور – بناءاً على التكوين الذي تتمتع به الاسرة – بديل لها يحل محلها فيه الا وهو القيام بتربية الاطفال وفق القيم السامية حتى يشتد عودهم، ويكونوا قادرين على مواجهة ما يعصف بالمجتمع من موجات الانحلال والأباحية وغيرها. فهي اذن تتكفل باعداد الافراد الصالحين وتهيئهم لخدمة المجتمع الذي بهم قوامه.

ولكن هذه المؤسسة ومما يؤسف له باتت تشهد تآمراً فظيعاً دافعه الاطماع في هدم المجتمع كي يكون مجتمعاً متميعاً لا يعرف حقوقه من واجباته فيتسنى لهم حكمه كيف شاؤوا وتسيير ركبه إلى الجهة التي يريدها هؤلاء المتآمرون خدمة لمصالحهم الشخصية لا لأهداف المجتمع. وبما ان الاسرة هي المعين الذي ينهل منه المجتمع ما يقوم به كيانه فلذا احسوا بان عليهم هدم الاسرة وتفكيكها فيكون المجتمع عرضه للانهدام تلقائياً.

لقد فقدت الأسرة في الكثير من المجتمعات دورها كمؤسسة اجتماعية تربوية فحلت محلها مؤسسات لا يمكن ان تعطي الطفل ما يمكن ان تعطيه اسرته وكل ذلك في اطار مخطط رهيب.

ففي البداية حاولوا وضع الحوائل دون تكوين الاسرة من الاساس فهيأوا كل وسائل الفساد الرخيصة للشباب حتى عاش الشاب في دوامة تلك الوسائل الرخيصة فبات يتنصّل من تلك المسؤولية التي تفرضها عليه الفطرة وهي مسؤولية تكوين الاسرة. فهل اكتفوا بهذا المقدار يا ترى؟

كلا لقد طمعوا في اكثر من ذلك، طمعوا في هدم الأسرة القائمة أيضا. فاصبحت وسائل اعلامهم تروج للمساواة – غير الحقيقية – بين الرجل والمرأة وباتوا يذرفون دموع التماسيح ليحققوا للمرأة ذلك فانساقت المرأة لهذا الفخ فصارت تشارك الرجل في كافة ميادين الحياة وتسعى إلى ذلك جاهدة ونسيت بيتها فكان الضحية هم الاطفال. ثم بدأوا يرفعون من شأن المدرسة وامكانية قيامها بما يفوق دور الاسرة في التربية وهنا تكمن الكارثة، فالمناهج من وضع من؟ هي من وضع اولئك المتآمرين حتماً فبدأوا يدسون سمومهم عن طريقها فاسقطوا قدسية الاب والام في نظر الاطفال فزال الاحترام الذي يكنه الطفل لابويه.

و هكذا يسير المخطط شيئاً فشيئاً حتى فقدت هذه المؤسسة دورها الحقيقي بجهود المتآمرين وانسياق الآباء والامهات في مخططاتهم اللعينة وانخداعهم بها. فلم يعد لهذه المؤسسة ذلك الدور الذي اراد الله لها القيام به.

ان هذا الأمر ربما لا يهمنا بشيء لو كان يخص الاسرة في المجتمعات الغربية حسب مثلا، ولكن تاثيرات ذلك المخطط بدات تجتاح مجتمعاتنا التي تعشق الحضارة الغربية ومظاهرها اللماعة. ثم ان الكم الهائل من اسرنا المسلمة الذي اصبح – تحت ظروف شتى – يعيش في كنف الانظمة الغربية بات ينساق تلقائياً وراء هذه الانظمة فصار واجبا علينا القاء كلماتنا في هذا المجال وتوعية الآباء في اسرنا المسلمة كي لا ينخدعوا بما يحاك ضدهم.

فالاسلام اعطى الاسرة الدور الاكبر الذي لا يمكن ان ينقضي بمرور الزمن، أو يحل محله كيان آخر يمكنه ان يقوم بما تقوم به الاسرة من وظيفة التربية التي تقوم على عبادة الله الواحد الذي لا يريد بالعباد الا خيراً ولا يرجو خلال ذلك منهم نفعاً.

الإسلام اراد للاسرة ان تربي الاطفال على الاخلاق الحميدة والمثل العليا التي تستمد من وحي الشريعة الاسلامية الغراء. الإسلام اراد للاسرة ان تضفي نفسها على الطفل ذلك النفس الايماني العميق الذي لا يمكن لاية مؤسسة في العالم ان تمنح الطفل إياه فهو يستنشق ذلك العبق الالهي لتستنير به نفسه فيظهر ذلك ثمرةً على سلوكه في المجتمع.

فدور الاسرة في المجتمع الاسلامي لا يمكن ان يضاهيه دور في مجال التربية وهذا الدور هو – في الحقيقة – دور ابدي لا يمكن ان ينقضي بمرور الزمن، ولا بالتطور العلمي، انما هو  هو مهما وصل اليه المجتمع.

فالاسرة في المجتمعات الاسلامية لا زالت تحافظ على هذا الدور وهذا ما يقربه المسؤولون في الغرب فهم يقولون: ان هذه الكلمة – يعنون بذلك الاسرة – لم يعد لها معنى الا في المجتمع الاسلامي.